ما سر الهوس الأمريكي-«الإسرائيلي» في الحديث عن تطبيعٍ مع سورية؟

ما سر الهوس الأمريكي-«الإسرائيلي» في الحديث عن تطبيعٍ مع سورية؟

دخل وقف إطلاق النار بين «إسرائيل» وإيران حيز التنفيذ يوم 23 حزيران الماضي، أي قبل 21 يوماً. وابتداء من لحظة وقف إطلاق النار وحتى اليوم، لم يمر يوم واحد إلا وظهرت فيه تصريحات أمريكية أو «إسرائيلية» بخصوص «اتفاق ما» يجري العمل عليه مع سورية. وإلى جانب التصريحات الرسمية وشبه الرسمية، ظهرت- وبشكل يومي أيضاً- أكوامٌ من المقالات والأخبار والتحليلات والإشاعات، مصادرها الأساسية هي الإعلام العبري والأمريكي، وقنوات ومنابر «عربية» و«مؤثرون عرب» عدد مهم منهم يدور في فلك «الإسرائيلي» بشكل مباشر أو عبر الإماراتي...

ويمكن أن يلحظ المتابع أن التحليلات والإشاعات ذهبت بعيداً في الحديث عن «التطبيع» وكأنه بات أمراً واقعاً، وأن المتبقي فقط هو تحديد بعض التفاصيل الصغيرة المتبقية، في حين إن المؤشرات المختلفة تدل على أن المسألة ما تزال بعيدة جداً عن أن تكون ناضجة، وأن أقصى ما يمكن الحديث عنه، ضمن المعطيات الموجودة، هو شكل من أشكال الاتفاق يكون جوهره هو العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974... ما يطرح سؤالاً عن الغاية من وراء الإصرار الأمريكي- «الإسرائيلي» على تصوير الموضوع وكأنما قد تم بالفعل الوصول إلى اتفاق.

ما هو جوهر المسألة؟

كي لا يضيع المرء بالتفاصيل التي يتم إغراق الناس فيها إعلامياً، ينبغي أن يوسع منظار الرؤية زمنياً وجغرافياً، ليضع الأمور في سياقها الصحيح.

خلال العامين الماضيين، كانت الخطة الأمريكية /«الإسرائيلية» المعلنة والمطبقة على الأرض، هي سلسلة من الحروب على عدة جبهات، من غزة إلى لبنان فاليمن فإيران، وكان الهدف المعلن هو «شرق أوسط جديد إسرائيلي» يكون تحت السيادة «الإسرائيلية» ويتم وفقه إضعاف كل دول المنطقة، وتفتيت ما يمكن تفتيه منها على أسس قومية وطائفية ودينية... وفجأة، بعد حرب الـ 12 يوماً، بدأنا نرى سعياً محموماً وهستيرياً لتثبيت اتفاقات سياسية ضمن إطار «اتفاقات أبراهام» أو ما يشابهها.

المسألة ببساطة تتلخص في النقاط التالية:

أولاً: لم تنجح «إسرائيل» ومعها الولايات المتحدة في فرض مشروعهما بالأدوات العسكرية، ولم تنجحا في الوصول إلى الأهداف السياسية المعلنة، لا في غزة ولا في لبنان ولا في اليمن ولا في إيران، وبطبيعة الحال أيضاً لم تتحقق الأهداف المرسومة لتركيا ومصر والسعودية، والتي لا تختلف كثيراً عن تلك المرسومة لإيران أو لسورية.

ثانياً: شكلت حرب الـ 12 يوماً، وقبلها الاضطرار الأمريكي لإنهاء الحرب على اليمن من طرف واحد، مفصلاً مهماً في الحملة الهمجية «الإسرائيلية» على بلدان المنطقة وشعوبها؛ فبعد هاتين المعركتين، بات من الواضح أن التكاليف أعلى بكثير مما يمكن احتماله، ناهيك عن أن الوصول إلى تحقيق الأهداف النهائية عسكرياً، بات ضرباً من الخيال غير العلمي.

ثالثاً: عملية الاستنزاف تتسارع وتصبح أشد تأثيراً بالنسبة للأمريكي و«الإسرائيلي»، خاصة أنها تأتي على خلفية تراجع شامل على المستوى العالمي. وحين تعرف قوة عظمى أنها في حالة تراجع، فهي تعرف ضمناً أن قوتها غداً أضعف منها اليوم، وقدرتها على تمرير ما تريد غداً أضعف من قدرتها اليوم، ولذا تحاول استخدام كل الأدوات المتبقية بين يديها لتثبيت وقائع جديدة، تحاول من خلالها وضع حد لعملية التراجع... فلننظر إلى استخدام الأمريكان لأداة العقوبات الاقتصادية مثالاً (ألا يعرف الأمريكان أن استخدام هذه الأداة يضرهم على المدى المتوسط والبعيد ويضعف موقع الدولار عالمياً؟ يعرفون ولكن لا بديل لديهم عن استخدام هذه الأداة ما دام ذلك ممكناً). الأمر نفسه ينطبق على موضوع الرسوم الجمركية؛ فهم يعرفون أيضاً أن استخدامها مضر على المستوى المتوسط، بل وحتى على المستوى القريب، ولكنها تنفع في إعاقة وترهيب الحلفاء والخصوم وإعاقة تقدمهم ولو مؤقتاً. الأمر نفسه ينطبق أيضاً على استخدام الأدوات العسكرية بمختلف أشكالها، والتي ستكون يوم غد أضعف منها اليوم مع انتقال مركز الإنتاج والتكنولوجيا العالمي نحو الشرق.

ضمن هذا الفهم، من الممكن أن نفسر الهوس الأمريكي- «الإسرائيلي» في تقديم صورة إعلامية عن اتفاقات وعمليات تطبيع، بأنه سعي حثيث لتثبيت وقائع جديدة باستخدام ما تبقى من أدوات، وضمن آجال زمنية محدودة وضيقة...

هل يعني هذا أن الاتفاقات لن تتم؟ ليس بالضرورة؛ فإذا كانت الوقائع تشير اليوم بشكل ملموس إلى أن النصر صبر ساعة، فهنالك من لا يرى في نفسه طاقة كافية لاحتمال هذا الصبر. ولكن الأكيد، هو أن من لن يصبر هذه الساعة المتبقية، ومن سيخضع للأمريكان في تثبيت «وقائع جديدة»، لن يطول به الوقت حتى يذهب هو وهذه «الوقائع» أدراج الرياح؛ لأن الوقائع لا تثبتها صفقات فوق الطاولة أو تحتها، بل موازين القوى الحقيقية، وإرادات الشعوب...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1234