افتتاحية قاسيون 1176: «والنصر قرب من عنينا»!

افتتاحية قاسيون 1176: «والنصر قرب من عنينا»!

تزداد صورة الصراع الذي تخوضه المقاومة الفلسطينية -رغم التعقد الهائل للمشهد ومعطياته- وضوحاً وجلاءً؛ بين معطيات الصورة المعقدة، يمكن تسجيل بعضٍ من الجوانب الأساسية لها ضمن ما يلي:

  • كمين نوعي تنفذه حماس يؤدي إلى أسر جنود «إسرائيليين» جُدد ضمن قطاع غزة، وما يحمله ذلك من آثارٍ سياسية ومعنوية ودلالات كبرى.
  • رشقة صاروخية جديدة تنطلق من غزة وتدوي صفارات الإنذار في تل أبيب، بعد ثمانية أشهر من ابتداء العدوان على غزة.
  • المقاومة المسلحة في الضفة الغربية تتصاعد بشكلٍ غير مسبوقٍ تاريخياً، بما في ذلك تشكيل كتائب مسلحة متعددة، والدخول في اشتباكات يومية مع المحتل ومستوطنيه وتحقيق نتائج ملموسة؛ مقاومةٌ واسعةٌ تجري محاولات إخفائها إعلامياً من جانب جهات متعددة، متناقضة شكلياً، لاعتبارات متعددة، ليس من مجالٍ لذكرها هنا.
  • تصاعد حدة المواجهة في الشمال الفلسطيني المحتل مع المقاومة في الجنوب اللبناني، وتغيّر في معادلات الصراع، أدى إلى كسر كل «الخطوط الإسرائيلية الحمراء» السابقة، وعلى أساس يومي، مع عجز شبه كامل للكيان عن القيام بردود أفعال متناسبة... وهذه الجبهة هي الأخرى، كما حال الضفة الغربية، لا تنال حقّها من التغطية الإعلامية والسياسية.
  • انقسامات وخلافات لا تكف عن التعمق ضمن النخبة «الإسرائيلية»، وفي شارع المستوطنين، وكذلك ضمن النخبة الأمريكية، وغيابٌ لأي استراتيجية قابلة للتحقق.
  • خسائر اقتصادية متعاظمة ضمن الكيان، وعمليات هجرة معاكسة متواصلة، وخاصة ضمن أوساط النخبة التقنية والعلمية ضمن الكيان.
  • حركة شعبية عالمية واسعة مناصرة للقضية الفلسطينية، وخاصة في أوساط الطلاب في الدول الغربية. وكلّ عمليات القمع المباشر والناعم ضدها لا تزيدها إلّا اتساعاً وجذرية.
  • ثلاث دول أوروبية، إيرلندا، إسبانيا، والنروج، تعترف بالدولة الفلسطينية.
  • المدعي العام للجنائية الدولية يوجه بإصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء «الإسرائيلي» ووزير دفاعه.
  • دورٌ صيني/روسي متصاعد على خط الوساطة المباشرة بين الفصائل والقوى الفلسطينية.

هذه المعطيات بمجموعها ليست اللوحة بأكملها، وإنما جزء من مكوناتها الأساسية. والنتائج الأوّلية التي يمكن استخلاصها منها، تتلخص بما يلي:
أولاً: بالمعنى التاريخي، فإنّ موضوع إقامة الدولة الفلسطينية بات محكوماً بالتحقق، ولم يعد هنالك وزنٌ عمليٌ للرفض الأمريكي و«الإسرائيلي» لقيامها. ما تبقى هو الصراع حول أيّ دولة ستكون؛ وهنا يحاول الأمريكان اللعب باتجاه إقامة دولة مسخ بلا سيادة ولا استقلال، وبلا حقّ عودة بطبيعة الحال، وهذا ما لن يحصلوا عليه ولا حتى على جزء منه. ولكن استكمال الانتصار التاريخي يتطلب وحدة الصف الفلسطيني وتطويق وتقويض الاختراقات من مختلف الأنواع ضمنه.

ثانياً: أحداث الأشهر الثمانية الماضية، والأيام الأخيرة خاصة، أثبتت أن 7 أكتوبر/تشرين الأول  لم يكن استثناءً تاريخياً غير قابل للتكرار، ولم يكن رميةً من غير رامٍ، بل كان نقلة نوعية جاءت نتاجاً لتراكمات تاريخية على المستوى الفلسطيني الداخلي وعلى المستويين الدولي والإقليمي. وأكثر من ذلك، فإن (7 أكتوبر) باتت السمت المحدد للأحداث اللاحقة، التي لن تنتهي إلّا بالوصول إلى نتائجها النهائية المطلوبة.

ثالثاً: تَبين بالممارسة العملية، أنّ الانتصار يتطلب اجتماع ثلاثة عناصر: الإرادة السياسية الصلبة للمقاومة، وخاصة في خوض معركة طويلة الأمد، والاحتضان الشعبي الفلسطيني لها، والحد الضروري من التضامن والدعم على المستوى الإقليمي والدولي، مع توازن قوى دولي مناسب. وهذه العوامل الثلاثة متوفرة، ولذا فالطريق الذي تمشي عليه المقاومة، وكما يقول الشاعر المصري الراحل أحمد فؤاد نجم: «ما لهش راجع، والنصر قرب من عنينا».

أخيراً: وبما يتعلق بنا في سورية، فإنّ الدرس واضح أمامنا؛ أولئك الذين يعولون على الغرب وعلى قوته ونفوذه، وعلى الصفقات معه، أياً يكن الطرف الشكلي الذي ينتمون إليه، لن يحصدوا سوى الهزيمة؛ التوازن الدولي تغيّر إلى غير رجعة، والطريق مفتوحٌ أمام مزيد من الضعف والتراجع للأمريكان والصهاينة وعملائهم، أو الراغبين بإرضائهم خدمة لمصالحهم الأنانية الضيقة.
وبالتوازي، فالطريق مفتوح سورياً أمام حل سياسي شامل على أساس القرار 2254 يُعيد توحيد سورية وشعبها، ويخرج القوى الأجنبية منها، باشتراك الغرب فيه أو بعدم اشتراكه، برضاه أو رغماً عنه...

(English version)

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
1176
آخر تعديل على الأحد, 26 أيار 2024 22:44