جولة في صحف الكيان... واستنتاجات

جولة في صحف الكيان... واستنتاجات

استمرت «إسرائيل» خلال السنوات الأربع عشرة الماضية، بقصف نقاط مختلفة في سورية، بذريعة استهداف نقاط يتواجد فيها عناصر إيرانيون أو تابعون لإيران. واتضح بعد 8 كانون الأول، ومع خروج القوات الإيرانية أو المرتبطة بإيران كافة، أن الأمر هو فعلاً ذريعة، لأن ذرائع جديدة جرى تصنيعها سريعاً لمواصلة القصف والتخريب، بينها «الحد من النفوذ التركي»، و«تأمين الحدود ضد الخطر الإرهابي» وإلى ما هنالك من ذرائع.

قبل حوالي أسبوعين، قصف الكيان مواقع في درعا وفي الكسوة جنوب العاصمة دمشق، وصرح آنذاك وزير دفاع الكيان، كاتس، كما ورد في مقالة في «جيروزيلم بوست»، بأن «القوات الجوية تنفذ حالياً ضربات قوية في جنوب سورية في إطار سياستنا الجديدة لنزع السلاح في المنطقة، ولن نعرض أمن مواطنينا للخطر، وأي محاولة من قبل قوات النظام السوري والمنظمات الإرهابية للتمركز في المنطقة الأمنية في جنوب سورية سيتم الرد عليها بالنيران»، وأضاف قائلاً: «لن نسمح للجنوب السوري أن يصبح جنوب لبنان».

علاوة على ذلك، جرت توغلات «إسرائيلية» داخل الأراضي السورية وما زالت مستمرة، حيث انتهكت بشكل صارخ اتفاق فك الاشتباك لعام 1974، واستمرت في الزحف وراء خطوط الاتفاق، مضيفة بذلك المزيد إلى الأراضي السورية التي احتلتها منذ عام 1967.

تزامنت هذه الممارسات الاحتلالية مع تصريحات لمسؤولين «إسرائيليين» ومنهم رئيس وزراء الكيان، يحاولون من خلالها زرع الانشقاقات وإحداث زعزعة مجتمعية في صفوف الشعب السوري على أسس طائفية ودينية، بما فيها تصريحات عن قلقهم على «الأقليات» في سورية واهتمامهم بحماية طوائف معينة، الأمر الذي لم يلق أصداءً لدى الشعب السوري، الذي أظهر بجله الأعظم ما يكفي من الوعي والوطنية لتجاهل هذا الخطاب ومعرفة أهدافه الخبيثة.

جولة على بعض المقالات والدراسات

لمحاولة فهم ما يريده الصهيوني، نتناول هنا بعض المقالات والدراسات التي نشرتها جهات إعلامية «إسرائيلية» حول سورية وما يحصل في سورية، وفي المنطقة بشكل عام. وضمن الجولة التي سنقوم بها هنا، سنعرض اقتباسات طويلة نسبياً من هذه المقالات قمنا بترجمتها عن العبرية والإنكليزية لوضع القارئ في صورة ما يتم قوله في وسائل إعلام الكيان، وسنترك الاستنتاجات السياسية للقسم الأخير من هذه المادة.

نشر موقع «قناة N12» في 23 شباط الماضي مقالة بعنوان «فرصة نادرة: الطريق إلى اتفاقات تاريخية مع لبنان وسورية». تقول المقالة: «الاضطرابات التي هزت الشرق الأوسط في نصف السنة الأخيرة خلقت واقعاً جديداً غير مسبوق على الحدود الشمالية لدولة إسرائيل. وفي الوقت الذي نأمل، جميعاً، بالتطبيع مع السعودية، من المحتمل جداً أن توجد على الحدود الشمالية إمكانية حقيقية للتوصل إلى تسوية للعلاقات بيننا وبين لبنان وسورية، تكون استمراراً لاتفاقات وقف الأعمال العدائية، والحد من المواجهة بصورة كبيرة. إذا تصرّفنا بصورة صحيحة، فمن المحتمل أن نصل، لاحقاً، إلى اتفاقات سلام كاملة... ويتعيّن على لبنان، وعلى سورية، أن ينفصلا (Decoupling) عن المشكلة الفلسطينية، وترك قيادة الموضوع الفلسطيني للسعودية... في سورية، انهار نظام الأسد... وحلّ محله نظام معادٍ لإيران، وللمحور الشيعي، ووجوده يجعل من الصعب على إيران ترميم حزب الله، والتمركز من جديد في الأراضي السورية، أو التدخل في لبنان من هناك. لقد فهمت دول الخليج، بزعامة السعودية، الفرصة الكبيرة الناجمة عن خسارة السيطرة الإيرانية في سورية، وهي تتسابق على النفوذ في هذه الدولة. ويجري هذا من خلال استغلال حاجة الكبيرة للنظام الجديد في دمشق، ولرئيسه أحمد الشرع، إلى المساعدة من أجل إعادة بناء الدولة المدمرة، بعد أكثر من عقد ونصف من الحرب الأهلية».

ويضيف المقال: «النقطة المفتاحية في التأثير في سورية هي مسألة إعادة إعمار الدولة التي ستكلف مئات المليارات من الدولارات. فالنظام الجديد بحاجة ماسة إلى دول الخليج، وفي طليعتها السعودية، الدولة الأولى التي زارها أحمد الشرع... بناءً على ذلك، فإن سلوك الشرع حيال الغرب ودول الخليج تمليه الحاجة إلى الموارد من أجل إعادة الإعمار... الشرط المباشر للبدء بإعادة الإعمار في سورية هو إزالة عقوبات قيصر الأميركية. ومن أجل هذه الغاية، يوجّه الحاكم الجديد في سورية رسائله ونشاطه الدبلوماسي نحو واشنطن (التي يمر الطريق إليها من القدس) ... هناك خلاف على هضبة الجولان، وأعلن النظام الجديد في سورية أنه لن يتخلى عنها، حتى لو كان الموضوع غير مطروح اليوم على جدول أعماله».

ويضيف: «تملك إسرائيل، من خلال الولايات المتحدة ودول الخليج، أدوات ضغط كثيرة على النظام الجديد في سورية– موارد لإعادة الإعمار وإلغاء العقوبات الأميركية، التي يمكن اشتراط الحصول عليها من خلال طرح مطالب أساسية على النظام الجديد في دمشق. إنها نوع من «شروط اللجنة الرباعية» المطلوبة من سورية، والتي يجب تحديدها بدقة ووضع النظام الجديد في سورية موضع اختبار؛ ومن بينها ألّا تشكل سورية تهديداً عسكرياً لجيرانها، وألّا تكون ملجأً «للإرهاب»، وأن تعترف بالاتفاقات السابقة، وألّا تسمح بتمركُز المحور الإيراني، وأن تسيطر على حدودها وتحمي الأقليات... في سورية، النظام الجديد الملتزم بإبعاد إيران عن الدولة، والذي سيكون مشغولاً في المستقبل بإعادة الإعمار، غير معنيّ بالدخول في مواجهة مع إسرائيل، ويعتبر العودة إلى تطبيق اتفاق فصل القوات إنجازاً. لذلك، يمكن التوصل معه إلى اتفاقات بشأن وقف الأعمال العدائية، على أساس مبادئ متفق عليها، وفوائد أميركية».

نشرت «يديعوت أحرونوت» في 25 شباط الماضي مقالة، قال الكاتب في بدايتها: إن الفشل يوم 7 تشرين الأول 2023 «أدى إلى استراتيجية جديدة– حتى ضد الدول التي تتمتع إسرائيل بسلام قوي معها. تتضمن الخطة 3 أنظمة دفاعية، على حدود غزة ولبنان وسورية: بؤر استيطانية وعقبات على الأراضي الإسرائيلية، و«نظام دفاع أمامي» على أراضي العدو، ومطالبة بنزع السلاح من المناطق المهددة». حول الجانب السوري، تطرق الكاتب إلى قول نتنياهو: إنه طلب «إخلاء جنوب سورية من قوات النظام الجديد بشكل كامل».

---___-_result

يتحدث الكاتب عن تفاصيل الخطة، وهي «نظام دفاع بري من ثلاث طبقات. سيكون النظام الدفاعي الأول داخل الأراضي الإسرائيلية، وسيشمل مواقع دائمة، وعائقاً أرضياً بما في ذلك سياج و/أو جدار، وأجهزة استشعار مختلفة لمراقبة الحدود، بالإضافة إلى نظام لمسارات الحركة السريعة، وقوات الاحتياط، ومكونات الدفاع الجوي والمدفعية... وسيكون النظام الدفاعي الثاني... داخل أراضي العدو... فيما يتعلق بسورية... المنطقة العازلة هي منطقة خالية من أي وجود عسكري، إسرائيلي أو سوري ... والآن، مع الإطاحة بالنظام السوري لبشار الأسد من قبل هيئة تحرير الشام الجهادية، سارعت إسرائيل إلى دخول المنطقة العازلة والاستيلاء عليها من أجل إنشاء نظام دفاع أمامي لمستوطنات الجولان... في هذه المنطقة، لدى جيش الدفاع الإسرائيلي اتصالات مع السكان، كما أن الوجود على قمة جبل الشيخ السوري له قيمة استخباراتية وعملياتية مهمة ... نظام الدفاع الأمامي الثالث... هو نزع السلاح من المناطق التي تهدد إسرائيل ... في سورية، صرح رئيس الوزراء صراحة أنه يطالب بضم مرتفعات الجولان السورية إلى الحدود مع الأردن في الجنوب والشرق إلى ما بعد منطقة السويداء. في هذه المنطقة، يطالب نتنياهو بعدم وجود المنظمة الجهادية التي تسيطر الآن على سورية... وزعيمها أحمد الشرع «الجولاني»... الذي يؤكد صراحة أنه يريد علاقات جوار خالية من العنف مع إسرائيل، لكنه لا يتحدث عن السلام... كما يهددون الطائفة الدرزية التي تعيش في منطقة السويداء، وإخوانهم في إسرائيل قلقون مما قد يحدث في المستقبل، وحالياً يحاول أحمد الشرع تهدئة الدروز وضمهم إلى نظامه، ولكن بما أنهم أقلية تختلف عن التنظيمات السلفية التي تشكل هيئة تحرير الشام فإن الدروز مهددون، وإسرائيل لديها مصلحة في حمايتهم». ويقول الكاتب: إن الهدف الأساسي في سورية هو ضمان عدم وجود الجهاديين الإسلاميين على حدودها، كي لا يتكرر 7 تشرين الأول على هذه الجبهة أيضاً.

مقالة أخرى نشرها موقع «قناة N12» في 27 شباط دفعت باتجاه آخر، حيث يقول كاتبها: «في ظل التفاؤل المفرط من واشنطن، وكأن سورية ولبنان مرشحتان للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، يتعين على إسرائيل أن تتصرف بحذر، والنقطة الرئيسية في ذلك هي: عدم القيام بما ليس ضرورياً! لقد انفتحت فرص جديدة مع كل من دمشق وبيروت، لكن قطف الثمار يتطلب صبراً وحذراً كبيرين... إن الاعتقاد السائد في دائرة الرئيس دونالد ترامب بأن سورية ولبنان جاهزتان للانتقال إلى علاقات سلمية مع إسرائيل ينجح في تشويه تفكير بعض الأشخاص... يجب أن نرى الأمور كما هي دون تضخيمها بآمال وأوهام كاذبة. صحيح أن هناك فرصة لتغيير بنية العلاقات مع الجارتين إلى الشمال، لكن في المستقبل المنظور لا يستحق الأمر البحث عن تحول كامل». ويضيف الكاتب بأن رسائل أمريكا «للحكومة الجديدة في سورية: من الأفضل أن تتخلوا عن نهج الرئيس بشار الأسد تجاه إسرائيل، وأن تنفصلوا عن «محور المقاومة» وتبحثوا عن طريق إلى تفاهمات جديدة، حتى لو لم تكونوا مستعدين للتطبيع الكامل، حتى في اليوم التالي لقيام السعوديين بذلك».

ويضيف الكاتب، أن «الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع لم يعد يتحدث عن «الكيان الصهيوني»، بل عن «دولة إسرائيل». ونادراً ما يدين هجمات القوات الجوية على مخازن الأسلحة المتبقية من النظام السابق وحزب الله. بل إنه يتهرب من إدانة النشاط الإسرائيلي عبر حدود مرتفعات الجولان». ومن الجدير بالذكر أن هذه المقالة أتت قبل القمة العربية الطارئة الأخيرة.

وحول التوغل الجديد في الأراضي السورية من قبل الكيان، يقول الكاتب: «على إسرائيل أن تؤكد أن هذا إجراء دفاعي مؤقت، وأن تضيف إليه تجديداً فورياً لمشروع حسن الجوار لتقديم المساعدة لسكان جنوب سورية، وأولاً وقبل كل شيء إعادة تشغيل المستشفى الميداني الذي كان موجوداً على خط الحدود. ويجب أن نثبت للسكان المحليين وللشرع وشعبه في دمشق أنه ليست هناك نوايا توسعية، وأن إسرائيل مهتمة أيضاً بنسيج جديد من العلاقات مع سورية، وإن كانت مضطرة إلى اتخاذ إجراءات دفاعية».

1217-3

نشرت «يدييعوت أحرونوت» مقالة في 1 آذار بعنوان، «سورية حصان طروادة التركي»، ويقول فيها الكاتب: «الساحة التي كانت تسيطر عليها ميليشيات مدعومة من إيران، تشهد اليوم بروز قوات جديدة من تنظيمات متطرفة تسيطر عليها تركيا وتدعمها، وهذه القوات تدفع بميزان القوى الإقليمي نحو مستقبل غير واضح، يمكن أن يشكل خطراً أكبر من الخطر الإيراني الذي تعيش إسرائيل في ظله منذ عشرات الأعوام. ويسرّع رجب طيب أردوغان مساعيه من أجل إعادة صوغ الشرق الأوسط، حسبما تراه تركيا، وتجد إسرائيل نفسها في مواجهة تهديد جديد محتمل على حدودها الشمالية. وكلما تصاعد النفوذ التركي في سورية، وعززت أنقرة علاقاتها مع التيارات الإسلامية، كلما تصاعدت هذه المخاوف». ويخلص الكاتب إلى أن «الصراع على النفوذ في سورية لم ينتهِ بعد، لكن مع ازدياد طموحات أردوغان واستمرار دعمه للفصائل الإسلامية في سورية، يبدو أن المنطقة تتجه نحو تصعيد جديد يمكن أن يتوسع، وأن يصل إلى قلب النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني».

نشر «معهد دراسات الأمن القومي» في 4 آذار ورقة سياسية يقترح الكاتب فيها آلية دولية لاستقرار وتشكيل سورية الجديدة، لأنه وفق قوله: «في أعقاب صعود النظام الإسلامي في سورية، بدأ واقع جديد يفرض على إسرائيل مخاطر وفرصاً في الوقت نفسه»، ويقترح أن «تتقدم الإدارة الأمريكية بمبادرة لإنشاء آلية دولية لإعادة إعمار سورية تحت قيادتها. ومن وجهة نظر إسرائيل، تهدف الفكرة إلى الحد من مخاطر الاحتكاك العسكري بينها وبين سورية؛ وتقييد دور تركيا في الآلية الدولية، وبالتالي، تعظيم فوائد مشاركتها وتقليص المخاطر الكامنة فيها؛ والحد من مخاطر تجدد النفوذ الإيراني في سورية».

ويقترح الكاتب «إنشاء آلية دولية بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة تركيا ودول الخليج– السعودية والإمارات وقطر– ومصر والأردن ومجموعة الدول الثلاث– فرنسا وألمانيا وبريطانيا– ودول غربية أخرى، والأمم المتحدة وأي دولة أخرى- بما في ذلك روسيا- ترغب في اعتماد المبادئ الأساسية (الشروط المرجعية) للآلية المقترحة لتشكيل سورية واستقرارها». وينوه الكاتب أنه «من المرجح أن يؤدي انخراط إسرائيل في الآلية المقترحة إلى فشلها مسبقاً، ولذلك فمن المهم أن تكتفي إسرائيل بطرح الفكرة على الإدارة الأمريكية والعمل معها لتأمين مصالحها الحيوية».

ويضع الكاتب الأهداف التالية للمبادرة «لتعزيز عدد من الأهداف المهمة للأمن القومي الإسرائيلي: استقرار سورية والحد من مخاطر الاحتكاك العسكري بينها وبين إسرائيل؛ وتعظيم فوائد تدخل تركيا في سورية، والحد من المخاطر التي قد تتعرض لها إسرائيل؛ والحد من مخاطر تجدد نفوذ إيران وترسيخ وجودها في سورية؛ إضافة إلى ذلك، فإنها تشكل خطوة مهمة في إطار تحرك أوسع نطاقاً لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، في الأيام التي أعقبت الحرب المتعددة القطاعات ضد إسرائيل».

ويعدد الكاتب الفوائد لكل من الجهات المقترحة، ومن السهل فهم أن الفوائد لسورية نفسها هي فعلياً الإغراءات التي سيتم استخدامها لتقدم سورية التنازلات، ومن بين هذه «الفوائد» ما هو متعلق بإعادة الإعمار والاعتراف الدولي، وكذلك «ضمان سيادة واستقلال سورية»، ما يعني أن الكاتب يقول ضمناً: عدم الانصياع لما تريده هذه الدول– أو بالأحرى «إسرائيل» وأمريكا– سيكون له تبعات على سيادة واستقلال سورية.

أما الفوائد للكيان نفسه، فتشمل «الزيادة من احتمالات إعادة تأهيل واستقرار سورية المستقبلية المعتدلة، التي لا تشكل تهديداً عسكرياً لإسرائيل، ولا تصبح منطقة تنطلق منها التهديدات تجاه إسرائيل»، ويحذر من السلبيات، وعلى رأسها، أنه «من الممكن أن يطالب بعض أعضاء الآلية بإدراج قضية الجولان والقضية الفلسطينية ضمن المبادئ الأساسية للآلية، وهذا الاحتمال يتطلب التنسيق الوثيق لإحباطه مع الولايات المتحدة، بصفتها رئيسة الآلية».

ويوصي الكاتب «ببدء الحوار مع إدارة ترامب على الفور بهدف إقناعه بقيادة إنشاء آلية دولية لتشكيل واستقرار سورية، ولأن الرئيس لا يولي أهمية كبيرة لسورية وأجندته مخصصة بشكل أساسي للقضايا الداخلية. ويجب التأكيد على أن هذا الاقتراح هو ركيزة العملية الاستراتيجية الشاملة التي يقودها الرئيس لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وإنشاء بنية أمنية إقليمية، واحتواء وإضعاف إيران، وتعزيز التطبيع السعودي الإسرائيلي».

نشر «مركز القدس للشؤون العامة والسياسية»، قبل أيام مقالة بعنوان «إسرائيل تعيد رسم حدودها مع سورية ولبنان»، وتبدأ المقالة بما قاله نتنياهو في 23 شباط في خطاب له في حفل تخريج دورة ضباط حربيين، حيث قال: «إننا نطالب بنزعٍ كاملٍ للسلاح من جنوب سورية، وبعدم وجود قوات من النظام الجديد هناك، ولن نتساهل مع أيّ تهديد يُوجّه إلى الطائفة الدرزية في جنوب سورية... ستبقى قوات الجيش الإسرائيلي في سورية، وفي جبل الشيخ، وفي المنطقة العازلة، من دون حدود، من أجل الدفاع عن مستوطناتنا والتصدي لأيّ تهديد. لن نسمح لقوات «هيئة تحرير الشام»، أو الجيش السوري الجديد، بالدخول إلى المنطقة الواقعة جنوبي دمشق». ويضيف، «لم يرد العالم العربي على تصريحات نتنياهو، وحتى الرئيس السوري الجديد أبو محمد الجولاني، امتنع عن الرد بصورة علنية. وتُشدد مصادر سياسية إسرائيلية على أن المقصود تغيير استراتيجي في السياسة الأمنية الإسرائيلية، وخصوصاً إزاء الدول العربية التي لم توقّع اتفاقات سلام معها، مثل: سورية ولبنان. وتستعد إسرائيل لمنع أيّ خطر يهدد مصالحها الأمنية، بعد تغيّر النظام في سورية، وبعد تدخُّل تركيا في المنطقة، والتي تنوي السيطرة على سورية، بحسب هذه المصادر، على غرار السيطرة الإيرانية خلال حقبة بشار الأسد».

ووفق المقالة، «تشير مصادر أمنية إسرائيلية إلى أن كلام نتنياهو بشأن منع دخول الجيش السوري الجديد إلى جنوب دمشق، يدل على الشكوك الإسرائيلية في أن القوة التي ستتمركز، ستعتمد، في الأساس، على «إرهابيين» جهاديين من تنظيم «هيئة تحرير الشام» ... وإسرائيل لا تثق بالجولاني، وترى فيه شخصية تحاول الترويج أنها معتدلة، بينما لا يزال الجولاني يتمسك بأيديولوجيا جهادية، ويعتمد على مساعدة تركيا من أجل ترسيخ حُكمه. رداً على هذه المخاوف، تعمل إسرائيل على تعزيز حلفائها الدروز في جنوب سورية... ويحتفظ الدروز بقوة عسكرية، وترى فيهم إسرائيل شركاء استراتيجيين. ويشكل تعزيز الحلف مع الدروز في سورية ركيزة مهمة في تعزيز روابط الدم مع الطائفة الدرزية في إسرائيل، ويُعتبر مصلحة أمنية عليا».

تقول مقالة نشرها موقع «هآرتس» في 5 آذار الجاري، «تبدو إسرائيل، أكثر فأكثر، أشبه بسلسلة متاجر تديرها إدارة فاسدة، وتتسبب بتدهوُرها إلى الهاوية، لكنها تواصل فتح فروع جديدة لها، وتوحي بأن الأعمال تسير كالمعتاد، ليس كالمعتاد فحسب، بل إنها أقوى من أيّ وقت مضى... وفي الأسبوع الماضي، افتتحت إسرائيل فرعاً لزبائن جدد. «لن نسمح للنظام الإرهابي الإسلامي المتطرف في سورية بالمسّ بالدروز. أعطينا تعليمات للجيش الإسرائيلي بالاستعداد لنقل رسالة تحذير شديدة وواضحة»، أعلن يسرائيل كاتس المعروف بأنه وزير للدفاع. إن حماية الأقليات هي بادرة إنسانية مطلوبة وضرورية ونبيلة، وإسرائيل بارعة في ذلك، والدروز في إسرائيل يشهدون بذلك. لكن الأمر ليس أن هناك في سورية مَن طلب الحماية من الجيش الإسرائيلي، أو أن وراء هذا التصريح استراتيجية مُحكمة معينة، لكنه يشكل فرصة لتبرير الوجود العسكري للجيش الإسرائيلي في مناطق جديدة احتلها في سورية». ويحذر الكاتب، «إن إمبراطوريات أكبر من إسرائيل تعلمت الدرس التاريخي المرير: إن الوجود العسكري في مناطق محتلة لا يشكل ضمانة للأمن. فالمحافظة على المركز، وعلى الدولة الأم، وعلى الحصانة، وعلى الاستقرار والازدهار، كلها شروط ضرورية لاستمرار وجودنا».

خلاصات واستنتاجات

أولاً: كل حديث تقدمه وسائل إعلام الكيان عن «استقرار سورية» و«استقلالها»، هو حديث كاذب بشكلٍ مفضوح، تناقضه أفعال الكيان وتصريحات مسؤولية، ما يجعل هذا النوع من الكلام جزءاً من الآلة الحربية الدبلوماسية «الإسرائيلية» التي تحاول من خلالها تمرير خططها اتجاه سورية من جهة، وتبرير أفعالها بما فيها التوغل على الأرض والدفع باتجاه الانقسامات الطائفية والدينية.

ثانياً: التناقض بين تركيا والكيان، ظاهر بشكلٍ كبير في مختلف وسائل إعلام الكيان، حده الأدنى هو «التنافس الإقليمي»، ولكن جوهره أبعد من ذلك بكثير، ويتلخص بالتناقض بين مشروعين كبيرين، الأول: هو المشروع «الإسرائيلي» المسمى «الشرق الأوسط الجديد»، والذي لا يستهدف تقسيم سورية فحسب، بل وتقسيم وتفتيت المنطقة بأسرها بما فيها تركيا، ويعد مشروع بقاء بالنسبة للكيان، في ظل التغير العاصف في ميزان القوى الدولي والانكفاء الأمريكي المتسارع. والثاني: هو مشروع تشكل تركيا جزءاً منه فحسب، هو مشروع يضم روسيا والصين وعدداً من الدول العربية الأساسية، ومصلحته هي بالضد من المشروع الأول؛ أي أن مصلحته هي في استقرار سورية ووحدتها كدعامة في استقرار المنطقة ككل، لكسر حاجز التوترات الأمنية بين آسيا وأوراسيا، والذي شكل محور عملٍ أساسي للدول المحيطية (الولايات المتحدة وأوروبا الغربية) طوال 4 قرون مضت.

ثالثاً: الإصرار على استخدام توصيف الإرهاب، الغرض منه هو وضع السلطات في دمشق تحت ابتزاز مستمر من جهة، ولكن من جهة أخرى استخدامه كأداة في تفعيل التناقضات الثانوية ضمن سورية، وخاصة ذات الطابع الطائفي والديني، على أمل الدفع نحو مزيد من الدماء ونحو خراب شامل يقطع الطريق على أي استقرار ممكن.

رابعاً: محاولة تأطير أدوار اللاعبين الدوليين بشكلٍ مسبق، بحيث تكون قيادة دفة العمليات في واشنطن وتل أبيب، يكشف بوضوحٍ عن قلق الكيان من جملة التفاهمات الجارية في الشرق، بين روسيا والصين ودول عربية أساسية وتركيا وحتى إيران... هذه الدول بمجموعها تشكل الإطار الطبيعي للعلاقات الدولية التي يمكن لسورية أن تكون موحدة وآمنة ومستقرة بالاستناد إليها. ولذا يبذل الكيان جهوداً كبيرة في تفعيل سياسة العصا والجزرة، عبر الحديث عن اشتراطات محددة لرفع العقوبات، وتفاوض ما عبر الأمريكان، والغرض الأساسي هو كسب الوقت الكافي لإنضاج مخططات التفجير على الأرض.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1217