مقص الدولار يستمر بتفريغ جيوب السوريين!
تحول الدولار خلال الشهر الماضي الذي تلا سقوط السلطة السابقة إلى سلعة خاضعة لقوانين العرض والطلب بشكل شبه كلي، بعيداً عن قيمته الحقيقية، وكل البعد عن وظيفته الأساسية كمعادل عام مفترض مقابل الليرة ومتحكم به من قبل المصرف المركزي بشكل رئيسي.
وقد كان لذلك الكثير من الآثار والنتائج السلبية المباشرة على غالبية الناس، لمصلحة ترزق وتربح القلة المتحكمة بالدولار في السوق السوداء «المحرر»، والتي ما زالت تمارس هذا الدور كما كانت أيام السلطة الساقطة، حيث يخسر السوريون مرتين بسبب هذا التحكم والتفلّت السعري بذريعة حرية التداول والصرف والعرض والطلب، تماشياً مع سياسات حكومة تسيير الأعمال الحالية!
الخسارة الأولى عند التصريف مباشرةً!
يقتصر دور المصرف المركزي اليوم على إصدار نشرات لأسعار الدولار بشكل شبه يومي، وعلى الرغم من أن سعر الصرف الرسمي يساوي 13,000 ل.س مقابل كل دولار، إلا أن المصرف المركزي لا يستقطب عمليات التصريف بهذا السعر إلا بمبالغ محدودة، وبعد عناء الوقوف بطابور طويل لهذه الغاية، ولا المصارف وشركات الصرافة المخولة رسمياً تقوم بذلك أيضاً، والذريعة المسوقة غالباً هي عدم توفر السيولة الكافية بالليرة السورية!
وعليه يضطر الناس للجوء إلى تصريف الدولار بالسوق السوداء والصرافين المنتشرين بشكل توغلي وكثيف بأسعار أقل من سعر الصرف الرسمي، ووفقاً لآليات العرض والطلب المتحكم بها من قبل كبار حيتان هذه السوق، حيث وصل سعر الصرف في بعض الأحيان إلى 8,500 ل.س مقابل كل دولار حسب درجة اضطرار المواطن للتصريف خلال الأيام القليلة الماضية، وعليه فإن معاناة الناس من معادلة تصريف الدولار وخسارتهم ما زالت مستمرة، فمع كل دولار يصرفه السوريين يتعرضون لخسارة مباشرة بحدود 2500-3500 ليرة تقريباً، وبنسبة خسارة وسطية بحدود 20% أقل من السعر الرسمي، في عملية نهبوية كبيرة وواسعة على حساب هؤلاء، كما على حساب خزينة الدولة التي لا تستقطب هذه الدولارات من السوق ومن المواطنين، لتصب في جيوب كبار حيتان المضاربين بالعملة وبالدولار!
الخسارة الثانية عند الاستهلاك!
يقوم السوريون بصرف الدولار وتحويله لليرة اضطراراً من أجل الصرف على الاستهلاك المعيشي وتغطية احتياجاتهم، والسوق المدولرة والمحمية بالسوق المفتوح والمحرر تبين أن غالبية السلع ما زالت تُسعر بدولار أعلى من السعر الرسمي للمصرف المركزي، وأعلى من سعر السوق السوداء المحرر أيضاً.
فمثلاً رغم انخفاض سعر الصرف الرسمي وبالسوق السوداء، إلا أن أسعار المحروقات (المازوت، البنزين) والمسعرة بالدولار أساساً ارتفعت خلال اليومين الماضيين من 13,000 إلى 15,000 ل.س للمازوت، والبنزين من 15,100 إلى 16,900 ل.س وعليه فإن سعر صرف الدولار للمحروقات يساوي 14,500 ل.س تقريباً، وبالتالي فإن المواطن السوري بعد خسارته الأولى عند تصريفه للدولار بما يعادل 8500 ليرة، يتعرض مع كل المواطنين الآخرين لخسارة إضافية عند الاستهلاك بدولار يعادل 14500 ليرة، وبنسبة خسارة إضافية بحدود 70% تقريباً لقاء سلعة المحروقات، التي تدخل عملياً في حساب الكثير من التكاليف على السلع والبضائع في السوق، والتي تنعكس على شكل زيادات سعرية عليها مجدداً، تُقتطع من جيوب المستهلكين بالمحصلة.
فالسلع والبضائع في الأسواق، وخاصة الأساسية، ما زالت تُسعّر بسعر الصرف التحوطي من قبل كبار التجار والمستوردين بذريعة تذبذب سعر الصرف وعدم استقراره، وهو أعلى من سعر الصرف في السوق السوداء ومن سعر الصرف في المصرف المركزي، وهؤلاء يجنون أيضاً الكثير من المرابح الإضافية على حساب ومن جيوب المستهلكين.
فمقص الدولار والسوق الحر لتداول القطع، بالتوازي مع مقص سوق السلع المدولرة والسعر التحوطي المعمول به، زادت من استنزاف جيوب السوريين لتستكمل إفراغها على حساب ضرورات معيشتهم، التي فرضت عليهم المزيد من تخفيض معدلات الاستهلاك، أي المزيد من العوز والجوع!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1209