افتتاحية قاسيون 1098: منع العدوان مسؤولية السوريين!
تثبت المصائب الجديدة التي تحل على رؤوس السوريين في كل مناطق وجودهم- وبينها احتمال عدوان تركي بري جديد هذه الأيام- أنّ كل يوم تأخير إضافي في تنفيذ الحل السياسي الشامل عبر التطبيق الكامل للقرار 2254، هو تعميق إضافي للأزمة والكارثة الإنسانية والوطنية، وأنّ تقسيم الأمر الواقع، ومعه حالة وقف إطلاق النار، هما واقعٌ هش قابل للتشظي والانفجار عند أول احتكاك، ناهيك عن أنّ أية منطقة من المناطق السورية اليوم، وفي ظل غياب الحل السياسي الشامل، وغياب السيادة الوطنية الشاملة، والقائمة على التراضي، وعلى وحدة الشعب ووحدة مصالحه، هي موضع تجاذب وتضارب المصالح الدولية والإقليمية، ما يزيد الأمور صعوبة وخطراً وتعقيداً... وهو ما يعني أن أولوية الأولويات بالمعنى الوطني الشامل، كانت ولا تزال، متمثلة بالسير سريعاً نحو الحل السياسي الشامل عبر التطبيق الكامل للقرار 2254.
وبما يتعلق بالقديم المستجد حول احتمال عدوان تركي بري جديد على مناطق في الشمال والشمال الشرقي السوري، فإنّ السلطات التركية تواصل المبالغة في تصوير خطر قسد/ مسد عليها، وذلك لغايات معقدة ومركبة بينها الداخلي والخارجي، ولا شك في هذا السياق، بأنّ مسار أستانا مطالب بأنّ يعمل بأقصى ما يمكنه لمنع احتمال العدوان، وللدفع نحو تطبيق اتفاقات سوتشي كاملة لا في الشمال الشرقي فحسب، بل وفي الشمال الغربي أيضاً. وبطبيعة الحال لا يمكن أن ينتظر عاقل من الأمريكان سوى أن يوقدوا النار ويؤججوها قدر ما يستطيعون، وقد بدا ذلك واضحاً في تصريحاتهم الملتبسة والمتناقضة، الصادرة عن البيت الأبيض والبنتاغون، والتي أيد أحدها عملية عسكرية تركية، وعارضها الآخر!
رغم ذلك، فإنّ المسؤولية الأولى في منع العدوان التركي، تقع على عاتق القوى السورية بالدرجة الأولى، وقبل أية قوة خارجية، والتصدي لهذه المسؤولية يكون بسد الذرائع أمام التركي، ويكون بالتوافق بين القوى السورية فيما بينها.
هذا التوافق يتطلب ليس فقط استمرار الحوار القائم بين دمشق وقسد، بل ويتطلب التوقف عن رفع سقوف المطالب المتبادلة بشكل غير منطقي، ولعل بين أهم مداخل الوصول إلى توافق فعلي هو الأمور التالية:
أولاً: ينبغي أن يتم تسليم الحدود للجيش السوري، وفي هذا تعطيل لقدرة الأتراك على اقتحامها، عبر توافق يساعد في ضمانه مسار أستانا.
ثانياً: ينبغي تأجيل مسألة التوافق على طريقة إدارة المناطق في الشمال الشرقي إلى مرحلة لاحقة، ليس لأنّ الطرفين المتفاوضين لا يملكان وحدهما الحق الكامل في تقرير كيفية إدارة هذه المناطق فحسب، بل ولأن شكل الإدارة هذا ينبغي أن يكون نتاج توافق سوري عام، تشترك فيه كل القوى السورية.
ثالثاً: ما عطّل ويعطّل التوافق حتى اللحظة، إلى جانب السقوف المرتفعة للمطالب، هو أنّ الحوار ليس شاملاً، إذ إنه حوار بين طرفين سوريين تغيب عنه أطراف أخرى، هي معنية أيضاً بتقرير مصيرها ومصير البلاد، بما في ذلك الصيغة المتطورة المطلوبة للعلاقة بين المركزية واللامركزية.
رابعاً: نتيجة للتعقيد والتشابك العالي ضمن المنطقة المعنية، فإنّ البحث ينبغي أن ينصب على حلول إبداعية تضمن فصل جميع القوى المتناحرة عن بعضها البعض، بشكل يضمن عدم احتكاكها المباشر، وبما يضمن السيادة الوطنية السورية، وهذا أمر يمكن الوصول إليه إنْ توفرت الإرادة الوطنية لذلك.
هذه الآليات الجزئية يمكن لها أن تمنع العدوان المحتمل، فقط في حال جرى السير بها سريعاً، وفقط في حال شكلت جزءاً من منظومة متكاملة من الحلول التي تصب بمجملها في تطبيق شامل وكامل للقرار 2254.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1098