مراجعة للحراك الشعبي ومآلاته السياسية
نمتلك كسوريين لحظة تاريخية للقيام بمراجعة جدية لواقع عملية التغيير، فأن تنطلق الحركة الشعبية هو نتيجة موضوعية لواقع تراكمت فيه التناقضات وازدادت حدة. البداية كانت في درعا ومن ثم تتابعت الأماكن ..
نمتلك كسوريين لحظة تاريخية للقيام بمراجعة جدية لواقع عملية التغيير، فأن تنطلق الحركة الشعبية هو نتيجة موضوعية لواقع تراكمت فيه التناقضات وازدادت حدة. البداية كانت في درعا ومن ثم تتابعت الأماكن ..
لعل أبرز الشعارات التي ملأت أعمدة الصحف ووسائل الإعلام المتنوعة منذ بدء الحركة الشعبية في سورية في 15 آذار 2011، كان شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، والحقيقة أن هذا الشعار ما هو إلا تعبير عن السخط الشعبي تجاه الفساد، بغض النظر عن طريقة وسرعة رفعه الملحوظ في سورية. ففي البداية كانت الشعارات التي رفعها المحتجون في المظاهرات تطالب فقط بإسقاط رموز وأساطين الفساد، الذين عاثوا في بعض المحافظات فساداً، وكانوا أشبه بالملوك فيها، ولكن اللافت أن هذا الشعار وما يشابهه من الشعارات التي رافقت الحركة الشعبية الوليدة منذ بدايتها، حتى عندما كانت الحركة محدودة كماً ونوعاً، لم تولد موضوعياً على الأرض، وخصوصاً في درعا وحمص اللتين اندلع الحراك فيهما مبكراً، وإنما تم رفعها إما بسبب القمع الشديد المثير للريبة، أو بسبب تدخل جهات أخرى حاولت توجيه الحراك وتمثيله دون أن يعطيها أحد الحق في ذلك..
انطلقت الحركة الشعبية في سورية بعد جمود دام نحو أربعين عاماً، وجاء انطلاقها كنتيجة موضوعية ناشئة عن كل التناقضات التي اشتدت في المجتمع السوري وتزايد معدل حدتها بتسارع مخيف في السنوات الخمس الأخيرة.. اشتعلت تلك التناقضات حراكاً شعبياً وليداً متصاعداً، سر به من سر وكرهه كارهون كثر، ربما كان أخطرهم من يتواجدون في صفوفها سراً أو علانية تحت مسميات كثيرة توحي زيفاً بارتباطهم بآلام الشارع السوري..
الحراك الشعبي الواسع بشكليه: الاحتجاجي في الشارع، أو السياسي الذي يدور بين القوى السياسية والمجموعات والأفراد، وحتى في كل بيت، هذا الحراك الجديد في شكله ومضمونه، وغير المسبوق في تاريخ سورية المعاصر، لعب دوراً أساسياً في الفرز الحاصل داخل النظام والمجتمع، حيث فتح المجال أمام بداية حدوث اصطفافات واضحة على أساس رؤية كل طرف من الأطراف الداخلة في الحراك حول كيف سيكون مستقبل سورية، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، نتيجة لهذا الحراك الدائر الآن.
أثبتت الشهور الستة المنصرمة، وهي عمر تفجر الأزمة الوطنية العميقة التي ما انفكت تعصف بالبلاد، أن حالة المناطحة والتناحر الجارية بين النظام من جهة، والحركة الشعبية من جهة أخرى، في محاولة كل منهما نسف الآخر وإلغاءه،
عقدت رئاسة مجلس اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين اجتماعها الموسع الدوري في دمشق بتاريخ 10/9/2011، ناقشت فيه بشكل معمق استمرار الأزمة الوطنية العميقة التي تعيشها بلادنا سياسياً واجتماعياً،
الدروب الوعرة التي سلكها النظام في تعامله مع الحركة الاحتجاجية الشعبية منذ تفجرّها، أنتجت في ما أنتجت، مجموعة متعددة ومتنوعة من «دروب وعرة» تابعة، مجازية أو ميدانية، راحت تملأ الخارطة السياسية – الاجتماعية للبلاد بعدد كبير من الخطوط الداخلية المتعرجة، القابلة للزيادة على خلفية تفاقم وتناسخ الفرز الوهمي، والقابلة في الوقت نفسه للتقطع مؤقتاً أو... نهائياً على إيقاع الدم!.
ترتدي عملية تطويق العنف الجاري في سورية أهمية كبرى وحاسمة. العنف الذي تحول إلى حدث يومي منظم، تمارسه المليشيات المسلحة الموزعة في الجانبين المتضادين شكلياً.. أي النظام من جهة عن طريق «الشبيحة» المسلحين والعناصر الأمنية المتشددة، والحركة الشعبية من جهة أخرى عن طريق متسلقيها من «تنظيمات إرهابية» وتكفيريين.. وعلينا في البدء أن نتجاوز التخرصات الإعلامية الخارجية والمحلية، التي يحاول كل منها نفي أحد شكلي العنف كل حسب موقعه، ونذهب مباشرة لرؤية الواقع كما هو بعين المسؤولية الوطنية، وأن نعترف عندئذ بشكلي العنف، ونبحث عن السبب ومن ثم عن آليات تطويق العنف والخروج الآمن بسورية استعداداً للمعركة الوطنية القادمة بلا ريب..
تقف سورية الآن عند مفترق طرق لعلّه الأخطر في تاريخها ما بعد الاستقلال، مدعاته حال الاستعصاء الذي وصلته الأزمة الوطنيّة الكبرى عبر الشهور الخمسة الفائتة، والتي ستفضي، بالضرورة، إلى واحدٍ من مخرجين : إما الانزلاق إلى احتراب أهلي دموي عمره بالشهور بل ربما بالسنين، وكلفته مليون ضحية بين قتيل ومشوّهٍ ومقعد، أو، التوصّل إلى تسويةٍ تاريخيّةٍ كبرى - لطالما احتاجها الوطن السوري منذ أمد ليس بقصير– عنوانها التغيير، ومتنها استبدال نظام بتشييد دولة... دولة مدنية حديثة على قاعدة عقد اجتماعي جديد تتراضى عليه أطياف المجتمع السوري، ووفق ثوابته الوطنيّة والقوميّة.
لم يكن لشهر رمضان الذي حُرِّم فيه الدم أي أثر أو احترام.. ولا حتى حرمة أيام العيد منعت من التصعيد العالي الشدة على ساحة الاحتجاجات الشعبية في سورية، أو حالت دون تزايد أزيز الرصاص الحي في معظم المناطق، فكثير من التجمعات الاعتيادية التراثية في صباح العيد، والتي كانت تقصد زيارة المقابر فقط، تحولت إلى أهداف لنيران موتورين لم تعترف جهة بأنهم يتبعون لها.. فكيف مر العيد على المحافظات السورية؟ وهل واجهت أقداراً وظروفاً متشابهة؟ استطاعت «قاسيون» استشفاف بعض الآراء من مناطق مختلفة، وحدثنا المواطنون بشجونهم كما يلي: