عرفات: لا توجد حلول أمنية أو جزئية... الحل سياسي شامل عبر مؤتمر وطني عام
استضافت إذاعة صوت الشعب صباح يوم الأربعاء 16 تموز، أي بعد ثلاثة أيام تقريباً من انفجار المعارك في محافظة السويداء السورية، أمين حزب الإرادة الشعبية، الأستاذ علاء عرفات، لنقاش آخر المستجدات على الساحة السورية واحتمالات تطورها. وفيما يلي تنشر قاسيون نص الحوار الذي جرى، ويمكن الوصول إلى اللقاء الكامل عبر الرابط المرفق.
- يبدو المشهد في سورية شديد القتامة، وينعكس باستمرار ليس فقط على الشعب السوري، بل على شعوب المنطقة كافة. بدايةً، أستاذ عرفات، كيف تقرأ المشهد في سورية حالياً؟
المشهد قاتم ومعقد جداً كما وصفته؛ لا يمكن فهم ما يجري في سورية بمعزل عن الأحداث الإقليمية والدولية؛ فحالياً، وبحسب تصريحات المسؤولين «الإسرائيليين»، هناك حديث عن «شرق أوسط جديد». وبالتالي، ما يحدث في سورية لا يمكن تفسيره إلا في سياق هذا المشروع. هناك سعي «إسرائيلي» أمريكي لإيجاد شرق أوسط جديد، لكن ليس بالمعنى الإيجابي، بل شرق أوسط مقسم ومتصارع.
ما نشهده الآن هو جزء من هذا المخطط، محاولات أمريكية و«إسرائيلية» لفرض هذا السيناريو. أما إذا أردنا الحديث عن الأحداث الأخيرة، وتحديداً ما جرى في السويداء، فالأمر لا يتعلق فقط بالتآمر الخارجي، بل هناك أيضاً مشاكل داخلية. سورية بحاجة إلى دولة مدنية حقيقية، بدستور وقانون وأجهزة أمنية وعسكرية تخضع للقانون، وتقف على مسافة واحدة من الجميع. لكن هذا للأسف غير متحقق.
إضافةً إلى ذلك، الوضع الاقتصادي في غاية السوء. السوق السورية لم تعد موحدة؛ شرق الفرات مثلاً خارج المعادلة، وفي بقية المناطق أيضاً توجد مشاكل عديدة، ما يجعل من الصعب بناء مؤسسات دولة موحدة.
عندما يتردى الاقتصاد، تتولد المشاكل بشكل تلقائي. ولهذا أقول: إن الحل الوحيد هو عقد مؤتمر وطني عام، أشبه بجمعية تأسيسية، تجمع السوريين جميعاً في حوار وطني يتفقون فيه على شكل الدولة المقبلة. ما لم نسلك هذا الطريق، ستستمر الصدامات المسلحة المتنقلة في البلاد. إذا نظرنا إلى الساحل، نجد مشاكل. الآن هناك مشاكل في الجنوب، وفي المنطقة الوسطى، وشمال شرق سورية أيضاً. هذا الوضع سيستمر بأشكال متعددة.
المشكلة، أن السلطة في دمشق ما زالت تفكر بمنطق بسط السيطرة الأمنية، وهذا غير ممكن. وحتى لو تم ذلك، فلن يؤدي إلى حالة استقرار. لا بد من الذهاب إلى حل سياسي شامل يجمع جميع السوريين.
في الأيام الماضية، شهدنا صدامات في الجنوب، وتحديداً في السويداء، والوضع هناك سيئ جداً. ولكي ينبغي أن نوضح خلفية هذه الاشتباكات؛ منذ ما قبل سقوط السلطة السابقة، نشأت حركة شعبية في السويداء، بدأت بمطالب سياسية واقتصادية، لكنها تعرضت للقمع، مما أدى إلى نشوء فصائل مسلحة غير موحدة، ولا تتبع مرجعية واحدة. بعضها كان مرتبطاً بأجهزة الدولة السابقة، وبعضها مستقل، وبعضها له أجندات تهريب، وبعضها مرتبط بقوى خارجية.
بعد انهيار السلطة السابقة، جاءت سلطة جديدة وحاولت الحوار مع هذه الفصائل ومع وجهاء السويداء، وتم التوصل إلى اتفاق أمني ينص على تشكيل قوات أمنية من أبناء المنطقة، لكنه لم ينفذ نتيجة تعقيدات من الطرفين. في الأيام الأخيرة، حصلت اشتباكات بين أهل السويداء والبدو المجاورين لهم، وجذورها الخلافات بين الطرفين قديمة تتعلق بالأراضي والمراعي. وقع صدام بين فصائل البدو وبعض المسلحين في القرى، وتطور الأمر إلى هجوم على السويداء. تدخلت السلطة عبر الأمن العام والجيش، لكن الاشتباك لم يكن مع البدو فقط، بل أيضاً مع مسلحي السويداء.
الأمور تعقدت وأصبحت لدينا ثلاثة أطراف في الصدام. وفي هكذا فوضى تحدث تصفية حسابات وتداخلات كثيرة، بعضها مخطط وبعضها غير مخطط. هناك حديث عن أكثر من 100 ضحية، من جميع الأطراف، بينهم عدد كبير من المدنيين من سكان السويداء. ويُضاف إلى هذا التعقيد تدخل الكيان الصهيوني عبر ضربات جوية، هدفها تأزيم الوضع أكثر. هذه الضربات تعطي رسائل لبعض الأطراف بأنها قد تكون أقوى، وهذا تخريب متعمد للوضع في الجنوب السوري.
- كيف تتعامل الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للنظام مع ما يجري؟
القوى الأمنية والعسكرية تسعى لبسط سيطرتها، لكنها تواجه ممانعة من الفصائل المسلحة، وهذا طبيعي. أهالي السويداء قلقون من تجارب سابقة، مثل: تجربة الساحل، لذلك موضوع سحب السلاح معقد ويحتاج إلى اتفاقات شاملة، لكن ما يُطرح الآن من مطالب لا يلاقي قبولاً من السلطة. المشكلة الأساسية أن الاتفاقات الجزئية هنا وهناك لا تحل الأزمة. الحل يجب أن يكون شاملاً، من خلال مؤتمر وطني عام، وهذا جوهر القرار الدولي 2254. إذا لم تذهب الأطراف السورية، وخاصة السلطة، بهذا الاتجاه، فستبقى الصدامات مستمرة ولن يكون هناك استقرار.
- كيف تفسرون الضربات «الإسرائيلية» في السويداء؟
«الإسرائيليون» يزعمون أنهم يدافعون عن الدروز، وهذا غير صحيح. الهدف من هذه الادعاءات هو إظهار أن أبناء السويداء متعاونون مع «إسرائيل»، وهو كلام مرفوض قطعاً. السويداء جزء من النسيج الوطني السوري، والانتماء الوطني فيها متجذر. ضربات الطيران أيضاً تحمل رسالة للسلطة في دمشق: «هذه المناطق خطوط حمراء، ممنوع إدخال السلاح أو تحريك القوات فيها”، و«إسرائيل» تحاول فرض واقع جديد عبر رسم حدود أمنية في الجنوب.
- لكن هناك من يتحدث عن اتفاق سلام بين سورية و«إسرائيل»، فلماذا تضرب «إسرائيل» مواقع السلطة في الجنوب؟
في الحقيقة، هذا الكلام عن اتفاق سلام غير صحيح؛ هناك مساعٍ للعودة إلى اتفاقية 1974 الأمنية، ولكن لا يوجد حديث جدي عن تطبيع أو اتفاق سلام حسب معلوماتنا. الضجيج الإعلامي حول هذا الموضوع هو جزء من الضغط «الإسرائيلي»، بهدف إحداث قلق داخلي في سورية، خاصةً أن دمشق ضعيفة إعلامياً وتفتقر لاستراتيجية إعلامية واضحة.
- كيف هي علاقة النظام السوري بالدول العربية اليوم؟
في البداية كان هناك احتضان عربي للسلطة الجديدة، لكن هذا الاحتضان بدأ يضعف مع الوقت، لأن الأداء لم يحقق استقراراً. الدول العربية كانت ولا تزال تطالب بحل سياسي وفق القرار 2254، وهذا لم يتحقق حتى الآن، ولا يبدو أن السيطرة الكاملة على الأراضي السورية باتت ممكنة، لذلك الوضع ما يزال قلقاً.
- كيف يمكن احتواء الاشتباكات المتكررة في سورية؟
الحل هو التفاهمات الوطنية والحوار العام، وليس المعالجات الجزئية. كل السوريين يريدون دولة مدنية ديمقراطية، حياة سياسية حرة، عدالة اجتماعية، واقتصاداً نشطاً. إذا لم تُوضع هذه القضايا على طاولة الحل، فلن يكون هناك تقدم، بل ستتراكم المشاكل.
- ما هو السيناريو المتوقع في الفترة المقبلة؟
الوضع في سورية جزء من صراع دولي أوسع. الأمريكيون و«الإسرائيليون» يسعون لفرض شرق أوسط جديد. سورية ولبنان وحدهما لا يغيران التوازن الاستراتيجي، لذلك يجري الضغط أيضاً على دول كبرى في المنطقة، مثل: إيران وتركيا ومصر والسعودية. هم يحاولون تدمير أو تفجير إحدى هذه الدول. بعد فشلهم مع إيران، ربما يتحركون باتجاه تركيا أو مصر.
سورية اليوم ليست الهدف النهائي بل الممر لتفجير الوضع الإقليمي. لذلك إبقاء سورية في حالة عدم استقرار يخدم هذا المشروع.
- هل ترى أن السلطة قادرة على احتواء الوضع؟
يمكنها ذلك إذا ذهبت في الاتجاه الصحيح، أي الحل السياسي الشامل وليس الأمني. توحيد السوريين هو مفتاح الحل، لأن السلطة ستكون ضعيفة في أي مفاوضات إذا بقي السوريون منقسمين.
- كيف تصف العلاقة اليوم بين النظام السوري والشعب السوري؟
بعد سقوط السلطة السابقة، كانت هناك موجة من الأمل بزوال عقبة كبيرة. لكن مع الوقت بدأت الآمال تخفت وتحولت إلى قلق وخوف. الوضع الاقتصادي سيئ للغاية، لا توجد بيئة مناسبة للاستثمار أو لإعادة الإعمار، ورفع العقوبات لم يغير شيئاً على أرض الواقع بسبب غياب مؤسسات الدولة الفاعلة.
الأزمة في سورية ليست فقط مقلقة، بل كارثية، وهي تسير نحو الانهيار إذا استمرت بهذا الشكل. لكن هناك إمكانية للتغيير إذا تم الاتجاه نحو حل سياسي شامل.
- ما دور القوى الديمقراطية في هذه المرحلة؟
القوى الديمقراطية تعمل على توحيد الصفوف، بناء تحالفات، والدفع نحو مؤتمر وطني عام. هناك جهود حثيثة لتجميع القوى السورية حول برنامج موحد للحل السياسي.
- ما الذي ينتظر السوريين في الأشهر القادمة؟
في المدى القريب، الوضع سيزداد تعقيداً. أما على المدى المتوسط، فهناك أمل بانفراجات بسبب التغيرات في الساحة الدولية والإقليمية. المشاريع الأمنية ستصل إلى نهاياتها، وسيقتنع الجميع بأنها لا تجلب الحل. التغيرات في الملف الإيراني والفلسطيني والأوكراني ستؤثر إيجاباً على المنطقة، وربما تنعكس إيجابياً على سورية. على السوريين أن يعدّوا أنفسهم لملاقاة هذه التطورات.
تأخير المحاسبة أسهم في مأساة السويداء
تم تسليم تقرير «اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق في أحداث الساحل السوري» يوم الأحد 20 تموز، وذلك بعد عشرة أيام تقريباً من انتهاء مهلة الثلاثة أشهر التي جاءت تمديداً بعد مهلتها الأولى التي كانت شهراً واحداً. ولم يتم نشر التقرير بعد، وبطبيعة الحال لم تجر بعد المحاسبة الموعودة عن جرائم مرعبة تم ارتكابها على الأرض السورية وبحق سوريين، وحملت أبعاداً طائفية مقيتة.
شكلت أحداث الساحل مفصلاً مهماً ما بعد 8 كانون الأول 2024؛ فالشعور العام لدى السوريين بالانفراج وبالأمل وبانتهاء حقبة سوداء من الظلم والقتل والعنف والفقر والتهجير، بدأ بالتلاشي السريع ابتداء من 7 آذار، واستمر بالتلاشي بشكل متسارع منذ تلك اللحظة. حتى اتفاق 10 آذار والكلام عن رفع العقوبات وعن عقود اقتصادية ضخمة إضافة لبعض التقدم على الصعيد الدبلوماسي، كل ذلك- ورغم أنه أعاد رفع المعنويات مؤقتاً- إلا أنه لم يتحول إلى وقائع ملموسة على الأرض... وجاءت بعد ذلك الأحداث والتوترات في صحنايا وأشرفيتها، والتي ترافقت مع شحن طائفي هائل، ومع اعتداءات «إسرائيلية» متواصلة، وكذلك تفجير كنيسة مار إلياس، إضافة إلى أحداث الفوضى اليومية المتفرقة على امتداد مساحة البلاد، ووصولاً إلى المأساة التي عاشتها محافظة السويداء السورية على مدى أسبوع، ولم تنته بشكل كامل بعد... هذا المشهد المؤلم والقاتم بمجموعه، أعاد إحياء الشعور العام لدى السوريين بأنهم يعيشون في نفق مظلم لا يرون ضوءاً واضحاً في نهايته.
ضمن هذه الإحداثيات المعقدة كلها، فإن تأخير إظهار نتائج عمل لجنة التحقيق، وتأخير المحاسبة، أسهم ويسهم في فتح ثغرة كبيرة للتدخلات الخارجية ولإضعاف المجتمع السوري بكل قواه على الإطلاق، وبتغذية الشعور بغياب العدالة والمحاسبة، وبتغذية الشعور لدى المجرمين أنهم سيفلتون من العقاب ما يشجعهم على ارتكاب المزيد من الجرائم، ناهيك عن تغذية المشاعر الطائفية الكريهة التي لا تؤدي إلا إلى مزيد من الدمار والخراب.
مبدأ العدالة الانتقالية هو مبدأ لا يتجزأ، والأكثر جوهرية فيه هو العدالة التي تعالج الأسباب العميقة التي أدت للجرائم بغرض منع تكرارها. والعدالة الانتقالية ليست انتقامية بطبيعة الحال، هذا صحيح، ولكنها مع ذلك ينبغي أن تكون رادعة لمنع تكرار الجرائم، وأن تكون جزءاً من عملية التوافق بين السوريين عبر الحوار، وعبر مؤتمر وطني عام يوحدهم كمواطنين متساوين أحرار، كراماتهم وحقوقهم مصانة بقوة التوافق وبقوة القانون في آن معاً.
مصدر القوة الحقيقي لسورية، ولأي سلطة فيها، ولأي قوة فيها، هو وحدة السوريين، والاستقواء بهم لا عليهم، والاستقواء بهم كلهم لا بقسم منهم على قسم؛ فما يجلبه منطق الغلبة والفرض والتفرق هو ضعف جميع الأجزاء، وضعف البلاد على العموم، واستقواء الخارج عليها وتهديد استقلالها ووحدتها وسلمها...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1235