افتتاحية قاسيون 1234: توحيد الداخل... مدخلاً للعلاقة مع الخارج
يكتظ الفضاء الإعلامي بأخبار وتصريحات وتحليلات حول عمل أمريكي باتجاه اتفاق ما بين الكيان «الإسرائيلي» وبين الحكومة السورية القائمة. ويجتهد الإعلام العبري، ومعه بعض الإعلام العربي والعالمي الدائر في الفلك نفسه، في تصوير الأمر وكأنما قد تم الوصول فعلاً إلى اتفاق، ولم تبق إلا بعض «التفاصيل الصغيرة»؛ مصير الجولان السوري المحتل على سبيل المثال!
كنا قد أشرنا في افتتاحية سابقة، أنه ليس من حق أي سلطة كانت أن تتخلى عن أي جزء من الأرض السورية، وفقاً لكل الدساتير السورية السابقة، ووفقاً للإعلان الدستوري المعمول به حالياً، ووفقاً للقانون الدولي. كما أشرنا إلى أن موضوع التفاوض مع الخارج والوصول إلى اتفاقات بمستوى حرب أو سلام هو صلاحية حصرية لسلطة منتخبة انتخاباً نزيهاً وشفافاً يمثل إرادة السوريين، كل السوريين، حقاً وفعلاً. ونضيف هنا ما يلي:
أولاً: بقدر ما تكون دولةٌ من الدول هشة من الداخل، بقدر ما تكون ضعيفة في علاقتها بالخارج، سواء كانت العلاقة حواراً أو تفاوضاً أو حرباً. والعكس بالعكس، فبالنسبة للخارج، فإن اللحظة المثالية للحرب أو للتفاوض، هي لحظة الضعف القصوى للداخل.
ثانياً: وعليه، فإن المهمة الأولى الملقاة على عاتق السوريين اليوم، مجتمعاً وقوى سياسية وسلطة قائمة، هي توحيد السوريين شعباً وأرضاً، وتجميعهم حول مشروع وطني مشترك، وحول رؤية وطنية مشتركة، تكون المنصة التي ننطلق منها في أي علاقة مع الخارج، وخاصة في الشؤون السيادية الوطنية التي لا يجوز بحالٍ من الأحوال التنازل عنها.
ثالثاً: دون هذا التجميع والتوحيد، فإن السوريين سيكونون الطرف الأضعف المنقسم على نفسه في أي علاقة مع الخارج، وستكون أي علاقة هي علاقة خاسرة بالمعنى الوطني العام، ولن يكسب منها أي طرف سوري، حتى لو توهم أنه يمارس نوعاً من «البراغماتية» أو «الواقعية السياسية».
رابعاً: موضوع توحيد السوريين ليس ضرورة في اختيار التفاوض أو حتى اختيار عدم التفاوض مع الكيان فحسب، بل وهو ضرورة في كل أنواع العلاقات مع الخارج بما فيها العلاقات ذات الطابع الاقتصادي؛ فكلما كان الانقسام الداخلي أعلى، كلما تمكنت الشركات والدول الخارجية من الحصول على عقود أكثر إجحافاً بحق الشعب السوري والدولة السورية، وعقود BOO في مجال الطاقة هي خير مثالٍ على ذلك.
وعليه، فإن ما ينبغي النضال من أجله اليوم هو التالي:
أولاً: توحيد السوريين عبر مؤتمر وطني عام جامع يكون أداة من أدوات السوريين في تقرير مصيرهم بأنفسهم، وينتج حكومة وحدة وطنية شاملة ووازنة، ويستكمل توحيد الجغرافيا السورية ويعيد تشكيل السوق الوطنية الواحدة.
ثانياً: القطع نهائياً مع عقليات الاستئثار والحزب القائد، وتفعيل المشاركة السياسية الحقيقية، وتفعيل الرقابة الشعبية عبر تنظيم السوريين لأنفسهم على مختلف المستويات ليمارسوا دورهم بشكل فاعل، وبما يخدم مصالحهم ومصالح البلاد.
ثالثاً: الاستناد إلى الشعب السوري ومصارحته والاعتماد عليه في العلاقة مع الخارج، وعدم الخضوع للابتزاز السياسي والاقتصادي الغربي، وخاصة الأمريكي، وتوسيع مروحة العلاقات الدولية للاستفادة من التوازنات الدولية والتناقضات الدولية بما يضمن رفع مستوى استقلالية القرار السوري، ولكن أولاً وأخيراً عبر الاستناد إلى الشعب السوري وإلى وحدته التي يمثل تحقيقها الأولوية العليا، والمدخل الذي لا بديل عنه لأي خطوة مستقبلية سياسية أو اقتصادية...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1234