المحرر السياسي: كلمة حول المركزية واللامركزية
يتصاعد الحديث في سورية مجدداً عن المركزية واللامركزية، على خلفية ما يجري من أحداث من جهة، وعلى خلفية الحاجات الموضوعية المتراكمة عبر عقود.
بعيداً عن الاستقطاب الحاد والمدمر الذي يجري استخدامه إعلامياً لتعميق الانقسامات، فإن ما يمكن تثبيته بشكل مكثف هو التالي:
أولاً: المركزية المفرطة، وإنْ كانت لها أسبابها الموضوعية في بداياتها المرتبطة بنشوء قطاع الدولة وتوسعه الكبير ومركزة السلطة بعد الاستقلال، إلا أنها بسبب انخفاض مستوى الحريات لاحقاً، أدت إلى نشوء الفساد والنهب الواسع، مما حول المركز إلى نقيضه، الذي يستنزف الأطراف ويضعفها على حساب نمو سلطته وثروته عبر تحويل الأطراف إلى بقرة حلوب. وهذه الصيغة لم تعد قابلة للحياة موضوعياً، وانتهت صلاحيتها مما قبل 2011.
ثانياً: اللامركزية ضمن إطار وحدة البلاد والشعب، هي ضرورة موضوعية لتطور البلاد منذ عقدين وأكثر. وهي حاجة على المستوى التنموي الاقتصادي والديمقراطي، بما يسمح للسوريين بتطبيق رقابتهم المباشرة على أجهزة الدولة في المركز والأطراف.
ثالثاً: لا مركزية دون مركز، تعني ضرب اللامركزية نفسها، بل وتعني ضرب الدولة ككل وإنهاءها؛ فلا توجد لامركزية دون وجود مركز. واللامركزية تكون قوية حين يكون المركز قوياً، والعكس بالعكس، أما أن يكون أحد جانبي المعادلة ضعيفاً فالثاني سيكون ضعيفاً أيضاً بالضرورة.
رابعاً: المركزية في الشؤون الأساسي ينبغي الحفاظ عليها وتعزيزها، وتحديداً في الدفاع والخارجية والليرة السورية.
خامساً: اللامركزية في شؤون مثل التعليم والصحة وإدارة الخدمات والرقابة المباشرة على أجهزة الدولة والإدارة المحلية الديمقراطية القائمة على الانتخابات المباشرة، هي أمور ضرورية وينبغي تثبيتها.
سادساً: تبقى أمور عديدة بين ما هو مركزي وما هو لامركزي، تحتاج نقاشاً أخوياً بين السوريين، وبحثاً عن حلول إبداعية، بما في ذلك الاستناد إلى الميزات المطلقة العديدة في سورية، وصولاً إلى توافقات حقيقية وعميقة. على سبيل المثال ينبغي الوصول إلى حلول إبداعية للعلاقة بين الموازنات المحلية والموازنة العامة، تركيبة كل منهما وطبيعة العلاقة بينهما، وكذا في موضوع التخطيط الاقتصادي الشامل والجزئي... وهنالك عشرات القضايا الشبيهة على مختلف الأصعدة تحتاج إلى نقاش وتوافق بين السوريين.
المدخل الوحيد لبناء النموذج الجديد هو التوافق بين السوريين، عبر مؤتمر وطني عام وشامل، يحول خارطة الطريق الموجودة في 2254 إلى واقع عملي عبر إنفاذ حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه…
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 0000