قاسيون
email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
قد لا يعرف كثير من السوريين أن العقوبات لم تُخترع من أجل بشار الأسد، بل كانت تاريخياً أداة أساسية بيد الدول الغربية بغية التحكم بسلوك الأنظمة السياسية في العالم، وكان أولئك الذين يفرضون العقوبات يعلمون مدى تأثيرها على شعوب العالم؛ ففي سورية مثلاً، ومنذ أن بدأت سياسة العقوبات، كنا في قاسيون نقول: إن المستهدف الحقيقي من هذه العقوبات هم السوريون أنفسهم وسورية كبلد، وطالبنا في حزب الإرادة الشعبية برفعها، وتحديداً بعد أن تبيّن بالدليل القاطع استفادة السلطة الفاسدة منها، وكيف كانت تعتاش عليها عبر رفع أسعار البضائع كلها من جهة، وسرقة المساعدات من جهة ثانية، وكانت تُراكم ثرواتها من جيوب السوريين الفقراء.
مع بدء الحركة الاحتجاجية في سورية في آذار 2011 اجتمعت هيئة تحرير جريدة قاسيون الناطقة باسم حزب الإرادة الشعبية في دمشق، وهناك اتخذ القرار بفتح ملف بعنوان «سورية على مفترق طرق» كان الهم الأساسي في حينها أن يتحمل الحزب مسؤوليته السياسية، ويقدم لجمهوره حصيلة خبرته السياسية، ورأيه في القضايا المختلفة، استناداً إلى منصة علمية رصينة، وفي ذلك الوقت انكبت كوادر الحزب الشابة على كتابة عشرات المقالات لنقاش القضايا الأساسية المطروحة، لكن صوت السلاح دفع ملايين السوريين للانكفاء مجدداً، والابتعاد المؤقت عن العمل السياسي، ومع تعقد الأزمة ضاقت فسحة الأمل، وجرّفت البلاد من أهلها، وظل الباقون فيها جالسين ينخرهم اليأس... أما اليوم، وقد سطعت الشمس مجدداً، ودفّأت العظام الباردة، فإننا نواصل من منبر «قاسيون» وحزب الإرادة الشعبية من خلفها، وعبر الأقلام الشابة بشكل أساسي، طرح مجموعة من المسائل أمام السوريين، علّها تركّز الضوء على المخرج الوحيد من أزمة وطنية وسياسية عميقة، جثمت فوق صدورنا لسنوات... سعياً وراء انتصارات أكبر قادمة... لأن أجمل الانتصارات هي تلك التي لم تأتِ بعد...
آخر ما عانينا منه نتيجة مخلفات السلطة الساقطة وكوارثها هو وصول الطاقة الكهربائية المنتجة فعلياً من محطات التوليد إلى ما بقارب 2000–2200 ميغا واط، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الطاقة الإنتاجية المتاحة للمحطات العاملة تصل إلى نحو 5500 ميغا واط في حال توفر الكميات التشغيلية الكافية من المشتقات النفطية، وذلك بحسب حديث وزير الكهرباء السابق في حكومة السلطة الساقطة بداية عام 2024، وهو أيضاً ما أكدته الوكالة الدولية للطاقة في تقاريرها عن سورية بأن مستويات الإنتاج بنهاية العام 2022 كانت بحدود 2300 ميغا واط.
في كلمته أمام مجلس الأمن بتاريخ 8 كانون الثاني الحالي قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر إن الأسابيع الأخيرة كانت أقل اضطراباً من تلك التي سبقت الاجتماع الأخير للمجلس بشأن سورية، لكن «حجم الأزمة الإنسانية لا يزال كبيراً». وشدد على ضرورة الحفاظ على الخدمات الأساسية وإعادة بنائها، والتي تضررت بسبب سنوات من الصراع، بما في ذلك في مجالات الصحة والوصول إلى المياه والكهرباء.
لم تكتفِ حكومة تسيير الأعمال الحالية بالحديث عن خصخصة شركات القطاع العام تجاوزاً لصلاحيتها، بل تُمهد لاستكمال مسيرة الخصخصة لتطال قطاع التعليم أيضاً!
صرح وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة تصريف الأعمال قبل عدة أيام بأن «تكلفة إنتاج كيلو الخبز بشكل حر تبلغ 40 سنتاً/دولار ونبيعه بـ 20 سنتاً/دولار، وأن إلغاء الدعم عن الخبز سيتم خلال شهر أو شهرين بحد أقصى مع تحرير السوق»، وأضاف «سنتحمل فارق تكلفة إنتاج الخبز إلى حين تحرير السوق بشكل كامل».
تحول الدولار خلال الشهر الماضي الذي تلا سقوط السلطة السابقة إلى سلعة خاضعة لقوانين العرض والطلب بشكل شبه كلي، بعيداً عن قيمته الحقيقية، وكل البعد عن وظيفته الأساسية كمعادل عام مفترض مقابل الليرة ومتحكم به من قبل المصرف المركزي بشكل رئيسي.
صرح وزير المالية في حكومة تسيير الأعمال السيد محمد أبا زيد بتاريخ 5/1/2024 أن: «70% من شركات القطاع العام ذات الطابع الاقتصادي خاسرة، وندرس خصخصة الشركات الحكومية الخاسرة»، مؤكداً على أن الحكومة «المؤقتة» تعمل على إصدار قوانين استثمار لجذب الاستثمارات الأجنبية لسورية.
لا شك أن إعادة هيكلة النظام الضريبي بات حاجة ضرورية وملحة وطنياً، وذلك نتيجة لتخلف المنظومة الضريبية في عهد السلطة الساقطة وتعقد نظامها الضريبي المعمول به، والذي فقد دوره الوظيفي المفترض، سواء من ناحية جباية الأموال لخزينة الدولة أولاً، أو لتحقيقه مبدأ العدالة الضريبية بين المكلفين وإعادة توزيع الثروة بين مختلف شرائح المجتمع ثانياً.
يشعر عموم السوريين بأنهم دخلوا مرحلة جديدة عنوانها الأساسي: أنّ لهم فيها صوتاً وقدرة على العمل والتأثير في الشأن العام، وأن مرحلة الخوف والهمس والصوت المنخفض قد انتهت. يمكن ملاحظة ذلك من الكثافة العالية في النشاطات والتجمعات والفعاليات التي يقوم بها الناس في مناطق سورية كلها، من الندوات إلى النشاطات الثقافية إلى التجمعات بمختلف أشكالها، بما في ذلك تنشيط عملية الانتخاب المباشر التي يقوم بها موظفون وعمال في دوائر حكومية ونقابات مختلفة لكي يعينوا هم بأنفسهم عبر الانتخاب من يرونه صالحاً لإدارة الأمور استناداً إلى حسن سيرته ومحبة زملائه له، وليس استناداً إلى «حصوله على ثقة القيادة» على الطريقة السابقة التي سئم الناس منها.