لا حل اقتصادياً لأزماتنا الاقتصادية!
يواصل الوضع المعيشي للغالبية الساحقة من السوريين، تدهوره المستمر منذ سنوات. تعبر عن هذا التدهور أرقام عديدة، ربما أهمها هو شكل توزيع الثروة، الذي كان يمنح 80% من الثروة لـ 10% من السكان، و20% لـ 90% من السكان لحظة فرار بشار الأسد، ولم يتم حسابه بشكل دقيق بعد ذلك،
ولكنه بالتأكيد لم يتحسن، هذا إنْ لم يصبح أكثر سوءاً؛ لأن قسماً أساسياً من حصة الـ 90% الأفقر يتمثل بكتلة الأجور، التي تم تخفيضها بالضرورة عبر الإجازات الإجبارية، وعمليات الفصل الواسع التي شملت عشرات وربما مئات الألوف من الموظفين في قطاعات الدولة المختلفة. وأيضاً فإن عاملاً مهماً ضمن توزيع الثروة بشكله الثانوي يمر عبر الخدمات والدعم، والذي تضرر أيضاً بشكل كبير مع رفع الدعم بشكل كامل عن الخبز والمحروقات. هنالك أيضاً الرقم المعبر عن الحد الأدنى لمستوى المعيشة، والذي بلغ في حسابات مؤشر قاسيون الربعي في شهر آذار الماضي حوالي 8 ملايين ليرة سورية لأسرة من 5 أفراد، في حين بقي الحد الأدنى الرسمي للأجور عند حدود 279 ألف ليرة سورية. يضاف إلى هذه الأرقام العامة، واقع أن عجلة الاقتصاد ما تزال متوقفة عملياً، والإنتاج الصناعي والزراعي يعملان بالحد الأدنى.
حتى الآن، لا توجد خطة واضحة لكيفية النهوض بالواقع الاقتصادي المدمر، هنالك كلام عام عن «المنافسة الحرة» تارةً، وعن «اقتصاد حر» و«خصخصة» تارة أخرى، إضافة إلى حديث متكرر عن رفع العقوبات والمساعدات والاستثمارات.
طريقان لا ثالث لهما!
أياً يكن التوجه الاقتصادي الذي سيتم اعتماده، (حتى الآن ليس هنالك بالمعنى الملموس توجه اقتصادي واضح، وما يجري على الأرض يجري بحكم العطالة، أي كاستمرار لما كان).
فإن الطريق الأول المدخل إليه سياسي بالضرورة، في حال كانت هنالك رغبة في رفع العقوبات، وفي استجلاب الاستثمارات، فهذا يمر بالضرورة عبر الخضوع لشروط صندوق النقد والبنك الدوليين الاقتصادية، وللشروط السياسية المعلنة وغير المعلنة للأمريكان... وهذا أمر بات واضحاً لكل ذي نظر.
المشكلة في هذا الخيار، هي أن التاريخ يعلمنا أمرين لا يمكن القفز فوقهما.
الأول: هو أن الخضوع لكل الشروط السياسية الأمريكية لا يعني بالضرورة رفع العقوبات.
الثاني: هو أن الخضوع للشروط الاقتصادية لصندوق النقد والبنك الدوليين يعني بالضرورة تردي الوضع الاقتصادي، وإضعاف دور جهاز الدولة، وزيادة هشاشة البلاد ككل، وتعميق احتمالات الانفجار مجدداً.
الطريق الثاني، مدخله سياسي أيضاً، ولكنه يستند إلى استرضاء الداخل لا الخارج، الشعب السوري لا الدول... يبدأ هذا الطريق بتوحيد الشعب السوري، وتجميع قواه وحشدها باتجاه واحد، عبر التوافق والحوار والمشاركة السياسية الحقيقية.
بهذه الطريقة يمكن توحيد البلاد جغرافياً بشكل فعلي، ما يعني إعادة تشكيل السوق الوطنية الواحدة التي لا يمكن حتى التفكير بإعادة إقلاع الاقتصاد دون تشكيلها.
بالتوازي، فإن نموذجاً اقتصادياً محدداً ينبغي اعتماده، هو أقرب في طبيعته لاقتصاد بلد محاصر يسعى لكسر الحصار، وبالتالي يستفيد من إمكاناته الداخلية للحد الأقصى ويمنع أي شكل من أشكال الفساد، عبر رقابة شعبية ومشاركة شعبية حقيقية، وعبر إعادة توزيع جدية للثروة الموجودة، للسماح بتدوير عجلة الاقتصاد، عبر إكمال دورة إنتاج- توزيع/تبادل- استهلاك.
كسر الحصار ممكن عبر خيارات سياسية داخلية جريئة تتجه نحو الناس وتستند إليهم، وعبر خيارات سياسية خارجية جريئة تستند إلى التعاون مع الدول التي لها مصلحة في استقرار سورية، والتي لا تخاف عقوبات أمريكا وشروطها، وهذه دول موجودة ووازنة وعلى رأسها الصين وروسيا.
ينبغي أن نتذكر دائماً، أن الأزمات الاقتصادية تتحول مع الوقت وبالضرورة إلى أزمات اجتماعية وسياسية. وفي وضعنا السوري الهش، فإن الفواصل الزمنية قصيرة جداً، قصيرة إلى الحد الذي يصبح فيه عدم البدء الفعلي بحل المشكلات الاقتصادية صاعق تفجير للسلم الأهلي، بحكم وجود أطراف عديدة تسعى بكل ما لديها من أدوات لتفجير بلادنا من الداخل، وعلى رأسها «إسرائيل».
الخلاصة، هي أن الحلول الفعلية للأزمات الاقتصادية العميقة التي نعيشها لا يمكن أن تكون إلا سياسية، وسياسيةً من نوع محدد يقوم على الاستقواء بالشعب السوري وبوحدته وبمشاركته الفاعلة المباشرة، أولاً وأخيراً...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1222