ما العمل؟
يشعر عموم السوريين بأنهم دخلوا مرحلة جديدة عنوانها الأساسي: أنّ لهم فيها صوتاً وقدرة على العمل والتأثير في الشأن العام، وأن مرحلة الخوف والهمس والصوت المنخفض قد انتهت. يمكن ملاحظة ذلك من الكثافة العالية في النشاطات والتجمعات والفعاليات التي يقوم بها الناس في مناطق سورية كلها، من الندوات إلى النشاطات الثقافية إلى التجمعات بمختلف أشكالها، بما في ذلك تنشيط عملية الانتخاب المباشر التي يقوم بها موظفون وعمال في دوائر حكومية ونقابات مختلفة لكي يعينوا هم بأنفسهم عبر الانتخاب من يرونه صالحاً لإدارة الأمور استناداً إلى حسن سيرته ومحبة زملائه له، وليس استناداً إلى «حصوله على ثقة القيادة» على الطريقة السابقة التي سئم الناس منها.
السياسة باتت خبزاً يومياً في البيوت السورية، وفي الشوارع، وفي المقاهي، وفي أماكن العمل، والكل متحفزٌ ولديه رغبة بإبداء رأيه وبالمشاركة... ومع ذلك، يبقى السؤال الأكثر تكراراً وإلحاحاً: نعم نريد أن نعمل من أجل بلدنا، ولكن كيف؟ وبأي الطرق؟
يكذب من يقول إن لديه إجابة كاملة وواضحة عن هذا السؤال؛ فالإجابة الكاملة ستقدمها الحياة نفسها عبر التجارب التي يقوم بها الناس، وعبر دراسة نتائج تلك التجارب لتثبيت الناجح منها وتنحية الفاشل.
مع ذلك، فهنالك خبرة تاريخية، ليس في سورية وحدها، بل وفي العالم كله، ينبغي أن نستفيد منها، لأن الحكيم هو من يتعلم من تجارب الآخرين.
تقول تجارب الشعوب المختلفة: إن كلمة السر في قدرة الناس على التأثير هي «التنظيم»... حين نريد دفع سيارة متعطلة، نتجمع خلفها وندفع باتجاه واحد، ولا نقف حولها وندفع من الاتجاهات كلها، لأننا نعلم أن توجيه قوانا باتجاه واحد يجمع محصلتها ويجعلها أكبر وأقوى من قوة كل فرد على حدة. كذلك الأمر مع العمل السياسي والاجتماعي. ينبغي أن نبحث عن أشكالٍ تنظيمية لعملنا ونضالنا من أجل حقوقنا، ابتداءً من البناية والحارة والشارع والحي والمنطقة، وصولاً إلى المحافظة والبلد ككل، ومروراً بالمدرسة والجامعة والمعمل ومؤسسات الدولة المختلفة والنقابات والاتحادات العمالية والنقابية.
يمكننا أن نفعل مبدأ الانتخاب المباشر في كل مجالات العمل والحياة، بحيث يقوم الناس باختيار من يمثلهم ابتداء من لجنة البناية ومروراً بلجان السلم الأهلي في مختف المناطق، وكذلك في مؤسسات الدولة والنقابات والاتحادات، ووصولاً إلى المستويات السياسية العليا.
ينبغي أن نتجه لتنظيم أنفسنا في الأماكن كلها للدفاع عن مصالحنا، وللدفاع عن السلم الأهلي، وضمن عملية التنظيم هذه، ينبغي أن نستفيد من العقلاء والحكماء في كل مكان، وأصحاب السيرة الحسنة والأيادي البيضاء، المحبوبين والمحترمين من الناس في مناطقهم وأماكن عملهم.
وبالتوازي، علينا أن نعمل على المستوى الوطني العام، عبر الانتساب للأحزاب التي تثبت قدرتها على التعبير عن الواقع وهموم الناس بشكلٍ صحيح، وتثبت قدرتها العملية في التحرك للدفاع عن حقوق الناس بالكلام والأفعال. وعلينا أيضاً تشكيل أحزاب جديدة حين لا نجد من يمثلنا ضمن الأحزاب القائمة؛ فالباب مفتوح على اتساعه أمام السوريين ككل، للانخراط في تقرير مصيرهم بأنفسهم، والفرصة التاريخية التي انفتحت أمامنا هي فرصة نادرة، والفرصة دائماً ما تكون محدودة زمنياً، إن لم نتمكن من الاستفادة منها بتنظيم صفوفنا، وخاصة الـ90% من السوريين، المفقرين والمضطهدين، والذين دفعوا الفاتورة الأكبر خلال العقود الماضية كلها، والذين ينتمون للقوميات والطوائف والأديان كلها في سورية... نقول: إننا، أبناء الـ90%، إذا لم نتمكن من الاستفادة من الفرصة التاريخية المتاحة أمامنا الآن لتنظيم صفوفنا، وتحقيق مطالبنا واستعادة حقوقنا، وخاصة في موضوع إعادة توزيع الثروة بشكلٍ عادل، فإن هذه الفرصة ستزول، وستعود الأخطار الكبرى ليس علينا فقط، بل وعلى البلاد بأسرها وعلى وحدتها واستقرارها... ولذا فعلينا أن ننخرط في العمل التنظيمي بأسرع وقت، وأن نتكاتف ونجمع قوانا بالاتجاه الصحيح... تنظموا.. تنظموا.. تنظموا!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1209