افتتاحية قاسيون 1228: كيف نقيس النمو والتقدم الحقيقي؟

افتتاحية قاسيون 1228: كيف نقيس النمو والتقدم الحقيقي؟

تُعلّمنا تجارب تونس ومصر والسودان وليبيا، وغيرها من التجارب، أن مجرد سقوط السلطة الحاكمة، لا يعني بالضرورة سقوط النظام الحاكم بعمقهِ الاقتصادي-الاجتماعي، أي بطريقته في توزيع الثروة، وفي التعامل مع البلاد واقتصادها وحقوق أهلها، سواء بالمعنى الوطني أو الديمقراطي أو الاجتماعي. وتعلمنا أيضاً أن سقوط سلطة مستبدة وناهبة، لا يمكن أن يتحول إلى انتصار حقيقي ومكتمل للشعب المقموع والمنهوب، ما لم يتم استكمال هذا السقوط ببناء نظامٍ جديدٍ مختلفٍ جذرياً، عادلٍ اقتصادياً-اجتماعياً، وديمقراطيٍّ ووطنيٍّ، يحافظ على سيادة بلاده وثرواتها، ويستطيع الشعب من خلاله حكم نفسه بنفسه.

ولعل بين أكثر الأمور قدرة على كشف طبيعة أي نظام، الجانب الاقتصادي الاجتماعي؛ فكما هو معلوم، فإن السياسة هي تكثيف للاقتصاد وللمصالح الاقتصادية المتصارعة، وبالتالي فإن السياسة الاقتصادية التي يتبعها نظام من الأنظمة، هي ورقة عباد الشمس التي تكشف جوهره، أي لمصلحة من يعمل... داخلياً وخارجياً؟

«الموضة» السائدة الآن لدى المسؤولين الحكوميين ضمن السلطة المؤقتة، هي الحديث عن «الاقتصاد الحر» و«الخصخصة» و«بيع القطاع العام» و«استقطاب رؤوس الأموال والشركات الأجنبية»، وهي في الحقيقة الموضة نفسها بالضبط التي كانت سائدة لدى النظام السوري الساقط منذ عام 2005 بشكل معلن، ومنذ بدايات التسعينيات بشكل غير معلن.

التوجه الاقتصادي الذي ستتبعه البلاد سيصب في نهاية المطاف بواحد من نموذجين عامين؛ فإما أن يكون لمصلحة عموم السوريين، وبالتالي لمصلحة سورية وسيادتها واستقلالها وتطورها، أو بالضد تماماً من مصلحة الشعب السوري، وبالتالي في مصلحة قلة قليلة تثرى على حساب البلاد وأهلها، ومعها دول خارجية تواصل نهبها السابق للبلاد عبر آليات الاستعمار الحديث الاقتصادي المعروفة.

وفي سياق تحديد أي من النموذجين ستتبنى سورية، ينبغي أن نجيب عن سؤال أساسي دائماً: لمصلحة من؟ هل من مصلحة الشعب السوري والسيادة السورية:

* فتح الباب على مصراعيه للاستثمارات الخارجية؟

* تفكيك قطاع الدولة وإنهاء وظيفته الاجتماعية؟

* التنازل عن القطاعات الاقتصادية السيادية؟

* تقديم مصالح المستثمرين والتجار على مصالح العمال والمنتجين؟

 

الإجابة عن هذه الأسئلة هي ضمناً إجابة عن سؤال: ما هو نموذج الدولة الحديثة التي يريدها السوريون؟ هل هي دولة ينمو فيها الدخل الوطني وتزداد فاقة الناس (كما كان الأمر فعلاً خلال حقبة بشار الأسد، فدخلنا الوطني كان ينمو بشهادة المؤسسات الغربية وخاصة بين 2005 و2010)؟ أم دولة يزداد فيها الدخل الوطني، وينعكس إيجاباً على الناس؟ هل المطلوب دولة تؤمن الصحة والتعليم المجاني للجميع، أم تحولهما لقطاع ربحي، وبالتالي تحرم الغالبية الساحقة من السوريين منهما؟

إن اختيار هوية الاقتصاد ونموذج الاقتصاد، هو حق حصري للشعب السوري عبر توافقه واجتماعه، أي عبر مؤتمر وطني عام يفضي لحكومة وحدة وطنية، وليس حقاً من حقوق لا السلطات الانتقالية، ولا أي طرف سوري منفرد؛ لأن هوية الاقتصاد السوري ونموذجه، سيحددان ليس طبيعة الحياة التي ستعيشها البلاد وأهلها خلال عقود قادمة فقط، بل وسيحددان أيضاً إذا ما كانت الأزمات ستنفجر مجدداً بعد حين، وإذا ما كان استقرار البلاد وسلمها الأهلي ووحدتها سيتم الحفاظ عليها أم التفريط بها...

ضمن هذه الإحداثيات، ينبغي الانتباه إلى أن رفع العقوبات (المشروط) الذي يفترض أن يكون فرصة لسورية وللسوريين، يمكنه ببساطة أن يتحول إلى أداة في تطويع البلاد وتكريس تبعيتها وضعفها وفقر أهلها لعقود قادمة... ولذا، فإن المدخل الوحيد لخلاص حقيقي، ولنمو وتقدم ونصر حقيقي للشعب السوري ككل، كان وما يزال المؤتمر الوطني العام، وحكومة الوحدة الوطنية...

(English Version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1228
آخر تعديل على الأحد, 25 أيار 2025 20:51