افتتاحية قاسيون 1239: كيف نجعل التقسيم مستحيلاً؟
ينتشر في الأوساط السورية- وعلى خلفية الأزمات المتفاقمة التي جرت وتجري في مناطق متعددة من البلاد- رأيان متناقضان بما يخص وحدة البلاد واحتمالات تقسيمها؛ الرأي الأول: يرى أن التقسيم أمرٌ مستحيل، وغير قابل للحدوث تحت أي ظرف.
الرأي الثاني: يرى أن التقسيم حاصلٌ لا محالة، وأن المسألة هي مسألة وقت فقط. وكلا الرأيين، لا يعبران عن الحقائق والوقائع الموضوعية، الداخلية والخارجية.
بما يخص العوامل الخارجية، فمن الصحيح تماماً أنّ هنالك دولاً عديدة تخشى التقسيم ولا مصلحة لها فيه، لأنه سيصيبها هي نفسها إن نجح في سورية. وبالمقابل فإن هنالك «إسرائيل» على الأقل، ومعها دعم من جناح وازن داخل الولايات المتحدة، لهما مصلحة واضحة ومعلنة في تقسيم سورية، ودفعها لتكون صاعق تفجير متسلسل يشمل الإقليم بأسره، ضمن إطار «الشرق الأوسط الجديد»، وفي إطار الصراع ضد القوى الدولية الصاعدة، وفي مقدمتها الصين وروسيا.
النتيجة الواضحة، هي أنه لا ينبغي الركون والاستكانة إلى أن الوضع الخارجي لن يسمح بالتقسيم؛ فمنع التقسيم في سورية على صعيد العلاقات الخارجية، يتطلب توازناً محدداً في بناء تلك العلاقات، يرتكز بالأساس إلى الدول التي لها مصلحة ببقاء سورية موحدة، وفي مقدمة هذه الدول، إلى جانب الصين وروسيا، الدول الإقليمية المهددة بالتفجير والتقسيم، وهي تركيا والسعودية ومصر وإيران والعراق ولبنان.
بالنسبة للعوامل الداخلية، ورغم أن عوامل التوحيد ما تزال أثقل وأوزن بكثير من عوامل التفتيت والتقسيم، إلا أن هذه الأخيرة ترتفع بشكل مضطرد وتزداد خطورة، وينبغي وقفها بشكل سريع عبر تغيير جذري في مسار الأمور. بين أهم هذه العوامل ما يلي:
أولاً: الوضع المعيشي والخدمي المتدهور والمستمر بالتدهور للغالبية الساحقة من السوريين، التي تكافح بشكل يومي وتعجز عن تأمين الحدود الدنيا من العيش الكريم؛ وهذا الوضع، وتعمقه، يدفع الناس للبحث عن أي حلول من أي نوع كانت، حتى ولو كانت وهمية.
ثانياً: ضمن الإطار الاقتصادي-الاجتماعي أيضاً، فإن الاتجاه نحو اللبرلة والخصخصة وإضعاف دور جهاز الدولة الاجتماعي، هو اتجاه مثالي للدفع نحو التقسيم، وهو اتجاه تم اختراعه على يد صندوق النقد والبنك الدوليين، تحت مسميات «الإصلاح الهيكلي»، بالضبط من أجل تخديم عمليات التفتيت وإضعاف المجتمعات والدول في «العالم الثالث»، لإحكام السيطرة عليها وتعظيم نهبها.
ثالثاً: غياب السوق الوطنية الواحدة، كنتيجة لاستمرار تقسيم الأمر الواقع وعدم الوصول إلى تفاهمات سياسية شاملة، هو عامل تفتيت خطير، لأن واحداً من الأسس المادية لوحدة أي بلد من البلدان في عالمنا المعاصر هو وجود السوق الوطنية الواحدة.
رابعاً: مستوى الحريات السياسية الذي ارتفع بشكل كبير بعد سقوط السلطة السابقة، عاد للانخفاض تدريجياً وبشكل واسع تحت ضغط العنف والاقتتال. وانخفاض مستوى الحريات السياسية هو عامل من عوامل تفتيت البلدان وإضعافها.
خامساً: الاتكاء إلى منطق الحلول الأمنية الجزئية، بعيداً عن الحلول السياسية الشاملة، هو أيضاً عاملٌ مهم من عوامل الإضعاف والتفتيت وقسم المجتمع على بعضه البعض، خاصة حين يترافق ذلك مع حملات تحريض طائفي وديني وقومي هائلة، تقوم بها أطراف داخل وخارج البلاد.
سادساً: غياب المشاركة السياسية الحقيقية، والاتكاء على الاستئثار والتفرد، هو أيضاً عامل أساسي من عوامل التفتيت والتقسيم، لأنه يسحب من المجتمع دوره الفاعل، ويحوله إلى «رعية»، وبالأحرى إلى مجموعة من «الرعيات» التابعة لأطراف الصراع الداخلي العنيف.
إن منع تقسيم سورية والدفاع عن وحدتها، هو أمر قابل للتحقيق وله فرص كبيرة في النجاح، لكنه يتطلب عملاً صادقاً وجدياً ضد العوامل السلبية الداخلية والخارجية على السواء، وابتداءً بعقد مؤتمر وطني عام يُعيد توحيد المجتمع السوري بوصفه مكوناً من مواطنين سوريين أحرار متساوين في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن أي انتماء فرعي، ويؤدي لتشكيل حكومة وحدة وطنية جامعة، وإلى دستور دائم وانتخابات حرة ونزيهة يقرر فيها الشعب السوري مصيره بنفسه، وهذه الخطوات بمجموعها هي جوهر القرار 2254 الذي بات تنفيذه (معدلاً) ضرورة من ضرورات منع تقسيم البلاد...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1239