المواطنون السوريون وسيف هلال شوال.. كيف مر عيد الفطر على سورية؟ وماذا كانت العيدية؟
لم يكن لشهر رمضان الذي حُرِّم فيه الدم أي أثر أو احترام.. ولا حتى حرمة أيام العيد منعت من التصعيد العالي الشدة على ساحة الاحتجاجات الشعبية في سورية، أو حالت دون تزايد أزيز الرصاص الحي في معظم المناطق، فكثير من التجمعات الاعتيادية التراثية في صباح العيد، والتي كانت تقصد زيارة المقابر فقط، تحولت إلى أهداف لنيران موتورين لم تعترف جهة بأنهم يتبعون لها.. فكيف مر العيد على المحافظات السورية؟ وهل واجهت أقداراً وظروفاً متشابهة؟ استطاعت «قاسيون» استشفاف بعض الآراء من مناطق مختلفة، وحدثنا المواطنون بشجونهم كما يلي:
صورة لعيد الخوف والحزن
ـ المواطن أبو أحمد من حرستا قال: «ليس العيد هذه السنة هو عيد الفطر السعيد الذي عهدناه على مر تاريخ بلدنا الحبيب المسالم المحب الذي يغفر الزلات، وليس ما كنا نتمناه، فقد كنا نتمنى أن تنتهي هذه الأزمة المظلمة في التاريخ السوري قبل العيد، وتخرج سورية من هذه المحنة أقوى وأكثر أمناً واستقراراً ومحبة بين جميع أفراد الشعب السوري ليكون العيد عيدين، ونلبس نحن وأولادنا الثياب الجديدة، وكنت أتمنى الإحساس بالفرحة لأحضر إلى بيتي وعائلتي الفواكه والحلويات المتنوعة، وأعطي العيديات للأولاد، ولكن هذا لم يحصل، فالإحساس بالمرارة والقلق والخوف كان طاغياً على كل أهل البلدة. أنا موظف وقبضت راتبي قبل خمسة أيام من نهاية الشهر، ولكنني لم أجرؤ على شراء أي شيء من مستلزمات العيد، بسبب انعدام الإحساس بالفرحة كما قلت، وكذلك لأنني خفت من المجهول الذي أترقبه، والخوف الذي يعتريني.. هل أستطيع أن أقبض الراتب الشهر القادم أم لا، فيوماً تراني أخبئ ما تبقى من راتبي تحت السجادة، ويوماً داخل الوسادة، ويوماً داخل فتحة صغيرة في أحد الجدران خوفاً من سرقتها من الذين من الممكن أن يداهموا البيوت بحجة التفتيش على الأسلحة أو المطلوبين، ولكنهم بدل ذلك يعيثون في البيوت فساداً وسرقة وتخريباً. لم أتنقل في العيد سوى نهاراً فقط، لأن الليل لم يعد آمناً، ولم يعد أحدنا على ثقة هل يعود إلى بيته أم لا! ولم أزر سوى إخوتي والمقربين جداً، وهذه هي حالي في العيد وحال الكثير من أهالي بلدتي، بل وربما البلد كله. إلا أن بعض البيوت لم يستطيعوا حرمان أطفالهم من فرحة العيد، وتم نصب القليل من الأراجيح، وفي ساحة العيد تم تأجير بعض الدراجات النارية لليافعين وبعض الخيل المزركشة للأطفال، ولكن الأطفال بحسهم العفوي والبريء كانوا يهزجون وهم على ظهر الفرس أو الأراجيح «الشعب يريد إسقاط النظام» وعند الطفل هذا شعور بريء، ويردد ما يسمعه في الأخبار دون أن يقصده هدفاً أو غاية، وليس أولادنا فقط، فقد أخبرنا بعض أعضاء الوفد الذي قابل رئيس الجمهورية للحوار معه، أن الرئيس نفسه قال إن ابنه يردد بعفوية وبراءة كاملتين «الشعب يريد إسقاط النظام». هذا بشكل عام ما عشناه أيام عيد الفطر هذه السنة، وكأن العيد صار محرماً على الناس، فالكثيرون منهم مجروحون ومكلومون بأولادهم أو أهلهم، ومن المعيب أن تشتري الحلوى لأيام العيد، وكثير من أهل هذا الوطن الحبيب قد نصب بيوتاً للعزاء».
حتى الأموات في المقابر لم يسلموا..
ـ المواطن أبو محمد من درعا قال: بعد أن مضت خمسة أشهر من القتل والاعتقالات والتعذيب، أتى شهر رمضان الذي كنا نتمنى أن يكون شهر الخير والمحبة والمغفرة والتآلف، ولكن على العكس، فقد زاد فيه القتل والقمع والتصعيد، وتضاعف فيه الخطر والخوف عما سبقه من الأشهر، وتبين أن الموتورين في السلطة وأصحاب الحل الأمني والقمع لا يعرفون لا رمضان ولا شعبان. ثم جاء عيد الفطر الذي كان من المفروض أن يكون عيداً سعيداً، ولكنهم فاجؤوا الناس في صباح العيد الباكر وهم يزورون شهداءهم في المقابر، وكأن هناك كانت النية مبيتة لدى السلطة لتحويل المدن والبلدات إلى معتقلات، وكانت الهدايا بالعيد الرصاص والقتل والاعتقال، وحتى الأموات في المقابر لم يسلموا من الرصاص، فكان عيداً حزيناً كئيباً على الناس جميعاً، وحتى الأطفال لم نر الفرحة والسرور في عيونهم، وكيف يفرح الأطفال والنساء وهم يعيشون حالة من الرعب والموت؟ فهم يرون كل يوم قتل الأطفال والنساء، واعتقال الصغير قبل الكبير، فالفاسدون المتسلطون عاثوا في هذه البلاد فساداً وقتلاً وظلماً، ولكن قوة الشعب لا تقهر، ولها النصر في النهاية، وهنا لابد من قول جانب هام من الحقيقة، وهو أننا لسنا على خلاف شخصي مع أي أحد في قمة هرم السلطة، ولم تكن مطالبنا أولاً وأخيراً سوى الحرية والكرامة والديمقراطية والعيش الكريم، وهذه الممارسات التي يقوم بها بعض الموتورين، وهذا النهج القمعي، وما تراكم من فساد وظلم وتهميش للمواطن السوري هو الذي يجب أن ينتهي ويسقط، وهذا ما نقصده بإرادتنا الصادقة بأن الشعب يريد إسقاط النظام».
ـ الأستاذ (سعيد. غ) قال: «أي عيد وأية فرحة، وبلدنا يمر بمخاض عسير وآلام ولادة نزفت الكثير من الدماء وسحقت الكثير من الأبرياء؟! العيد الأكبر سيكون حين تنتهي سورية من هذه الأزمة وتخرج منها قوية أبية، تكللها رايات الحرية والديمقراطية ومتانة وحدتها الداخلية وتكاتف أهلها وتآلفهم على امتداد مساحة سورية كاملة، فهذه هي الصورة التي عهدناها في بلدنا قبل عقود، ونتمنى أن تعود، ونتمنى أن يعود العيد القادم وقد تخلصت سورية من كل أدرانها وأحزانها، فقد مرت عقود تم خلالها تجريد المجتمع السوري من كل مقوماته الاجتماعية الحقوقية والقانونية والقضائية، وتخلت عن الناس كل شبكات الأمان الاجتماعية والمدينية من أحزاب ونقابات وجمعيات بل وحتى شبكات الحماية الأهلية والعائلية، وبلغت سورية من التهميش الاجتماعي وانتزاع الحقوق وامتهان القانون والقضاء، حدَّ سقوط أية قيمة اعتبارية أو معنوية للمواطن خارج مؤسسة السلطة الحزبية والأمنية، نتمنى مع انتهاء هذه الأزمة أن تنتهي هذه الظواهر، وتعود الأعياد على سورية وقد استعادت ألقها وبريقها المكللين بالأمن والاستقرار والحياة الكريمة، والمحميين بالحرية والديمقراطية».
هل يكون هذا العيد منعطفاً تاريخياً؟
ـ الطبيب (إسماعيل. ف) قال: «رغم كل المآسي والأحزان والدم البريء الذي اصطبغت به شوارع سورية وساحاتها، فإنني أرى أن هذا العيد سيذكره التاريخ على أنه الحد الفاصل بين مجتمع ما قبل المواطنة ومجتمع المواطنة الحقيقية للمواطن السوري، ففي العقود الأخيرة هبط المجتمع السوري إلى درجة مخجلة في تفككه الاجتماعي والثقافي والوجداني، وتحول من مجتمع مواطنة مدني يحكمه القانون إلى مجتمع تحكمه شريعة الغاب، إلى مجتمع مفروز بهوة كبيرة بين رعايا همهم الوحيد الركض ليل نهار وتأمين عملين أو أكثر لتأمين لقمة العيش، وسلطة متغولة بالاستعباد إلى درجة انتهى معها الأمر بالكثير من الرعايا لتقديس الحاكم، فكانت المطالبة بالديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية فعلاً ملء العين والآذن والإحساس، وليس مجرد ردة فعل عفوية، ويمر هذا العيد ضمن هذه الظروف الاستثنائية مبشراً أنه مازال في الدنيا أعياد، وأن الأعياد القادمة ستحمل لنا رياح الخير والبركة والحرية والعيش الكريم».
ـ الأستاذ (عبد الكريم. ن) قال: «لم يكن هناك عيد ولا مظاهر عيد أصلاً، فالهم الوطني طغى على كل شعور أو مناسبة، ومعروف أن سورية الأبية تتعرض هذه الأيام إلى مؤامرة تسعى لخلق الفتنة والاقتتال الأهلي فيها، وهذه المؤامرة تشارك فيها أطراف خارجية وداخلية وحتى عناصر ذات قرار في السلطة نفسها، وهذا ليس بجديد على سورية، وليست المرة الأولى التي تتعرض فيها لمؤامرات كبرى، بل هي دائماً هدف استراتيجي للقوى المعادية للإنسانية، تحاول النيل منها وتفتيت وحدتها الداخلية، وهذه المؤامرة مازالت في طور الفتنة لأنها ظلت دون الحرب الأهلية، فلم يتمكن كلا الطرفين المتصارعين (العصابات المسلحة والمجرمون المخربون الذين يتخذون من المظاهرات الشعبية ذات المطالب المحقة غطاء لهم من جهة، والأطراف الانتقامية في السلطة نفسها من جهة أخرى) أن يزج المجتمع السوري الوطني في حرب أهلية طائفية، فبقيت المسألة في حدود الفتنة، ومهما اعتمدت السلطة نهج الإفراط في استخدام العنف ضد مجموعات مسلحة تعزف على الوتر نفسه، فهما لم ولن يتمكنا من جر الشرائح الاجتماعية الكبرى لمعركتهما، أو لحمل السلاح خلال الاحتجاجات، وبالتالي لا معنى للعقاب الوحشي الجماعي الذي تتعرض له هذه الشرائح الاجتماعية، ولكن يبدو أن الهدف الوحيد لهذا العقاب الجماعي للمجتمع من المتشددين في السلطة، هو استئصال النهضة السياسية والوعي الجديدين من حياة السوريين، وإلا فما هو مبرر الاعتقالات الشاملة التي طالت قوى يسارية وعلمانية وشيوعية؟! أليس هذا يؤكد هدف نزع الوعي السياسي وممارسته من المجتمع؟! نتمنى أن تعود الأعياد على هذا الوطن الغالي وقد تخلص من هذه الفتنة ما دامت القوى الظلامية في الطرفين قد عجزت أن تجر المجتمع السوري إلى الحرب الأهلية، ونتمنى أن تعود سورية لؤلؤة الشرق الحضارية، وأن تفشل جميع المخططات من الداخل والخارج في خلق الفتن واستغلالها لمعاقبة المجتمع وطرده من فضاء الحياة السياسية الجديدة».
أزمة أعياد، أم عيد أزمة؟
ـ الأستاذ المحامي (عماد. ز) قال: «إن العيد الأكبر هو عيد الوطن، عيد الجماهير الشعبية الواسعة وقد استعادت حريتها وكرامتها، فإن الأزمة السورية التي تلقي بظلالها، ونتائجها التي نراها الآن، بدأت منذ عقود وتراكمت بسبب تجاهل السلطات للمواطن السوري، بل من إهانتة وهدر كرامته عبر ممارسات الفساد المؤسساتي الكبير، وهذا هو الوتر الذي لعبت عليه قوى خارجية وداخلية حاقدة، وباستغلال الوضع المتردي، وبحجة المطالبة بإصلاحه، أوصلوا الأزمة إلى هدف إسقاط سورية وطناً وشعباً ولُحمة وطنية. صحيح أن للمواطن السوري الحق في المواطنة كممارسةٍ وطنيةٍ بامتياز، ولكن هذا لا يعني الارتماء في أتون جحيم لا يُبقي ولا يذر. وإن سياسة التشويش من جهة، والتحريض من جهة أخرى، قد جرت سورية إلى أزمة معقدة ومركبة على مختلف الأصعدة، ألقت بظلالها على جميع مكونات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ما جعل التعامل معها ليس بالأمر السهل، فالعمل على حل هذه الأزمة يحتاج إلى الكثير من الدقة والفرز والوعي بعيداً عن ردود الأفعال غير المدروسة، وعن الأحقاد الشخصية، وكان من المفروض أن يبقى الوطن بعيداً عن أن يكون مَكْسراً لعصا الاختلافات، والمواطنون الأبرياء ذوو المطالب المحقة عن أن يكونوا وقوداً لها، وبالتالي فقد شكل تصاعد الأزمة في الداخل حجة للخارج المحموم المتكالب على تحطيم سورية ومقاومتها للإمبريالية، وهذا برأيي ما حرم السوريين ليس فقط من الشعور بفرحة العيد وبركة رمضان، بل حرمهم أيضاً جزءاً هاماً من الإحساس بالأمان والطمأنينة والاستقرار، ونتمنى أن يعود هذا الشعور المفقود بأعيادنا وكل الأيام القادمة».
الاستحقاق الأكبر
الحزن والخوف والقلق على المصير صبغ عيد معظم السوريين، والأمنيات كبيرة في أن تعود الأعياد القادمة وقد خرجت سورية من أزمتها قوية متماسكة حرة متحضرة، وهذا يلقي على السوريين، والسوريين وحدهم، مهمة التصدي للمؤامرات في سبيل الخروج من الأزمة والعبور نحو سورية جديدة قادرة على المواءمة بين التحديات الخارجية والضرورات الداخلية، في زمن لا تختلف فيه حاجة الفرد عن حاجة الوطن، وبالتالي فإن تأمين الاحتياجات الوطنية العامة سيؤدي بالضرورة لتأمين الاحتياجات الشخصية للأفراد، وهذه مهمة ذات أبعاد اقتصادية ومجتمعية وسياسية بامتياز، تنبع من القدرة على صناعة الوطنية، وصناعة الثقافة، كما صناعة الحرية والديمقراطية. وأصبح لزاماً على السوريين الاستمرار في السير إلى الغد المشرق المأمول، مؤمنين باختلافهم وتنوعهم المؤدي إلى تآلفهم وتناغمهم، وهم وحدهم قادرون على تفعيل آليات اجتثاث الفساد والمحاسبة. إنها استحقاقات المرحلة، لا تقبل التجاهل أو التهاون في وجه كل ما يهدد المجتمع السوري، إنها حتمية عبورنا إلى غدنا الذي نشتهي وعيدنا الذي ننتظر....