افتتاحية قاسيون 1217: لمصلحة من كل ما يجري؟

افتتاحية قاسيون 1217: لمصلحة من كل ما يجري؟

يشكل التحليل الهادئ للأحداث مدخلاً أساسياً نحو تعامل وطني ومسؤول معها في مختلف الأوقات والظروف، ويصبح أكثر ضرورة وإلحاحاً حين تسيل الدماء وتضطرب القلوب ويكثر التجييش والتحريض.

بين أهم النقاط التي يمكن تسجيلها حول الأحداث المأساوية التي جرت خلال الأيام القليلة الماضية في الساحل السوري، ما يلي:

أولاً: إنّ الأرضية الموضوعية التي أسست لهذه الأحداث، تتمثل بالدرجة الأولى بالأزمات التي راكمها نظام الأسدين عبر عقودٍ طويلة في سورية، بأبعادها المختلفة: الاقتصادية-الاجتماعية، والوطنية، والديمقراطية، بما في ذلك المظلوميات المختلفة التي كرّسها لدى كل فئات الشعب السوري دون استثناء، وعمّقها خلال السنوات الأربع عشرة الماضية.

ثانياً: بالتوازي، فإنّ الدور «الإسرائيلي» التخريبي كان ولا يزال مستمراً، وقد وصل مع الأحداث الأخيرة إلى مستوى علني وواضح ولا مواربة فيه، مستهدفاً تقسيم سورية وإنهاء وجودها عملياً، وباستخدام مختلف الأدوات والأساليب، العسكرية والأمنية والإعلامية والطائفية والدينية...

ثالثاً: بالملموس، فإنّ كل ما شهدناه خلال الأيام الماضية، من عمليات إجرامية ارتكبتها مجموعات تجري تسميتها بـ«فلول النظام»، ومن انتهاكات وجرائم قامت بها مجموعات منفلتة تحسب نفسها على «الثورة» أو على «النظام الجديد»، هي بشكلٍ أو بآخر امتدادٌ وخدمة لطرف ثالثٍ خارجي هو «إسرائيل» نفسها. ويندرج في الإطار نفسه، عن وعي أو عن جهالة، من يحرضون طائفياً ودينياً بأي اتجاه كان، وأيضاً من ينادي من «السياسيين» و«القوى السياسية» بالتدخلات الدولية و«الحماية الدولية».

رابعاً: تتعزز العوامل السلبية هذه بشكلٍ مضاعف، بفعل العامل الاقتصادي- الاجتماعي الذي يضغط بشكلٍ هائلٍ على عموم السوريين. وتتعزز أكثر بالسياسات المتبعة من تسريح تعسفي واسع النطاق ومن استكمالٍ لرفع الدعم وخاصة عن الخبز، ومن تصريحات حول الخصخصة وغيرها من الإجراءات، سعياً وراء وهم رفع العقوبات والاعتراف الغربي.

خامساً: يضاف إلى ذلك كله استمرار عملية الاستئثار بالسلطة التي ربما كانت مفهومةً في الأشهر الأولى وحتى اللحظة، ولكن استمرار الاستئثار بات يشكل خطراً وعامل تفجير إضافي.

 

ما العمل؟

أولاً: ينبغي إطفاء نار الفتنة بأسرع ما يمكن، وقطع الطريق على التحريض الطائفي والديني. وهذه مسؤولية السلطة القائمة بالدرجة الأولى، التي ينبغي عليها ممارسة دور الدولة ومنطق الدولة في التعامل مع الأحداث. وضمناً فإنه من المفيد والضروري أن يزور السيد أحمد الشرع شخصياً محافظتي الساحل السوري، وأن يستخدم نفوذه المباشر لخلق الطمأنينة وإرساء حالة يتم فيها منع أي نوع من الانتهاكات ضد المدنيين.

ثانياً: ينبغي استكمال عملية حصر السلاح، وهي عملية لن يُقدّرَ لها النجاح ما لم يدعمها المجتمع السوري بأكمله، وبوجه كل أنواع السلاح المتفلت، من مختلف الأطراف. وهذا الدعم لا يمكن تحقيقه إلا على أرضية الحوار الوطني الحقيقي والشامل، وعلى أرضية المشاركة الوطنية الواسعة.

ثالثاً: في السياق نفسه، فقد بات من الضرورات الوطنية الملحة، الإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية وازنة وواسعة التمثيل، تدير المرحلة الانتقالية وتؤمن التطمينات الضرورية لكل فئات الشعب السوري، وتجمّع قواه باتجاه المهمات الوطنية الكبرى، وعلى رأسها استعادة السوق الوطنية الواحدة كشرط لازم لإعادة إقلاع الاقتصاد.

 

مرّت على الشعب السوري سنوات طويلة مظلمة، وأورثته إلى جانب الآلام الكبرى، خبراتٍ كبرى، ربما أهمها هي أن الانقسام على أسس طائفية أو دينية أو حتى سياسية شكلية، هو انقسام مدمرٌ وقاتلٌ للجميع، وأن الوفاء للدم السوري المسفوك يكون أولاً وقبل كل شيء، بوقف سفكه، وليس عبر التحريض باسمه من أجل أنهارٍ إضافية من الدماء... فكل ما جرى خلال الأيام الماضية لا يصب بأي شكل في مصلحة سورية والسوريين، وإنما يصب في مصلحة أعداء الشعب السوري الداخليين من تجار حرب ومجرمين، والخارجيين وعلى رأسهم «إسرائيل».   

(English Version)

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
1217
آخر تعديل على الأحد, 09 آذار/مارس 2025 18:50