التخوين كمرادفٍ لرفض الحل السياسي
عماد طحان عماد طحان

التخوين كمرادفٍ لرفض الحل السياسي

استغرق الأمر سنوات عديدة بعد 2011 حتى شقت فكرة الحل السياسي طريقها إلى الخطاب الرسمي لكلٍ من النظام والمعارضة؛ وبالرغم من أنّ استخدامها قد بدأ منذ عام 2013 تقريباً، إلّا أنها بقيت ثانوية بالمقارنة بشعاري «الحسم» و«الإسقاط».

استمر الأمر كذلك حتى نهاية 2015 مع صدور القرار 2254. منذ صدوره بات ورود فكرة الحل السياسي ضمن الخطاب الرسمي على الضفتين أمراً شائعاً، رغم أنه قد تراجع في الآونة الأخيرة، بما يعكس الوهم والرغبة في القفز فوق عملية التغيير الضرورية لإنهاء الكارثة.
ما كشفته السنوات التي تلت صدور 2254، هو أنّ الاعتراف اللفظي لكل من المتشددين في النظام والمعارضة بفكرة الحل السياسي وضرورته، لم يكن أكثر من مناورة، الغرض منها هو تأجيل الحل، لعل وعسى تسمح الظروف بتحقيق الشعارات القصوى؛ بـ«الحسم» على أحد الجانبين، وبـ «الإسقاط» على الجانب المقابل.
وفي سبيل الاحتفاظ بهذين الشعارين كناظمين أساسيين لكل التطورات، تم العمل من المتشددين، وبشكل متناغم على جبهتين متوازيتين؛ من جهة، تأخير الاعتراف بالحل السياسي قدر الإمكان، ومن ثم التلاعب بتعريفه وتعريف أطرافه، بحيث يصبح من المستحيل عملياً السير فيه أية خطوة حقيقية، ومن جهة ثانية، الاستمرار على الأرض بالعمل نحو تنفيذ الشعارات القصوى، والبحث عن التحالفات اللازمة إقليمياً ودولياً لتخديم تلك الشعارات.

التخوين

الاعتراف بالحل السياسي يعني ضمناً الاعتراف بالأطراف المقابلة بوصفها شريكاً في صنع المستقبل، ويعني ضمناً الاعتراف بها كأطراف سورية. ولكن على النقيض من ذلك، استمرت أطراف المعارضة المتشددة بالتعامل مع النظام ومع مؤيديه ككتلة واحدة، ووسمت هذه الكتلة بأنها تمثل أطرافاً خارجية على الأرض السورية (أي عملاء)، هي إيران وروسيا.
بالطريقة نفسها، تعامل متشددو النظام مع أطراف المعارضة بوصفهم ممثلي أطراف خارجية، (أي عملاء)، يمثلون الدول الغربية وتركيا وإلخ.
ربما الجديد بما يخص النظام، هو أنّ بعض المسؤولين فيه قد وصلوا مؤخراً حد القول: إنّه ليست هنالك معارضة وطنية على الإطلاق، والمعروف أنّ الخطاب الرسمي للنظام وعبر سنوات حافظ على هامش يقول ضمنه: إنّ هنالك معارضة وطنية يمكن التفاهم معها، وذلك بغض النظر عن أية معارضة كان يتم الحديث، وعن أي تفاهم هو المقصود.
ولكنّ الوصول إلى الحديث الرسمي عن عدم وجود معارضة وطنية، هو مكافئ فعلياً للحديث عن عدم وجود أي حاجة للحل السياسي، بل وعدم وجود مبرر للحل السياسي؛ فكيف يكون الحل السياسي مع «غير وطنيين»؟!
بهذا المعنى، يمكن القول: إنّ قطع شعرة معاوية- مع أنه ليس قطعاً نهائياً فيما نعتقد- هو مؤشر على وهم كبير بأنّ مسألة الحل السياسي والتغيير قد تم تجاوزها مرةً وإلى الأبد.

من الشعارات إلى الوقائع

الدفاع عن فكرة وطنية المعارضة بشكل مطلق، هو بنفس صعوبة الدفاع عن فكرة وطنية النظام بشكل مطلق؛ ببساطة، لأنّ كلتا الفكرتين خاطئتين، فضمن النظام وضمن المعارضة على حد سواء، هنالك تيارات قوية تعمل بالضد من مصلحة سورية والسوريين، وتسهم بشكل فاعل في تدمير البلاد والعباد على مدار سنوات متتالية. بالمقابل، فإنّ التيارات الوطنية، والوطنيين كأفراد، موجودون في كل من النظام والمعارضة. وهؤلاء هم المؤيدون الحقيقيون لفكرة الحل السياسي الذي يقود نحو تغيير جذري شامل يصب في مصلحة البلاد وأهلها.

النُّخب والمجتمع

هنالك زاويتان مختلفتان كل الاختلاف في مقاربة فكرة الحل السياسي، يمكن تسمية الأولى بأنها زاوية نظر النخب، والثانية زاوية نظر المجتمع وحاجاته.
وجهة نظر النُّخب (في المعارضة والنظام) تتلخص بما يلي: الحسم والإسقاط هما شعاران يعني نجاح أحدهما نصراً ساحقاً لإحدى الضفتين وهزيمة ساحقة للأخرى، والحل السياسي يعني الوصول إلى صفقة بين النُّخب في الضفتين. ولكن بكل الأحوال فالمسألة لا تتعلق بتغيير النظام، وبتغيير شكل توزيع الثروة وشكل إدارة البلاد، المسألة محصورة بالسلطة وتقاسمها، لا أكثر ولا أقل.
والحقيقة، أنّ احتمالات الهزيمة الساحقة لأحد الطرفين أو حدوث صفقة لتقسيم السلطة بينهما، تكاد لا تشكل أي فارق بالنسبة للمنهوبين السوريين الذين يشكلون 95% من السوريين؛ فما دامت المسألة مسألة صراع على السلطة وتقسيمها، وليست صراعاً على تغيير النظام الاقتصادي الاجتماعي، فهم خارج قوس.. أياً يكن شكل الصفقة.
رغم قساوة ما مر به السوريون عبر هذه السنوات، إلا أنّ له فوائده أيضاً؛ فقد جرب السوريون في مختلف المناطق السورية، سلطة مختلف «الأطراف»، وعاينوا الفساد نفسه والقمع نفسه والمشكلات نفسها، وإنْ مع اختلافات بالشكل وبالدرجة بين منطقة وأخرى.
هذه التجربة القاسية، أعادت التأكيد في أذهان السوريين على أنّ المطلوب أبعد من مجرد تغيير أو تقاسم سلطة؛ المطلوب تغيير جذري للنظام بأكمله، للنخب بأكملها على الضفتين.
بهذا المعنى، فإنّ جوهر الحل السياسي عبر القرار 2254 كان وما يزال متمثلاً بتمكين الشعب السوري من إنفاذ حقه في تقرير مصيره بنفسه. بكلام آخر، فإنّ النخب في كل من المعارضة والنظام، وإنْ كان دورها ضمن الحل السياسي هو الجلوس إلى طاولة تفاوض مباشر للوصول إلى توافقات تسمح بإعادة توحيد البلاد، وبوضع أساس خروج كل القوات الأجنبية منها، فإنّها هي نفسها كنخب لها وظيفة نقل البلاد لأصحابها الذين سيقررون من يمكن له أن يبقى من هذه النخب ومن انتهى دوره.
وبعد التجربة المريرة للسوريين، (سواء المحسوبين مؤيدين أو معارضين)، مع السلطات المختلفة، ليس من شك في أنّ النخب والسلطات لديها معرفة عميقة بحقيقة آراء السوريين بها، وبحقيقة موقفهم منها. وهذا يفسر انعدام الرغبة لدى النخب في توفير المنصة الحقيقية للسوريين للتعبير عن آرائهم وتحويلها إلى حقائق.

الضرورات الوطنية

بكل الأحوال، ورغم استخدام التخوين من المتشددين في الطرفين، وتحت ذريعة الدفاع عن الوطن، فإنّ الواقع يقول شيئاً آخر تماماً؛ فالوطن مهدد بوحدته وببقائه وبتهجير سكانه، وإفقارهم وتدمير صناعته وزراعته، وانتشار الأوبئة فيه، وتدني مستويات التعليم والصحة والمواصلات والخدمات، وإلخ... وفي كل المناطق وتحت كل «السلطات» القائمة.
والموقف الوطني اليوم ليس متمحوراً حول الحفاظ على نفوذ وسلطة هذه النخبة أو تلك، بل حول الحفاظ على البلاد وإيقاف انهيارها. ومحاولات احتكار الوطنية من هذه الجهة أو تلك، هي أقرب للكوميديا السوداء في ظل استمرار الجهات «محتكرة الوطنية» في القيام بكل ما من شأنه تدمير ما تبقى من البلاد... من الاستمرار في الخضوع للدولار، إلى مواصلة البحث علناً أو من تحت الطاولة عن صفقة مع الغرب تحديداً، ووصولاً إلى تعميق جراح السوريين وأزماتهم بمختلف الإجراءات الاقتصادية والسياسية.
حين يكون الوطن نفسه مهدداً، فإنّ معيار الوطنية لا يكون الولاء لهذه السلطة أو تلك، ولا يكون في العمل للحفاظ على السلطة، بل يكون في العمل لإيقاف الانهيار وإيقاف التهجير... وهذا كله بات يمر حصراً عبر فتح الباب أمام الحل السياسي الحقيقي، الذي يشرك أصحاب المصلحة الوطنية الحقيقية، والذين لا تسعى النخب بمعظمها لتمثيلهم بقدر ما تسعى للتمثيل عليهم، ولاستخدامهم لتحقيق مصالحها...

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1098
آخر تعديل على الأربعاء, 07 كانون1/ديسمبر 2022 18:38