افتتاحية قاسيون 1094:الحركة الشعبية تَصعد و«النخب» تَنحطّ!
«هذا الانفجار ليس سورياً بحتاً وليس عربياً بحتاً؛ الجماهير في كل العالم استفاقت ونزلت إلى الشارع، نحن إذا كنا جادين وأردنا أن نتعامل مع الوقائع كما هي، فيجب أن نفهم أن الشعوب استفاقت ونزلت إلى الشارع، وهذه الحركة مستمرة لعقود قادمة..».
كذلك قلنا في تشرين الثاني عام 2011. وقبل ذلك بأعوام، كانت رؤية حزبنا (اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين في حينه)، قد توقعت عودة الجماهير إلى الشارع، ليس في سورية فقط، بل وعلى المستوى العالمي، وكانعكاس للأزمة الرأسمالية البنيوية والشاملة.
الحركة الشعبية، أو «النشاط السياسي المتصاعد للجماهير»، هو ثالثة الأثافي في إيقاد نار التغيير. الأولى هي أنّ «النخب»، أو من هم «فوق»، لم يعودوا قادرين على إدارة الأمور وممارسة الحكم، والثانية أنّ من هم «تحت» لم يعودوا يحتملون العيش ضمن الظروف نفسها. وتأتي الحركة الشعبية لتضع الأساس الثالث للتغيير الذي لا يكتمل إلا بتحول «النشاط السياسي المتصاعد» إلى «نشاط سياسي متصاعد ومنظّم للجماهير».
اليوم، ما تزال الحركة الشعبية مستمرة ومتصاعدة عالمياً، وليست الاحتجاجات المتواترة في أوروبا، وحتى الانتخابات ونتائجها المستجدة، سوى أمثلة على هذه الحركة.
كذلك الأمر مع ارتفاع مستوى صراع الصين وروسيا مع هرم النهب المالي العالمي، وازدياد تجذر هذا الصراع يوماً بعد آخر، ليتحول موضوعياً إلى صراع مع كامل المنظومة العالمية القائمة، ليس بشكلها أحادي القطبية فحسب، بل أهم من ذلك بجوهرها الرأسمالي.
وفي «العالم الثالث» تزداد ملامح الاستقلالية النسبية عن الأمريكان، بما في ذلك في دولٍ طالما كانت احتياطيات لهم، وعلى رأسها تركيا ودول الخليج العربي وغيرها. وإذا استثنينا جزئياً الوضع في سورية بسبب تعقيده الهائل بما يتعلق بالأدوار الدولية ضمنها، فإنه لا يمكن إنكار أنّ هنالك تعاطفاً كاسحاً من شعوب دول الأطراف مع روسيا ومع الصين في معركتهما ضد الأمريكان، والذي يعبر هو الآخر عن شكلٍ من أشكال تطور الحركة الشعبية عالمياً.
وإذا كان حال من هم «تحت» هو في صعودٍ متواتر ومستمر، فإنّ حال «النخب» الذين هم «فوق»، يسير بشكلٍ متسارع نحو مزيدٍ من الانحطاط والهزال؛ فالمستوى المنخفض للقادة الغربيين من أمثال بايدن وترامب وماكرون وساركوزي وجونسون وتروس وشولتز وإلخ (مقارنة حتى مع الزعماء التاريخيين في الغرب، من أمثال ديغول وتشرشل وألدو مورو وروزفلت...) هو أحد المؤشرات على درجة الانحطاط والتعفن في المنظومة ككل، فالثقافة السائدة هي في نهاية المطاف ثقافة الطبقة السائدة، وحين يسود رأس المال المالي الإجرامي، فإنّ سيادة ثقافة هوليود هي النتيجة الطبيعية.
سورية أيضاً ليست استثناءً من هذا التوصيف، يكفي أن ننظر إلى مستوى الشخصيات الرسمية والحكومية وكذا المعارضة، التي تستطيع دائماً أن تفاجئ السوريين بالمستويات الجديدة التي تتدنى لها يوماً بعد آخر، مقارنةً بالوضع قبل عقدٍ أو اثنين أو أكثر.
وسورية ليست استثناءً أيضاً بما يخص الحركة الشعبية وصعودها، مع خصوصية أنها في سورية كامنةٌ، تراقب وتتحضر للظرف المناسب للعودة بزخمٍ أعلى وبتنظيم أعلى. وعودتها هذه هي ضرورة لا مفر منها، وستكون هي ذاتها إحدى أدوات الدفع باتجاه إنهاء الأزمة عبر القرار 2254، وستكون هي ذاتها المسؤولة عن تنفيذه للوصول بالبلاد نحو التغيير الجذري الشامل، وفي الوقت نفسه فإنّ تنفيذ القرار سيكون رافعةً لها، تفتح أمامها آفاقاً أوسع لتنظّم نفسها وصولاً إلى تحقيق مهامها.
رغم ما قد يبدو عليه الوضع من سكونٍ قد يدفع البعض نحو اليأس، إلّا أنّ مجمل التحولات العالمية والإقليمية، تصب مصباً واحداً، هو مصب التغييرات الجذرية الشاملة، التي تختمر وتتحضّر لكشف حجمها الكامل، والتي ستنهار أمامها قلاعٌ بدا من المستحيل اختراقها...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1094