في سورية: هل يمكن الفصل بين أمريكا و«إسرائيل»؟

في سورية: هل يمكن الفصل بين أمريكا و«إسرائيل»؟

يتعقد المشهد السوري يوماً بعد يوم، وعلى مختلف الأصعدة: السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية-الاجتماعية. ويبرز ضمن المشهد الدوْران الأمريكي و«الإسرائيلي»؛ حيث يلعب الأمريكي دور المعتدي والضاغط والمتدخل والمشتغل على إشعال الفتن، بينما يقدم الأمريكي نفسه بوصفه «الوسيط»، بل وأحياناً يلعب دور الداعم للسلطة القائمة عبر الكلام عن رفع العقوبات دون رفعها فعلاً، وعبر إزجاء المديح الكلامي من وقت إلى آخر للسلطات السورية وشخوصها، ثم فجأة كيل الاتهامات والتهديدات، في تناوب بهلواني يمثله بشكل ممتاز المبعوث الأمريكي توم براك بسيل التصريحات اليومية التي يطلقها.

من المفيد لنا كسوريين، وحين تتعقد اللوحة أمامنا، وتكثر التدخلات الخارجية، وتتقلب التصريحات والأفعال، أن نرجع إلى الأساسات الواضحة لتثبيتها والتثبت منها، بحيث تكون نقطة الانطلاق التي نبني عليها فهمنا لما يجري، وتالياً السياسة التي ينبغي أن نتبعها.

في سورية: أمريكا = «إسرائيل»

من أهم الأسس التي لا ينبغي أن تغيب عن فهمنا وأنظارنا كسوريين، التطابق بين الدور الأمريكي والدور «الإسرائيلي» في سورية، وليس في سورية فحسب، بل وفي كامل منطقتنا؛ بما في ذلك تجاه فلسطين ولبنان والعراق ومصر والسعودية وتركيا وإيران.

أثبتت السنوات والعقود الماضية، أن التمايز الشكلي بين موقف «إسرائيل» والموقف الأمريكي بما يخص بلدان منطقتنا، لم يكن أكثر من توزيع أدوار مدروس؛ فالأمريكي يحاول تمثيل دور «الوسيط» بينما هو في الحقيقة صاحب المشروع الذي يشكل «الإسرائيلي» أحد أدوات تنفيذه، والذي حين تتم عرقلته بشكل جدي، سرعان ما يدخل الأمريكي بشكل مباشر وواضح وعلني لدعم «إسرائيل» بكل السبل والأدوات الممكنة، وضد كل بلدان المنطقة.

هل هنالك حاجة للتذكير بأن حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، والمستمرة منذ عقود، والمتصاعدة بشكل وحشي لم يشهد له التاريخ مثيلاً طوال ما يقرب من عامين، هي حرب برعاية أمريكية مباشرة، وبسلاح أمريكي لا يتوقف عن التدفق اتجاه الكيان، وبدعم استخباري وتقني وسياسي ودبلوماسي كامل من الولايات المتحدة؟

هل هنالك حاجة للتذكير بأن حرب الكيان ضد لبنان وضد اليمن وضد إيران، كانت دائماً وأبداً بدعم أمريكي من كل الأنواع، وبتدخل أمريكي مباشر من وقت إلى آخر؟

هل هنالك حاجة للتذكير بأن الضغوط التي يمارسها الكيان باتجاه مصر ودول الخليج العربي، كانت وما زالت بمساعدة أمريكية واضحة وعلنية، إلى حد ربط أي صفقة سلاح مع هذه الدول، وأي مشروع تكنولوجي متطور، بتقديم تنازلات معينة للكيان؟

هل هنالك حاجة للتذكير بأن الأمريكي يدعم علناً احتلال «إسرائيل» للجولان السوري، بل ويعترف به جزءاً من الكيان، ولم يسحب هذا الاعتراف بعد، بل ويدعم الآن «حماية إسرائيل لنفسها» عبر الاعتداء علينا واحتلال مزيد من أراضينا وتدمير مقدراتنا، ورسم خطوط حمر لطبيعة الانتشار العسكري داخل أراضينا؟

وضع هذه الوقائع كلها مجتمعة، وغيرها، يعيد تأكيد نقطة انطلاق أساسية لا يجوز التغافل عنها بحال من الأحوال... ربما من الممكن في الدبلوماسية أن تتعامل مع الأمريكي وتطالبه بدور محايد وإيجابي، وتحاول الضغط عليه وعقد صفقات معه وإلخ، ولكن عليك ألا تقع في أيّ أوهام حول موقعه الفعلي واصطفافه الفعلي؛ فهو بالضرورة عدو للسوريين ككل، ولسورية كدولة، ولسورية كقوى سياسية ومجتمعية.

وأكثر من ذلك، فإن عليك أن تراجع نفسك ألف مرة حين تسمع أي كلمة مديح من الأمريكي، لأن هذا ربما يكون مؤشراً مهماً على أنك تسير في الطريق الخاطئ، وليس مؤشراً على «حنكة دبلوماسية» ...

ما العمل؟

وإذا كان الأمر كذلك بما يخص الأمريكان، فكيف نتعامل معهم؟ وكيف ننقذ بلادنا في ظل ما يبدو أنه سيطرة وتحكم واسع النطاق للأمريكي بالمشهد السوري؟

يحتاج الأمر إلى فهم نظري وعملي للأمور التالية:

أولاً: مشهد التحكم الأمريكي الواسع، أو السطوة الأمريكية الواسعة على تطورات الملف السوري، هو مشهد مؤقتٌ وزائلٌ بأسرع مما يتوقع أو يظن كثيرون؛ فالحاكم في هذه المسألة هو التوازن الفعلي للقوى على المستوى الدولي ومن ثم الإقليمي، وفي كلا الأمرين ليس للأمريكي حظٌ في استمرار السيطرة على ما هي عليه، والقياس هنا هو بالأشهر حتى وليس بالسنوات.

ثانياً: الأمريكي لا يريد خيراً لا بسورية ولا بشعبها، ولا بالسلطات فيها ولا بطوائفها ولا بقومياتها ولا بأي مكون من مكوناتها؛ مشروع الأمريكي في سورية، هو ذاته مشروع «الإسرائيلي»: التقسيم والتفتيت والفوضى الشاملة، بحيث تتحول سورية إلى صاعق تفجير لتركيا وللعراق وللمنطقة ككل، ما يسمح بإعاقة القوى الصاعدة الدولية المنافسة للهيمنة الأمريكية أحادية القطبية، وبالدرجة الأولى: الصين وروسيا، ومعهما تركيا وإيران والسعودية ومصر في منطقتنا.

ثالثاً: لا يعولن أحد على تصريحات الأمريكي ووعوده، سواء كان الأمر يتعلق بالعقوبات ورفعها، أو بالحديث عن «سيطرة الدولة»؛ فالمقصود في الحالتين هو دفع الأطراف السورية المختلفة إلى إدماء بعضها بعضاً، ما يؤدي لإضعافها جميعها، وبما يسمح بتمرير مشروع الفوضى.

رابعاً: المدخل الوحيد الصالح لتقليل وزن التدخلات الأمريكية و«الإسرائيلية»، وكل التدخلات الخارجية الأخرى، هو العمل من أجل توحيد الشعب السوري عبر تحقيق التوافق والرضا الاجتماعي، عبر حوار وطني حقيقي مركزه هو مؤتمر وطني عام شامل يسمح بإنتاج حكومة وحدة وطنية ودستور دائم، ويعبد الطريق نحو انتخابات حرة ونزيهة، ويحفظ وحدة البلاد وسيادتها.

خامساً: المدخل الإضافي الضروري هو تنويع العلاقات الخارجية، والاستفادة من التناقضات على الساحة الدولية، وعدم وضع كل البيض في السلة الغربية، لأن البيض الموضوع في السلال الغربية محكوم بأن يتكسر كله أو معظمه في نهاية المطاف.

التطابق بين الدور الأمريكي و«الإسرائيلي» بما يخص سورية والمنطقة، لم يكن سابقاً أمراً معقداً أو محتاجاً إلى توضيح أو تأكيد، ولكن الدوامات التي نمر بها في سورية عبر السنوات الماضية، واللعب على وعي الناس بشكل مستمر، والدم السوري الذي يراق بأيد سورية، كل ذلك أحدث اضطراباً عميقاً في الوعي العام، ولكن قليلاً من التفكر يسمح بإزالة الغشاوة والنظر إلى الوقائع كما هي دون تجميل أو تزييف.

فهم هذا التطابق هو ضرورة قصوى في صياغة سياسات صحيحة في سورية، سواء كان الحديث هو عن الاقتصاد أو الأمن أو العسكر أو المشاركة السياسية أو غير ذلك من الأمور الكبرى.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1236