افتتاحية قاسيون 1191: التسوية السورية- التركية بين المخاوف والتخويف!

افتتاحية قاسيون 1191: التسوية السورية- التركية بين المخاوف والتخويف!

تبرز منذ عدة أسابيع حركة احتجاجية في بعض المناطق في الشمال الغربي السوري، تحاول العمل ضد تسوية سورية- تركية، وقد عبرت عن نفسها جزئياً في الوقوف ضد إعادة افتتاح معبر «أبو الزندين»، إضافة إلى جملة من النشاطات والفعاليات الأخرى.

تأخذ هذه الحركة امتداداً شعبياً غير قليلٍ، استناداً إلى ثلاثة أمورٍ أساسية:

أولاً: النقمة المتراكمة في صدور الناس على سلطات الأمر الواقع والفصائل الأساسية المتحكمة في الشمال الغربي، والتي مارست وتمارس القمع والفساد بكل أشكاله، وكذلك انعدام الثقة بهذه القوى، وبأي توجه تحاول الدفاع عنه، سواء كان إيجابياً أم سلبياً.

ثانياً: التجربة الحية التي يراها الناس لما يسمى عمليات «التطبيع مع النظام»، التي قامت بها دول عربية، وتقوم بها الآن دول أوروبية، والتي توحي بأن أي تسوية قادمة، بما في ذلك السورية- التركية، لن تخرج عن الإطار نفسه الذي يحافظ -في أحسن الأحوال- على الأمر الواقع على حاله.

ثالثاً: التخوفات، التي تجري تغذيتها بشكلٍ كبير، من أن تسويةً سورية- تركية، إنما ستتم على حساب الناس في الشمال الغربي وضد مصالحهم.

وإذا كانت هذه العوامل الثلاثة تسهم في وضع أساسٍ شعبي للاحتجاجات الجارية، فإن ذلك لا يغير من حقيقة أن أصحاب المصلحة الحقيقية في العمل ضد التسوية السورية- التركية، ليسوا المحتجين أنفسهم، بل طيفٌ من القوى يبدأ من الولايات المتحدة و«إسرائيل»، ويمتد إلى تجار الحرب المستفيدين من استمرار تقسيم الأمر الواقع، بما في ذلك المتشددون ضمن النظام والمعارضة على حدٍ سواء.

ما ينبغي أن يكون مفهوماً وواضحاً بما يخص التسوية السورية التركية، هو الأمور الأساسية التالية:

 

 افتتاحية قاسيون 1191: التسوية السورية- التركية بين المخاوف والتخويف!

 

أولاً: عمليات «التطبيع» السابقة، وكمثالٍ التطبيع الإماراتي، جاءت بمعظمها ضمن إطار مشروع «خطوة مقابل خطوة» الأمريكي، الذي يستهدف استمرار الأزمة وإطالتها وشرعنة الوضع القائم لكل سلطات الأمر الواقع، باتجاه تقسيم البلاد، وضمناً عبر نسف الحل السياسي ونسف القرار 2254 بشكلٍ كامل، كما باتت دول أوروبية تصرح مؤخراً بشكل شبه علني.

ثانياً: عملية التسوية السورية التركية، تأتي في إطار مختلفٍ تماماً، هو إطار أستانا و2254؛ ما يعني أنها لن تتم إلا بوصفها توازياً بين انسحاب القوات التركية، وبين تطبيق الحل السياسي الشامل، بما يعنيه من تفاوض مباشر وتشكيل لجسم الحكم الانتقالي التوافقي والدستور والانتخابات...وإلخ.

ثالثاً: القوى الأساسية التي لا مصلحة لها بالتسوية السورية التركية، هي ذاتها القوى التي لا مصلحة لها بحلٍ سياسيٍ في سورية، حلّ يؤدي ليس فقط إلى استعادة وحدة سورية وشعبها، ولكن أيضاً وبالأساس، إلى تغيير جذري منطلقه وقاعدته هي حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه، وتقرير نوعية النظام الذي يريده لسورية المستقبل. على رأس هذه القوى داخلياً: المتشددون في كل من النظام والمعارضة، الذين يرضيهم استمرار تقسيم الأمر الواقع، ويحولهم إلى أمراء طوائف وأمراء حرب، وخارجياً: واشنطن بالدرجة الأولى ومعها «إسرائيل» اللتان لا مصلحة لهما نهائياً بالاستقرار في منطقتنا؛ على العكس، فإن مصلحتهما هي في تعميم الفوضى الهجينة الشاملة وتعميقها...

بالمحصلة، فإن التسوية السورية التركية القادمة، ستكون أحد التعبيرات المهمة عن التوازن الدولي الجديد في منطقتنا، وهو توازنٌ لن يكون الأمريكان والـ «الإسرائيليون» الخاسرين الوحيدين فيه، بل ومعهم القوى التابعة لهم من مختلف الأشكال والقوى، بما في ذلك قوى الفساد الكبير والقمع، التي عملت طوال الوقت كسمسار للمصالح الغربية في بلادنا، والتي أسهمت بالقسم الأعظم من سفك الدم السوري ومن قمع وتدمير وتهجير السوريين...

(English Version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1191
آخر تعديل على الأحد, 08 أيلول/سبتمبر 2024 20:42