الشعب يريد إسقاط الفساد

لعل أبرز الشعارات التي ملأت أعمدة الصحف ووسائل الإعلام المتنوعة منذ بدء الحركة الشعبية في سورية في 15 آذار 2011، كان شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، والحقيقة أن هذا الشعار ما هو إلا تعبير عن السخط الشعبي تجاه الفساد، بغض النظر عن طريقة وسرعة رفعه الملحوظ في سورية. ففي البداية كانت الشعارات التي رفعها المحتجون في المظاهرات تطالب فقط بإسقاط رموز وأساطين الفساد، الذين عاثوا في بعض المحافظات فساداً، وكانوا أشبه بالملوك فيها، ولكن اللافت أن هذا الشعار وما يشابهه من الشعارات التي رافقت الحركة الشعبية الوليدة منذ بدايتها، حتى عندما كانت الحركة محدودة كماً ونوعاً، لم تولد موضوعياً على الأرض، وخصوصاً في درعا وحمص اللتين اندلع الحراك فيهما مبكراً، وإنما تم رفعها إما بسبب القمع الشديد المثير للريبة، أو بسبب تدخل جهات أخرى حاولت توجيه الحراك وتمثيله دون أن يعطيها أحد الحق في ذلك..

وفي العموم فإن هذا الشعار لم يكن ليعتمد بين المحتجين لو لم تسبقه ظروف قاهرة، وبالتالي فهو لم يأت من فراغ، بل جاء كمحصلة عفوية لما كان يحدث في سورية في السنوات الماضية من ارتفاع مستويات البطالة وتوسع مستويات الفقر والذي سببه المباشر وغير المباشر الفساد والليبرالية.. إذاً في المحصلة، فإن رفع هذا الشعار تعبير عن عدم الرضا الشعبي على طريقة توزيع الثروة، وفي العمق فإن الشعب أراد إسقاط رموز الفساد في بعض المحافظات، لكنه سرعان ما انتقل من شعار إسقاط رموز الفساد في هذه المحافظات إلى شعار إسقاط النظام، والذي جاء تعبيراً عن عداء الجماهير للفساد الكبير في البلاد، الذي أوصل قسماً واسعاً من الجماهير إلى درجة الانفجار الاجتماعي، لكن حتى الآن، عندما نشاهد أو نسمع المحتجين البسطاء يطالبون بإسقاط النظام، فهم في الجوهر يطالبون بإسقاط الفساد الليبرالي الكبير في البلاد، والذي يعبر عن البرجوازية الجديدة العابرة لجهاز الدولة، فهذه الفئات المتغولة هي بالدرجة الأولى من تتحمل مسؤولية انخفاض مستوى المعيشة لغالبية السوريين وترديها بالشكل الذي أدى إلى ظهور حركة احتجاجية واسعة في معظم أرجاء البلاد.

والحقيقة أننا في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، طالما حذرنا من هذا الفساد الأخطبوطي في أكثر من مناسبة، والذي يشكل بوابة للعبور الخارجي «خدام مثالاً».. والآن فإن أسلوب المعالجة المتبع في حل الأزمة، يشكل تمهيداً موضوعياً لتفتيت البلاد إمبريالياً، لذلك فإن مطلب إسقاط  الفساد يجب أن يتحقق سريعاً لوقف إراقة الدماء وتجنيب البلاد حرباً أهلية، والمضي قدماً نحو انفراج سياسي في البلاد يحافظ على موقع سورية الاستراتيجي إقليمياً ودولياً في معادلة مقاومة الامبريالية ونحو العدالة الاجتماعية والحريات الديمقراطية..

 

«الشعب يريد إسقاط الفساد».. وهذا ليس بمطلب طوباوي خيالي للخروج من الأزمة الوطنية العميقة، أو مطلب غير قابل للتحقيق، بل يمكن القضاء على الفساد بسهولة إذا توافرت الإرادة لذلك، ويمكن توصيف ذلك بما قاله د. قدري جميل في مقابلة إذاعية سابقة: «مخفر عرنوس يمكن أن يحل القضية إذا ما توفرت الإرادة».. أي أن القضاء على الفساد لا يحتاج إلى جهود جبارة، فمخفر شرطة واحد يمكنه حل القضية الملحة والتي تهم غالبية الشعب.. والمطلوب فقط إرادة وعزم ووعي حقيقي للمخارج الآمنة..