افتتاحية قاسيون 1235: ماذا بعد أحداث السويداء؟
هدأت النار المشتعلة في محافظة السويداء السورية، بعد أن أحرقت بلظاها قلوب السوريين كلهم، مخلفةً وراءها مزيداً من الدماء والآلام والمآسي الرهيبة... وهذه النار، ورغم أنها هدأت، لكنها لم تنطفئ بشكل كامل بعد؛ شأنها في ذلك شأن النيران الكامنة تحت الرماد في أرجاء البلاد جميعها، والناتجة عن تراكم عقود من المشكلات والأزمات، وخاصة خلال السنوات الـ14 الماضية، والتي لم تتم معالجة أي منها بشكل حكيم وجاد وحقيقي ومسؤول، حتى اللحظة.
بين أهم الدروس التي يعلمنا إياها الدم السوري المراق مجدداً، ما يلي:
أولاً: حالة تقسيم الأمر الواقع التي كانت سائدة خلال سنوات متتالية قبل سقوط الأسد، ما تزال مستمرة حتى اللحظة بالمعنى العملي، ولا يمكن معالجتها بحالٍ من الأحوال بعقلية الحلول الأمنية، وعبر الفرض والقوة، أو عبر الاستقواء بالخارج. والحل الوحيد لها هو الحل السياسي الشامل على أساس التوافق الحقيقي بين السوريين، كل السوريين.
ثانياً: أيُّ استقواء على السوريين، سواء كان استقواءً بالخارج، أو استقواءً بقسم من السوريين على قسم آخر، هو إضعاف للأطراف السورية جميعها بلا استثناء، وتقوية للخارج على حساب الداخل، وتعزيز للفرقة الداخلية، وإضعاف لوحدة المجتمع ووحدة البلاد، وتهديد لسلمها الأهلي ولوحدتها ولوجودها.
ثالثاً: الاتكاء على الأمريكي والثقة به، لها النتيجة ذاتها للاتكاء على «الإسرائيلي»؛ فالمسمَّيان هما في نهاية المطاف، مسمَّيان لطرف واحد بما يخص منطقتنا، ولهما مشروع واحد هو إضعاف سورية ودفع أهلها للاقتتال فيما بينهم وصولاً لتقسيمها وإنهائها كوحدة جغرافية سياسية، كجزء من مشروع تفجير المنطقة بأسرها، بما فيها مصر والسعودية وتركيا وإيران، أملاً في الحفاظ على الهيمنة الأمريكية المتداعية.
رابعاً: ارتفاع مستوى الشحن الطائفي والعشائري والقومي هو نتيجة مباشرة وطبيعية لمحاولات تقييد الحياة السياسية وتغييبها عبر الاستئثار وتغييب مبدأ الديمقراطية وتغييب مبدأ حكم الشعب بالشعب ومن أجل الشعب؛ فالناس في الملمات والظروف الصعبة تلجأ للتجمع للدفاع عن مصالحها ووجودها، وحين لا تجد حياة سياسية وطنية تجمعها، فإنها تلجأ إلى البنى ما قبل الوطنية؛ وهو ما يمكن أن يدخل البلاد في حلقة مدمرة من العنف والثأر والانقسام والتخريب يخرج الجميع منها خاسراً.
خامساً: نتيجة المعركة التي استمرت ما يقرب من أسبوع، هي أننا كلنا كسوريين خسرنا، وأصبحنا أضعف؛ كلنا على الإطلاق، سلطة وقوى مختلفة ومجتمعاً، وازداد بالمقابل وزن الخارج وتأثيره على حساب سيادتنا واستقلالنا، ومن يظن غير ذلك فهو واهمٌ وهماً مضراً قاتلاً.
ما العمل؟
حل المشكلات المتراكمة عبر عقود، والمتراكمة بشكل متسارع خلال الأشهر والسنوات القليلة الماضية، يتطلب الانطلاق من فكرة بسيطة وواضحة ولا يجادل فيها أي عقل وطني سليم، وهي التوافق بين السوريين عبر حوار حقيقي لا شكلي وصولاً لمشاركة حقيقية يقرر الشعب السوري من خلالها مصيره بنفسه.
الطريق الواضح لتحقيق ذلك، ولإبعاد شبح الاقتتال والتقسيم، هو عقد مؤتمر وطني عام على جناح السرعة؛ يكون بمثابة مؤتمر إنقاذ وجمعية تأسيسية في الوقت نفسه، تشترك فيه القوى السياسية والمجتمعية المختلفة والسلطة، وتضع كل الأمور على طاولة النقاش العلني أمام كل السوريين، وصولاً إلى توافقات تنتج حكومة وحدة وطنية شاملة، ودستوراً دائماً، وتجهز الأرضية لانتخابات شاملة على كل المستويات تكون أداة السوريين في توحيد بلدهم وفي تقرير مصيرهم بأنفسهم، وهي الخطوات نفسها التي تشكل جوهر القرار 2254 الذي ما يزال صالحاً وما يزال أداة بيد السوريين يمكنهم استخدامها بما يصب في صالحهم وصالح بلادهم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1235