لن تُحل أزمة السويداء إلا ضمن حلٍ سوريٍ شامل!
السمة الأساسية للعقود الماضية من التاريخ السوري الحديث، وبشكل خاص ابتداء من 2005 مع تطبيق ما سُمي «اقتصاد السوق الاجتماعي» بما جلبه من إفقارٍ وتهميش وتقويض لدور الدولة الاجتماعي، هي أن كل مشكلة أو أزمة إضافية تنشأ، تبقى قائمة ولا تُحل، بل تتفاقم يوماً وراء الآخر، وتضيف حصتها ضمن التراكمات السلبية العامة؛ من أزمات السكن إلى المواصلات والكهرباء والمياه والوظائف والوضع المعيشي والحريات السياسية المقموعة والفساد المتفشي، ومروراً بالأزمات الأمنية والعسكرية والسياسية الكبرى ابتداءً من 2011، ووصولاً إلى أزمات أشد ضخامة وخطورة، لها أبعادها السياسية والأمنية والطائفية نعيشها اليوم، وتهدد وحدة البلاد ووجودها، بينها الأزمة المشتعلة والمتفاقمة في السويداء خلال أكثر من شهر حتى الآن.
اتسمت طريقة «المعالجة» التي اتبعتها السلطة السابقة بأنها كانت دائماً شكلية واستعراضية وغير جدية من جهة، وأنها كانت جزئية دائماً من جهة أخرى؛ على سبيل المثال لا الحصر: تم التعامل مع الحراك الشعبي الذي انطلق عام 2011، بمنطق «المؤامرة»، وبما سمي «الحلول الأمنية». وفي كل مرة كانت تجري محاولة إخماد الاحتجاجات عبر ضربها أمنياً وسياسياً وإعلامياً كانت تزداد شدة واتساعاً، وفي كل مرة جرى الحديث فيها عن «التصدي للمؤامرة الكونية» كانت تلك «المؤامرة» تشتد محمولة على مزيد ومزيد من التدخلات الخارجية... ولم تجر عملياً، أيّ محاولة حقيقية لاحتواء المشهد، والنظر إلى المسألة كأزمة واحدة شاملة، والتعامل معها تالياً بشكل شامل.
اليوم، تظهر اتجاهات مكررة، تبحث عن حلول جزئية، مرة أمنية ومرة سياسية محلية أو أهلية، عبر التعامل مع السويداء بالترهيب والترغيب وبتأليب السوريين ضد بعضهم البعض على أسس طائفية وقومية ودينية، أو عبر التعامل مع السلطة من خلال الاستقواء بالخارج أو الاتكاء عليه... كلتا المقاربتين لن تؤديا إلّا إلى مزيد من الدمار والخراب والدماء والضعف لكل الأطراف السورية على الإطلاق.
الأزمة التي نشأت في السويداء، وما تزال تتفاقم على أساس يومي، وبدفع وتحريض واضح من قوى خارجية، وبتواطؤ وإهمال وضيق أفق شديد من أطراف داخلية على جانبي المتراس الجديد، لن تصل إلى حلّ، أو هدوء حقيقي، عبر حلول جزئية أو ترقيعية أو شكلية.
وصلت الأمور إلى منتهاها ضمن محاولات الترقيع، منذ 2011 عملياً، واليوم باتت محاولات الترقيع نفخاً في قرب مقطوعة. اتسع الرتق على الراتق، ولم يعد من الممكن حل الأزمات بأشكال مجتزأة، وفوقية، واستعلائية، بعيداً عن إرادة السوريين واجتماعهم وتوافقهم.
المطلوب اليوم، هو النظر إلى الأزمات المختلفة، وضمناً ما يجري في السويداء، بوصفها مفردات مختلفة لأزمة واحدة شاملة هي الأزمة السورية التي ما تزال مستمرة، وتتعمق كلما تأخر حلها حلاً شاملاً.
الحل الشامل يعني في جوهره استعادة الشعب السوري لسيادته الحقيقية على أرضه ومقدراته وعلى قراره، انطلاقاً من كونه شعباً واحداً يتكون من مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن دينٍ أو طائفةٍ أو قوميةٍ أو ولاءٍ سياسي.
والحل الشامل بهذا المعنى، يعني بالملموس الذهاب فوراً إلى مؤتمر وطني عام ينتج حكومة وحدة وطنية شاملة، يشعر السوريون أنهم ممثلون من خلالها، وأن حقوقهم وكراماتهم مكفولة عبرها، وينتج دستوراً دائماً على أساس توافق حقيقي بين السوريين، بعيداً عن منطق الغلبة والاستئثار وعقلية الحزب القائد، وصولاً إلى انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة يختار فيها السوريون ما يريدون ومن يريدون.
هذا الحل الشامل في جوهره هو اقتلاع لجذر المشكلة؛ هو عملية تغيير جذري شامل للنظام السابق الذي ما يزال قائماً في جوهره رغم سقوط السلطة؛ لأن نظاماً جديداً لا يعني تغيير الأشخاص والوجوه فحسب، بل يعني تغيير طريقة توزيع الثروة في المجتمع، وتغيير طريقة إدارة البلاد على المستوى الديمقراطي والوطني، وما جرى حتى الآن ما يزال في جوهره مراوحة في المكان في أحسن الأحوال، وعودة إلى الوراء في أسوئها.
مهمة بناء نظام جديد، ما تزال على جدول العمل الوطني السوري، وأصبحت أكثر إلحاحاً وضرورة، لأنها باتت المدخل الوحيد نحو حماية سورية ومنع تقسيمها، وحقن دماء أهلها، وصون كراماتهم...
ما يمكن أن نتعلمه من السنوات والأشهر الماضية، هو أن عملية الهدم- رغم صعوبتها وتكاليفها الكبيرة- هي دائماً أسهل وأبسط من عملية البناء. وفي الحالة السورية، فإن عملية البناء لا يمكن لها، ليس أن تنجح فحسب، بل حتى أن تبدأ، دون الوصول إلى التوافق الوطني المنشود؛ أي دون الوصول إلى وقفٍ حقيقي لعملية التدمير الاجتماعي الشامل المستمرة حتى الآن.
بهذا المعنى، فإن أزمة السويداء هي تعبير مكثف عن أزمة شاملة تعيشها سورية، أزمة اقتصادية-اجتماعية وسياسية ووطنية عامة، وحلها شامل أيضاً، اقتصادي-اجتماعي وسياسي ووطني، ويتطلب تعاوناً بين كل الوطنيين السوريين على امتداد الساحة السورية وخارجها؛ تعاوناً أساسه هو المصلحة المشتركة لـ90% من السوريين المفقّرين والمنهوبين عبر عقود، والمنتمين إلى كل الأديان والطوائف والقوميات والأجناس، والذين تم تحويلهم إلى وقودٍ لصراعات الداخل والخارج طوال سنوات، وآن الأوان ليعملوا بشكل مشترك من أجل مصلحتهم هم هذه المرة، وليس لمصلحة هذا الطرف السياسي أو ذاك، هذه الدولة الخارجية أو تلك...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1239