فكرة «المؤتمر الوطني العام»... تشقُّ طريقها
نادت «قاسيون» خلال الأشهر الماضية، وبشكل ثابت ومتكرر منذ سقوط السلطة السابقة، بضرورة عقد مؤتمر وطني عام، يكون بمثابة مؤتمر إنقاذ وجميعة تأسيسية؛ يجمع السوريين بمختلف تياراتهم السياسية والاجتماعية، ويسمح بصياغة توافقات حقيقية بينهم على شكل دولتهم، والعقد الاجتماعي ضمنها بمختلف مجالاته، الاقتصادية والإدارية والسياسية وإلخ، ليكون منصة انطلاقٍ نحو بناء سورية جديدة موحدة يقررها الشعب السوري بما يخدم وحدة بلاده ومصلحتها وكرامتها واستقلالها.
مع تقدم الوقت خلال الشهور الثمانية الماضية، ومع كل توتر جديد بالمعنى الأمني والسياسي والاقتصادي، كانت الأصوات المنادية بالمؤتمر الوطني العام، تزداد عدداً وقوة. وبعد الأحداث الدموية الأخيرة في السويداء، تعالت هذه الأصوات أكثر، وبات امتدادها أوسع، ولم يعد محصوراً بنخبٍ سياسية أو ثقافية، بل امتد إلى هذا الحد أو ذاك إلى الأوساط الشعبية أيضاً.
هذا الامتداد هو نتيجة طبيعية لما يجري؛ فالسوريون يشعرون بالخطر بشكل متزايد، ويرون أن الأوضاع لا تتحسن بشكل حقيقي على أي صعيد من الصُّعد، لا الاقتصادي ولا المعيشي ولا الأمني ولا السلم الأهلي ولا توحيد المناطق المختلفة في سورية، ولا حصر السلاح، ولا رفع العقوبات ولا المشاركة السياسية الحقيقية... بل وعلى العكس من ذلك، فإن الأوضاع تأزمت وتراجعت على مستويات عديدة؛ فالدم السوري ما يزال يسفك، وخطابات التحريض الطائفي والديني والقومي ترتفع أكثر فأكثر، وتنذر بأخطار لها أول وليس لها آخر، وتنذر بتفتيت أبناء الشعب الواحد ودفعهم لقتل بعضهم البعض بما يضر بمصالحهم جميعاً، ويصب في مصلحة الصهيوني والأمريكي...
كل هذه المؤشرات والوقائع، تدفع السوريين، بكفاءاتهم المتنوعة وخبراتهم وتياراتهم السياسية والاجتماعية، إلى البحث الجاد والدؤوب عن طريقة لإنقاذ بلادهم، والقسم الأعظم منهم منفتح وجاهز لمد اليد والتعاون والمشاركة وتحمل العبء، ولكن حتى الآن، تصطدم هذه الجهود بمحاولات الاستئثار، وفي كثير من الأحيان بالتكبر عليهم والتعامل معهم بوصفهم «رعايا» يجب عليهم الامتثال، وعدم التدخل في «الشؤون الكبرى» التي هي حق حصري لأصحاب الشأن!
الشعب السوري بسواده الأعظم، لا يطمح لأبعد من حياة كريمة عزيزة في بلد كريم عزيز، وهو يرى أن ما يجري لا يدفع بهذا الاتجاه، ويرى أن المخاطر تتوالد وتزداد بشكل يومي، ولذا يرى ضرورة قصوى بالمعنى الوطني والوجودي، في الاشتراك وتحمل العبء، والباب الواسع لتحقيق ذلك هو المؤتمر الوطني العام، الذي يحقق حواراً حقيقياً ومشاركة حقيقية، تنسجم في الجوهر مع خارطة الطريق الموجودة في القرار 2254، والتي ما تزال صالحة، وجوهرها الأساسي ما يزال جوهر المهمة الكبرى أمام سورية والسوريين: حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه في بلد سيِّد موحد مستقل.
المؤتمر الوطني العام هو مخرج حقيقي من الوضع الخطير الذي نعيش فيه، ولكنه مثله مثل أي حل أو دواء آخر، ينبغي أن يتم استخدامه في الوقت المناسب، وإلا فإن تأخيره أكثر وأكثر يفقده القدرة على العلاج، لأن المرض يكون قد استحكم والمريض بات في حالٍ لا شفاء منها...
الفرصة دائماً مقرونة بمدى زمني يمكن أن تستغل ضمنه، وتجاوز ذلك المدى يعني خسارة الفرصة، ويعني تحول الأزمة إلى كارثة غير محسوبة العواقب ولا النهايات.
الوضع في البلاد بهذه الخطورة، وينبغي التعامل معه بهذه الدرجة من الجدية والمسؤولية الوطنية والأخلاقية والإنسانية، وإلا فإن الدماء السورية العزيزة التي سفكت طوال 14 سنة، وعذابات المعتقلين والمناضلين السياسيين عبر عقود طويلة، يمكنها أن تذهب أدراج الرياح ما لم نتعاون كسوريين، قوى سياسية ومجتمعية وسلطات، من أجل الوصول إلى المؤتمر الوطني العام بأسرع وقت وبأفضل وأشمل صيغة...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1236