الفقاعة الإماراتية على وشك «التنفيس»...
سعد صائب سعد صائب

الفقاعة الإماراتية على وشك «التنفيس»...

لعبت الإمارات خلال السنوات العشر الماضية- أي بالتزامن مع حالات الصراع الكبرى والحراكات الشعبية والفوضى التي سادت كامل العالم العربي والمنطقة المحيطة به- لعبت أدواراً أكبر بكثير من وزنها الفعلي، سواء الاقتصادي أو السكاني أو الجغرافي.

على رأس الأدوار الواضحة التي لعبتها الإمارات، هو دورها كوكيلٍ ومندوب إعلانات للكيان الصهيوني، وخاصة بعد توقيعها اتفاق العار الذي يختار المتشددون في سورية إغلاق أعينهم عنه في معرض أكوام الغزل النفعي الذي يملأ الشاشات.
أحدث الأدوار، والذي يظهر على السطح الآن، هو دخولها طرفاً في الصراع الحالي في السودان عبر دعمها أحد الطرفين العسكريين للصراع، وهو قوات الدعم السريع، إضافة إلى أدوار في إثيوبيا وفي المغرب وغيرها من الدول.

فسحة انعدام الوزن

نشطت الإمارات خلال السنوات العشر الماضية مستندة إلى ثلاثة عوامل أساسية:
أولاً: التنسيق العالي مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، اللذين أمّنا على تضخيم دورها كمكافئة على وقاحتها في الترويج لصفقة القرن، وكأداة لإنفاذ هذه الصفقة في الوقت نفسه.
ثانياً: حالة انعدام الوزن التي عاشتها القوى الإقليمية الكبرى خلال هذه السنوات، كنتيجة للفوضى والمشكلات الاقتصادية الداخلية من جهة، وأهم من ذلك، نتيجة حرب الجميع ضد الجميع التي كانت تسيطر على كامل المنطقة؛ حيث العلاقات سيئة بين السعودية وإيران، وبين السعودية وتركيا، وحتى إلى حد ما بين السعودية ومصر، وسيئة بين مصر وتركيا وبين مصر وإيران، وإلخ... سمحت حالة انعدام الوزن هذه لقوة صغيرة من وزن الإمارات أن تلعب أدواراً أكبر بكثير من حجمها الحقيقي.
ثالثاً: الملاءة المالية المتراكمة من الريع النفطي، وما يرافقها من بذخ إعلامي ودعائي لا يقل بالمناسبة عما اشتغلت وتشتغل عليه قطر عبر الجزيرة وأشباهها من «مؤسسات عزمي».

الوضع المستجد

خلال السنة الأخيرة بشكل خاص، بات تراجع الوزن والتأثير الأمريكي على الساحة العالمية وفي منطقتنا أكثر وضوحاً وأكثر ملموسية، وأثّر ذلك بشكل مباشر على الكيان الصهيوني كما أثر وسيؤثر على الإمارات بشكل أكبر مع الوقت.
وبالتوازي، فإنّ جملة التفاهمات والتسويات والمصالحات الإقليمية التي جرت بوساطات صينية وروسية، بدأت بإلغاء المحصلة الصفرية السابقة للقوى الإقليمية الكبرى، وأكثر من ذلك بدأت بتجميع هذه المحصلة بالضبط ضد المصلحة الأمريكية، وضمناً ضد المصلحة الصهيونية.
أي، أنّ جملة التسويات بين السعودية وتركيا وإيران ومصر، بالتوازي مع نمو اتجاهات التحرر من التبعية الأمريكية وضعت اللاعبين على الحبال وعلى الهوامش وعلى الصراعات، في موقف ضعيف، وباتت التناقضات بين اللاعبين الصغار الطارئين واللاعبين الإقليميين الأساسيين أكثر وضوحاً وأكثر شدة.
فلننظر باختصار في جملة من الأزمات التي تتورط فيها الإمارات حالياً: في اليمن، ورغم التحالف الشكلي بين الإمارات والسعودية ضمن «التحالف العربي» إلا أنّ الأمور على الأرض كانت مختلفة كل الاختلاف؛ فالإمارات كانت تدعم فصيلاً بعينه في الجنوب اليمني وصلت تناقضاته في بعض مراحل الحرب مع الفصيل الذي تدعمه السعودية حداً أعلى من تناقض الفصيلين مع الحوثيين (الفصيل الثالث). وكان واضحاً أنّ لدى الإمارات مسعى واضحاً لتقسيم اليمن، في الوقت الذي ترى السعودية في هذا الأمر خطراً مباشراً على أمنها القومي، عبر فتح باب التقسيم على حدودها المختلف عليها أصلاً مع اليمن.
في الملف السوري أيضاً، تحاول الإمارات لعب أدوارٍ منفردة بالتنسيق من تحت الطاولة مع الغربيين وأحياناً من فوقها، وتحاول تصدير نفسها كزعيمٍ للجهد العربي الخاص بسورية، في حين أنّ وزنها لا يسمح بذلك، ناهيك عن أنّ هذه الزعامة ليست لمخطط متفقٍ عليه عربياً (ربما باستثناء الأردن والمغرب)، بل لمخطط متفق عليه مع الغربيين... «تغيير سلوك النظام» «خطوة مقابل خطوة» وإلخ.
في ملف السودان، تصطدم الإمارات بشكل مباشرٍ بالمصالح المصرية، وفي ملف سد النهضة أيضاً... وفي ملف الخلاف الجزائري المغربي تأخذ الإمارات صف شريكتها في التطبيع مع الصهيوني: المغرب، وتوظف إعلامها في العمل ضد الجزائر بشكل يومي وبشتى السبل. وليست علاقات الإمارات بكل من إيران وتركيا بأحسن حالاً... على سبيل المثال لا الحصر، خلال الأشهر الثمانية الماضية التي شهدت تحركات احتجاجية واسعة في الداخل الإيراني، كان أهم المغردين والمشاهير الإيرانيين الذين يمارسون نشاطاً معارضاً من ذلك النمط المرتبط بالمؤسسات الغربية يتخذون من دبي بالذات مقراً أساسياً لنشاطهم.

في العلاقة مع روسيا

يجري تصوير الإمارات بوصفها نافذةً ماليةً تتصل من خلالها روسيا مع العالم بعد العقوبات الغربية عليها، وربما يكون هذا الأمر صحيحاً جزئياً، ولكن ينبغي الانتباه إلى مسألتين خلال النظر فيه:
أولاً: هنالك مبالغات كبرى في الحديث عن اتساع هذه النافذة ناهيك عن الإفراط في المبالغة أحياناً عبر القول بحصريتها؛ فلدى روسيا بوابات كثيرة أخرى بالمعنى المالي والتجاري والاقتصادي، أهمها: الصين، والهند، وحتى تركيا وغيرها.
ثانياً: أليس وارداً أنّ هذه النافذة (الإماراتية) متروكة عمداً كباب خلفي؟ بوضوح أكبر، فإنّه لا يخفى على أحد أنّ أحد أهم السيناريوهات التي تعمل واشنطن عليها ضد روسيا، بل وربما السيناريو الوحيد الذي له حظٌ ما بالنجاح، هو سيناريو ضرب روسيا من الداخل، وبالتحديد بيد الأوليغارش الروس، الذين يجولون الآن في الإمارات طولاً وعرضاً ويحركون أموالهم عبرها...

محصلة

مع ارتفاع التناقض الواضح بين الإمارات والدول الإقليمية الكبرى، ومع المزيد من التراجع الأمريكي والصهيوني في المنطقة، فإنّ الإمارات ستكون أمام سيناريو تنفيس فقاعتها المتضخمة في آجالٍ غير بعيدة. وقد تكون مصلحتها الوطنية هي بأن تنفس نفسها ذاتياً بشكل تدريجي لتلعب أدواراً تتناسب مع حجمها الحقيقي، ورغم أنّ هذا السيناريو يبقى وارداً، إلا أنّ تحققه يبدو صعباً، خاصة وأنّ من يتورط مع الصهاينة يصعب عليه الخروج من أوحالهم..

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1119
آخر تعديل على السبت, 06 أيار 2023 22:32