الحزام والطريق في سورية: آفاقٌ وتطلعات...
لُجين سليمان لُجين سليمان

الحزام والطريق في سورية: آفاقٌ وتطلعات...

على الرغم من كل التفاصيل المعقدة في منطقة بلاد الشام، وعلى الرغم من كل الأحداث المتسارعة والمفاجئة، قد لا يستطيع الراغب أن ينظر نظرة استراتيجية إلى ما يحدث في تلك المنطقة، وتحديدا في سوريا، إلا أن يتساءل عن مصير مبادرة "الحزام والطريق" في ظل عودة شبح الهيمنة الأمريكية خصوصا والغربية عموما.
على مدار السنوات الماضية، أعلنت الحكومة السورية السابقة، أنها ستتوجه شرقا، إذ تمّ رفع شعار التوجه شرقا في مختلف الاجتماعات الحكومية، رغبة بالاستفادة من التجربة التنموية الصينية. إلا أن الوقائع السورية في الداخل لم تكن تتجه إلا صوب الفوضى، لأسباب متعددة لسنا بصدد ذكرها. سيتناول المقال مبادرة الحزام والطريق وآفاقها في سوريا في ظل الماضي والحاضر.

تعد مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني "شي جين بينغ" عام 2013 مبادرة تنموية بالدرجة الأولى، إذ أن الصين وبعد أن أكملت جزءا لا بأس به من المهام التنموية الصعبة في الداخل، كانت تملك رغبة بمشاركة هذه التجربة مع العالم من خلال طريق بري وآخر بحري. وعلى الرغم من أهمية العملية التنموية لأي دولة، إلا أنّه لا بد من القول إن طريق التنمية صعب وشاق، وهو ما أكده الرئيس الصيني مرار. إذ أن التنمية من خلال مبادرة الحزام والطريق في أي منطقة من العالم، لا تتوقف على الجانب الصيني فقط، بل تتعلق أيضا باستعداد الدول الأخرى لتقبل تلك التنمية التي تناسب الظروف الوطنية لكل بلد على الصعيد الداخلي، أي تتعلق بقدرة الدول الأخرى على استكشاف طرقها التنموية، وهو ما يتوقف أيضا على مقدار السيادة التي تمتلكها كل دولة، من حيث علاقاتها مع الدول الأخرى، ومقدار حريتها في أن تدخل تجربة تنموية جامحة كما فعلت الصين.

الأسس النظرية لمبادرة الحزام والطريق

عندما عملت الصين على تحقيق نهضتها، وضعت الشعب في المقام الأول، إذ أنه ودائما في الصين تُقال عبارة: "كل شيء من أجل الشعب" وهو الشعار ذاته الذي تم ويتم رفعه في العديد من الدول، مع فارق التنفيذ على أرض الواقع. إضافة إلى أن الصين وعلى مدى العقود الماضية قامت بتعزيز التنمية الداخلية، وبالقضاء على الفقر المدقع، وبزيادة نسبة الطبقة الوسطى، فلا مجتمع مستقر بدون طبقة وسطى قادرة على العيش بكرامة. هذا فضلا عن البنى التحتية الداخلية ضمن الأراضي الصينية التي وإن كانت الغاية الأساسية عندما تم تشييدها لأول مرة هي أهداف صناعية وتجارية وبالتالي اقتصادية، إلا أنها ومع الوقت بدأت تنحو وتتجه نحو خدمة الشعب. فالطرقات السريعة التي تختصر وقت التنقل، حتى بين أبعد المدن في الشمال والجنوب، هي بالفعل تنمية من أجل الشعب، التي وبالفعل تضع الشعب في المقام الأول.
وعلى الرغم من أنّ ما سبق ذكره من أفكار تنموية صينية، هو جزء بسيط جدا مما قامت به الصين، إلا أنه وانطلاقا منها يمكن طرح التساؤل التالي: "كم من الممكن اعتبار ما سبق ذكره من مبادئ ضروري وأساسي عند رغبة الدول الأخرى في تنفيذ مشاريع تنموية قادمة من الصين، مثل مشروع الحزام والطريق؟ فعلى الرغم من أن بكين تشجّع الدول على أداء مهامها التنموية وفقا لظروفها الوطنية الداخلية المحلية كما ذُكر سابقا، إلا انه وفي الوقت ذاته فهذا يعني أنه على تلك الدول أن تكون قد عرفت المسارات التنموية التي تريدها كي تتكامل مع مبادرة الحزام والطريق. وبذلك يمكن القول إنه وفي سوريا تحديدا، لم تكن هناك شروط محيطية مناسبة لذلك المشروع. فإذا أردنا استخدام المنطق الديالكتيكي" للزعيم الصيني "ماوتسي تونغ"، فيمكن ذكر تناقضات الواقع السوري على الصعيد الداخلي بالتالي:
تناقض أساسي وجوهري قائم على اختلاف مصالح الشعب والحكومة وهو تناقض قائم على مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية. تناقض قائم على وجود قلة قليلة تتحكم بالثروة وتمتلك كل شيء في مقابل فئة لا تملك أي شيء لا بل فئة جائعة. تناقض بين سوريي الداخل وسوريي الخارج اللاجئين والمهاجرين أدى إلى تفكك اجتماعي خطير. أما على صعيد التناقضات الخارجية في سوريا، فإنها لم تكن دولة مستقلة في قرارتها وتحديدا بعد عام 2011. فعلى الرغم من ضرورة وجود نوع من الموازنة في العلاقات والتحالفات والشراكات بين الدول مثلا، وتحديدا عند رغبتها بتنفيذ هكذا مشاريع استراتيجية، إلا أن الأمر يتطلب أيضا قدرا أكبر من السيادة. بناء على ما سبق يمكن القول إنه في ظل الظروف السابقة، أي حتى قبل سقوط النظام السوري كان من الصعب أن يُنفّذ مشروع الحزام والطريق في سوريا في ظل التجاذبات الداخلية والخارجية التي كانت قائمة. فمعظم المشاريع الاستثمارية تتطلّب وجود حالة من الاستقرار لم تكن قائمة في سوريا، فكيف إذا كانت تلك المشاريع استثمارية استراتيجية.

الآفاق

أما اليوم وبعد السقوط، وفي ظل المخاطر والتحديات القائمة، هل سيكون للمبادرة واقع أفضل؟
في ظل الأوضاع الراهنة من الصعب الحصول على إجابة دقيقة لهذا السؤال، لعدة أسباب أولها أن الرؤية ضبابية ولم تزل غير معروفة، ومن غير المعروف حتى اللحظة كيف ستكون توازنات القوى في المرحلة القادمة في سوريا. ولكن ومع ذلك فإن للصين فرصتها من خلال براغماتيتها ومرونتها التي تجعلها قادرة على الدخول نتيجة حاجة سوريا لها في مرحلة إعادة الإعمار، وهو ما يعني أن فرصة الصين في الدخول كبيرة وتحديدا بسبب الحاجة إلى وجودها على صعيد الجانب التكنولوجي في الإعمار. إلا أنه وعلى المستوى الاستراتيجي وعلى صعيد وجود ممرات استراتيجية تحت إطار الحزام والطريق قد يكون الأمر أكثر تعقيدا لأنه يتطلب تنسيق دولي رفيع المستوى، بما يُفضي وبالدرجة الأولى إلى رفع جميع العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على سوريا، وبعدها تأتي مسألة من سيعيد البناء وكيف، وهو ما يرتبط بالدرجة الأولى بوجود استقرار سياسي وأمني. فحتى الآن على الصعيد الرسمي الصيني إضافة إلى تصريحات الخارجية الصينية حول التمسّك بخيارات الشعب، يوجد تصريحات لمندوب الصين في مجلس الأمن، الذي أكدّ على احترام قرارات الداخل السوري، وضرورة الحفاظ على أمن الدول الأخرى داعيا إلى مكافحة الإرهاب. ولكن ومع ذلك فإنّ الصين تستطيع تقديم دعم دبلوماسي في المحافل الدولية لتخفيف العزلة السياسية التي قد تواجهها سوريا مستقبلا، مما يُسهم في تهيئة الظروف المناسبة لتنفيذ مشاريع تنموية كبرى.، كما يمكن للصين العمل على بناء شراكات متعددة الأطراف تشمل دول المنطقة لضمان نجاح المشاريع التنموية وخصوصا دول الخليج ودول جوار سوريا.
أخيرا، تقول الحكمة الصينية: "الذهب في الأرض لا يأتي بسهولة؛ لكن العمل الجاد هو الذي يثمر."وتقول أيضا: "الفشل ليس النهاية، بل هو بداية فرصة جديدة للتعلم والنمو." وهو بالفعل ما يجب أن يتم العمل عليه وتكريسه في دول الجنوب النامي، والتي منها سوريا.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1209
آخر تعديل على الإثنين, 13 كانون2/يناير 2025 08:58