افتتاحية قاسيون 1210: غزة... عيننا ذات الظفر والناب!
«هل انتصرنا؟... لقد هُزمت (إسرائيل) في السابع من تشرين الأول... والآن، عندما يتذكر الجهاديون، كارهو (إسرائيل)، السابع من تشرين الأول، فسوف يحتفلون، وسوف تحزن (إسرائيل). وهذا، بالمناسبة، مؤشر آخر على من انتصر».
العبارة السابقة لم يقلها «كارهو إسرائيل»، ولكنها الجملة الختامية في مقالة نشرتها صحيفة يدعوت أحرنوت العبرية يوم السبت الماضي، 18 كانون الثاني 2025، بعد أنْ بات واضحاً أن اتفاق وقف إطلاق النار ماضٍ باتجاه التنفيذ، ورغماً عن أنف الكيان والتحالف المتطرف بزعامة نتنياهو الذي أجبره مبعوث ترامب على العمل يوم السبت، خلافاً للشعائر اليهودية، لإتمام الاتفاق...
وهذه ليست المقالة العبرية الوحيدة التي ترى أن الكيان خرج مهزوماً بعد كلّ ما قام به، من إجرام وتدمير (راجع مادة مركز دراسات قاسيون في هذا العدد)، بل إنّ الرأي العام في الكيان يكاد يُجمِع على أنّ ما جرى هو هزيمة له، لأنّ أيّاً من الأهداف التي وضعتها حكومة نتنياهو لم يتحقق، بما في ذلك القضاء على حماس، وعلى إرادة الشعب الفلسطيني في المقاومة، أو استمرار الاحتلال العسكري لقطاع غزة، أو حتى السيطرة على الضفة الغربية، أو توقيع اتفاقات تطبيع مع السعودية وغيرها تحت النار، ناهيك عن «إعادة رسم الشرق الأوسط» على الطريقة «الإسرائيلية» التفتيتية، وضمناً تقسيم سورية وإنهاؤها... ذلك كله ذهب أدراج الرياح، وبات واضحاً أن تسلسل الأحداث ابتداءً من وقف إطلاق النار في لبنان، ومن ثم انهيار سلطة الأسد، التي بذلت قصارى جهدها في الوصول لاتفاق من تحت وفوق الطاولة مع الغرب، ووصولاً إلى وقف إطلاق النار في غزة، ذلك كله مترابط مع بعضه بعضاً، وهو جزء من اتفاق أكبر ستظهر ملامحه بالتتابع، في منطقتنا وفي العالم بأسره، وضمناً أوكرانيا بطبيعة الحال.
جوهر المسألة، وبعيداً عن حماقة المراهنين على انتصار الكيان وعلى هزيمة الشعوب، هو أن التراجع الاقتصادي والسياسي للمعسكر الغربي، ما يزال مستمراً ومتصاعداً، وأن الإدارة الأمريكية الجديدة التي يتزعمها ترامب، بدأت بالخطوات العملية نحو الانكفاء إلى الداخل الأمريكي من جهة، ومن جهة أخرى نحو إعادة صياغة العلاقات الدولية على أمل الفصل بين الصين وروسيا على طريقة كيسنجر في القرن العشرين، ولكن هذه المرة عبر محاولة الاتفاق مع روسيا، وليس مع الصين.
تصيب عملية التراجع والانكفاء هذه القاعدةَ العسكرية الأمريكية الأكبر في منطقتنا، أي «إسرائيل»، وتفتح الباب بشكلٍ عملي، ولأول مرة منذ عقود طويلة، أمام حل حقيقي وعادل للقضية الفلسطينية، تقوم على أساسه الدولةُ الفلسطينية، وتنسحب بموجبه قوات الاحتلال من المناطق كلها التي احتلتها عام 1967، وتنتهي معه الوظيفة العدوانية التدميرية للكيان الصهيوني ضمن آجال غير بعيدة.
في السياق نفسه، ليست مصادفة فيما نعتقد، أن قائد الإدارة العسكرية أحمد الشرع، قد طالب قبل أيام قليلة بانسحاب «إسرائيل» إلى حدود فض الاشتباك لعام 1974، وبإعادة قوات الفصل الدولية إلى المنطقة العازلة، وهذه خطوة بالاتجاه الصحيح ينبغي تكريسها وتعزيزها، لأنّها تعبر من جهة عن المزاج الحقيقي للشعب السوري، ومن جهة ثانية فهي تتناسب مع الوضع الدولي الجديد، الذي بدأت ملامحه العامة بالتشكل وبالبروز بشكل أوضح.
كانت افتتاحية قاسيون المنشورة بتاريخ 3 كانون الأول 2023، قبل أكثر من عام، وتحت عنوان «غزة تُعيد رسم الإقليم» قد قالت: «رغم الآلام والمآسي والتضحيات الضخمة، إلا أنّ النصر الفلسطيني بات واضحاً لكل ذي بصر. وهذا النصر، وإنْ لم يكن نهائياً، إلا أنّ من أفضاله، ومن أفضال الشعب الفلسطيني ومقاوميه، أنهم سرَّعوا ويسرّعون التحولات العالمية بالاتجاه المطلوب والمناسب لمصالح الشعوب. وبما يخص منطقتنا، فهم يسرّعون إعادة رسم الخريطة السياسية الإقليمية بكاملها، ويسهمون في وضعها على السكة الصحيحة، باتجاه استقلالٍ ناجزٍ سياسي واقتصادي، لم يعد بعيداً».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1210