د. جميل: لا أحد يستطيع أن يدعي أنه يمثل حركة الشارع
ألقى الرفيق د. قدري جميل كلمة وجه في بدايتها تحية للحركة الشعبية، مؤكداً أن كل ما يتم الآن من حراك سياسي ومؤتمرات ولقاءات ما كان ليحدث لولاها، بعدها توقف عند الأزمة الوطنية العميقة التي تمر بها البلاد مشدداً على ضرورة الحوار الجدي بين كل الأطراف لتجاوزها والخروج منها بشكل آمن يضمن وحدة البلاد واستقلالها واستقرارها، وفيما يلي الكلمة كاملة:
تجاوز عمر الجبهة اليوم /100/ يوم، وعادة يحكم على القوى والحكومات الجديدة خلال /100/ يوم، فإعلان الجبهة إلى جوار قلعة دمشق وتمثال صلاح الدين كان له دلالاته الرمزية العميقة، فلا أحد يستطيع أن يتكلم عن المشهد السياسي مغيباً الجبهة الشعبية للتغير والتحرير، التي تتميز بموقفها الرافض للتدخل الخارجي وللحل الأمني في آن واحد، وهذا جيد قياساً بالنماذج التي حاولت الإمبريالية من خلالها أن تفرض نظامها في منطقتنا، في ليبا، والعراق، ولأول مرة هناك قوة معارضة تقف وتقول لا للتدخل الخارجي، فالمستهدف النظري منه (النظام) بينما المستهدف الحقيقي هو سورية، وهذا عامل هام جداً بالتطور اللاحق..
نحن أصدرنا إعلان التأسيس ووضعنا وثيقة برنامجية للإقرار، فالجبهة ائتلاف أحزب، والمكونين لها من أقدم الأحزاب في سورية عمراً، وهما يمثلان- وما بينهما- طيفاً واسعاً من المجتمع السوري، ولم يكن ذلك مصادفة، فالانتصار الكبير الذي نحققه اليوم هو مشاركة عشرات اللجان التي تقود المظاهرات السلمية، والحراك الشعبي في مختلف مناطق سورية، والذين أعلنوا انتسابهم للجبهة وفوضونا بذلك، وسنأخذ بعين الاعتبار تمثيلهم، وحضورهم، حين بتشكيل المجلس القيادي القادم للجبهة، تماماً كما سنأخذ بالاعتبار تمثيل الغائب منهم اليوم لظروف خاصة، وقد عقد جزء من هذه القيادات في السابق مؤتمراً صحفياً، أكد فيه الثوابت: لا لتدخل الخارجي، نعم لحل الداخلي، لا للحل الأمني، نعم لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، نعم لمحاكمة كل من أراق قطرة دم سورية مدينة أو عسكرية.
الحراك الشعبي ينضج ويتبلور، ويتسع حجم العاملين فيه، وهم يردون بمواقفهم على الذين يقولون إن الجبهة لا تمثل شيئاً في الشارع السوري، وهذا من إنجازات الجبهة.
كان لنا لقاء في تركيا مع المعارضة اليسارية التركية واتفقنا على التعاون اللاحق، ومنع الحكومة التركية قدر الإمكان من التدخل في الشؤون السورية، لذلك يمكننا القول إن لدى الجبهة خط كامل الجبهة مفتوح على شارع وقوى واسعة في تركيا، وحققنا إنجاز بتوقيع /36/ نائب على البيان المشترك المعادي للمخططات الإمبريالية.
والأهم كان زيارة وفد من الجبهة إلى روسيا، حيث حاولنا أن يمثل الوفد كل أطراف المعارضة السورية، تحديداً هيئة التنسيق، ولكن لأسباب نعلمها وأخرى لا نعلمها جرى عرقلة أن يخرج أحد أخر غير مكونات الجبهة الشعبية بالوفد، وواجهنا ضغوطات كثيرة من داخل سورية ومن خارجها لإفشال زيارة الوفد، ولكن الذي حدث العكس تماماً، فذهاب وفد الجبهة لوحده لم يغير شيئاً، والذي أنجح الزيارة هو وجود معارضة سورية تقول لهم شكراً على «الفيتو» وتستمر على خلاف تجارب ليبيا وما قبلها.
نحن نسعى إلى التغيير العميق الجذري الشامل في المجتمع، ولا نسعى لتغيرات شكلية وسطحية، فهذه العملية المعقدة يجب أن تجري في الداخل السوري، وأي تدخل خارجي يمنعها ويعطلها، واستطاع الوفد أن يقنع الكثيرين في القيادة الروسية بأن الموقف في منع التدخل الخارجي هو موقف صحيح، ولكننا بصراحة قمنا بحثّهم على الضغط على جميع الأطراف المعنية بسورية، وعلى أطراف المعارضة الوطنية وعلى النظام من أجل الوصول إلى طاولة الحوار وإلى مخارج بعدها.
شرحنا موقفنا الواضح الصريح من المجلس الوطني المطالب بالتدخل الخارجي، وأخبرناهم بأننا لا نستطيع أن نملي عليكم ماذا تفعلون، ولكن نتمنى لقاءكم بقوى وطنية لم تروها بعد، فلماذا تقدمون معارضي الخارج أصحاب المواقف غير الوطنية على المعارضة لوطنية في الداخل؟ يجب اللقاء بهم وفق سلم أولويات، وأعقد أن تسلسل الأحداث يبين أنهم استجابوا لطلبنا.
الاتصالات جارية مع هيئة التنسيق من أجل الزيارة، كما جرى لقاء مع الممثل الصيني، وأبدوا احتراماً شديداً لمواقفنا، وإعجاباً بالتفاصيل لتي تكلمنا عنها، وأصروا على الحوار، وعلى المخرج الآمن، وأكدوا إصرارهم على عدم التدخل، لذلك يمكن القول اليوم إن الجبهة الشعبية بموقفها الصحيح الوطني المعادي لكل المواقف التي تستهدف تكريس عدم الاستقرار في الداخل، والتي تسعى للتجييش واستمرار إراقة الدماء، استطاعت هذه الجبهة مد تأثيرها ونفوذها أكثر، ليس فقط داخل البلاد وإنما في العالم أجمع، لذلك علينا أن ننجز احتراماً لها مؤتمرنا بنجاح.
لا أحد في الحركة السياسية يستطيع أن يدعي أنه يمثل حركة الشارع، أمس أو أول أمس الحراك الشعبي أصدر بياناً تم نشره، وأعتقد أنكم اطلعتم عليه، وعقد ممثلو الحراك مؤتمراً صحفياً في دمشق وقعت عليه كل من قيادة الحراك الشعبي في دوما، برزة، القابون، وهؤلاء قيادات مستقلة، حرستا، الميدان كفرسوسة، لجنة الجبهة الشعبية لإصلاح والتغيير في التل، لجنة المبادرة الوطنية في ركن الدين والصالحية والمهاجرين، التجمع الوطني السوري الحر في حمص، ائتلاف شباب الحركة الشعبية في جبل العرب تجمع /27/ آذار، لجان الحركة الشعبية في عاموداً يدخل فيها لجان شباب الكرد نيروز الجزيرة الخضراء وبروس، لجنة السلم الأهلي في البوكمال في الميادين لجنة حي القدس في اللاذقية لجنة السلم الأهلي في اللاذقية اللجان الشعبية في ديرالزور بأحياء المطار العمال القصور الإعلام وغيرها كلهم وقعوا على بيان يقول في احد بنوده، في البند الثامن قبل الأخير تحديداً:
«إن الحراك الشعبي في سورية شخصية اعتبارية مستقلة بذاتها ولا يوجد غيرها من يمثلها أو ينطق باسمها وهي لا تخضع لي حزب سياسي أو شخص طبيعي بإمكانه التحدث عنها أو باسمها وهي التي تقرر من يمثلها، وفي البندر الأخير قالت: إن الحراك الشعبي في سورية يؤمن من بالحل الداخلي للأزمة السورية ويعارض أي تدخل خارجي بأي شكل من الأشكال».
هؤلاء بقسمهم الأعظم وليس جميعهم، قدموا طلب انتساب للجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، وهم ممثلون اليوم في مجلسها المركزي.
نحن ائتلاف قوي، كل واحد من قيادات الحراك الشعبي سيحافظ على استقلاليته، فلا الحزب السوري القومي الاجتماعي سيذوب في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، ولا اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين ستذوب في الحزب السوري القومي الاجتماعي، ولا الحراك الشعبي سيذوب في الأحزاب، سنؤسس لقواعد جديدة للتعامل عبر الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل طرف، ولكن الجديد في الموضوع أن هناك حركة سياسية وحراك شعبي تنشأ بينهما جسور، لذلك اليوم أستطيع أن اقول بالمعنى السياس إن الجبهة الشعبية، نسبياً، لها علاقة جيدة بالحراك الشعبي، ولا يجوز أن تقول إنها تسيّره، ولا يجوز أن تقول إنها تقوده/ ولكن لديها علاقات جيدة مع قسم هام منه، والقسم الهام الذي لدينا علاقة جيدة معه يحاورونا، نأخذ ونعطي معهم، نسمع لهم ويسمعون لنا، نتبادل النصح والإرشاد، نغير ونصحح مواقفنا وهم يصلحون مواقفهم.. وهذا القسم الذي نتعامل معه يمثل أكثر بكثير من الحد الأدنى في الشارع السوري.
بعد زيادة موسكو هناك من شن حملة شاملة قوية في الفضائيات الناطقة بالعربية على الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، ولكن «عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم»، فمن خلال هذا الهجوم سمع بنا كل العالم، كان هناك قسم لم يعلم بعد بوجود الجبهة الشعبية والآن قد سمع بها، ولكن الحقيقية أن الجبهة الشعبية بمواقفها الواضحة أصبحت على تقاطع نيران لثلاث جهات: الجهة الأولى هي جهات التدخل الخارجي الذي نرفضه، ونتقاطع مع النظام في هذه القضية فيحسبوننا على النظام لكي يبرروا قضية التدخل الخارجي، وكأن الموقف الوطني هو حكر على النظام، والشعب السوري لا علاقة له بهذه القضية، ثانياً النظام نفسه يشتغل فينا، ويهاجمنا قسم من المتشددين فيه، لأننا بوضوح وصراحة ضد الحل الأمني البحت الذي لا يأخذ بعين الاعتبار تعقيدات الوضع في سورية وضرورة أن يكون الحل سياسياً- اقتصادياً- اجتماعياً مركباً مع حلول مستعجلة لوقف نزيف الدم، ثالثاً هناك قسم من الحركة الشعبية، المتشدد والذي يصر على إسقاط النظام، والذي ثبت أنه يعول على طبخة بحص، ولن ينحل الموضوع هكذا، أيضاً هذا القسم يهاجمنا، ولكن الاستعصاء خلال الأشهر الثمانية الماضية إنما يقوّي مواقع العقلاء في كل هذه الأماكن، ونعتقد أن خطنا سيشق طريقه وسيزداد أنصاره في كل مكان.
من هنا لا تحزنوا ولا تضيقوا ذرعاً، فكلما قوينا وكلما تقدمت الجبهة الشعبية في خطها إلى الأمام وازداد تأثيرها وانتشارها، كلما سيزداد الهجوم عليها، والذي يمدحه الجميع يجب أن يعيد النظر بمواقفه وبنفسه، نحن كثيرون من يهاجمونا وهذا الأمر يشرفنا.
وجودنا، نشاطنا، برنامجنا، وثائقنا، نتائج عملنا اليوم.. كلها يجب أن تسير باتجاه الضغط لتحقيق الأهداف، ضغط على الجميع، فبرأي ليس المطلوب الضغط على النظام فقط، بل المطلوب الضغط على النظام أولاً، ومطلوب الضغط ثانياً على القوى المعارضة المتشددة التي لا تريد الحوار والتي بعضها ايضاً يريد التدخل الخارجي، والمطلوب أيضاً الضغط على الحركة الشعبية، الضغط بمعنى الحوار والنقاش، أن نضغط عليها من أجل أن تصوب شعاراتها وأن تأخذ بعين الاعتبار الواقع الملوس، لذلك فمهمتنا كبيرة.
نحن حين نتحدث عن الحركة الشعبية، نتحدث عن الحركة الشعبية السلمية، ومن يرفع السلاح يصبح أوتوماتيكياً خارجها، ثانياً أريد أن ألفت النظر وأصر على عدم التعامل باستخفاف مع الحركة الشعبية على أساس أنها قضية يوم أو يومن، فهذا الانفجار ليس سورياً بحتاً وليس عربياً بحتاً، فالقصة وصلت إلى وول ستريت وكل مدن أوروبا، الجماهير في كل العالم استفاقت ونزلت إلى الشارع، نحن إذا كنا جادين وأردنا أن نتعامل مع الوقائع كما هي، فيجب أن نفهم أن الشعوب استفاقت ونزلت إلى الشارع، وهذه الحركة مستمرة لعقود قادمة..
الآن مازلنا في أولى خطواتها، في سورية حدثت اختلاطات بسبب تعقيدات الوضع في سورية وحولها وإذا لم نفهم هذه الحقيقة سنتأخر عنها وسنخرج منها وسيصطادها ويختطفها أحد آخر، الخطأ في التعامل مع الحركة الشعبية وفق الخيار الأمني المفرط يمنع تطورها الطبيعي ويشوهها ويعقد الأمور، لذلك أعتقد أن الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير بموقفها من الحركة الشعبية يجب أن تكون صارمةً تجاه مواقف النظام التي لا يأخذها بعين الاعتبار، بحيث يأخذها على محمل الجد، لأنه ليس في ذاكراته الحية سوى أحداث حماة في الثمانينات، ولا يفهم أن هذه القصة بالذاكرة الحية ليس موجودة عنده فقط بل موجودة بالكتب والتاريخ أيضاً، وثانياً يجب أن نكون صارمين أيضاً مع أولئك الذين يريدون دفع الحركة الشعبية من داخلها إلى مهلكها لمنعها من اقتطاف ثمار الشعارات المشروعة والمحقة التي طرحها الشارع في البداية، في هذا الموضوع أعتقد أن الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير يجب أن تسير من غير مساومة، فلا مساومة مع النظام في قصة الحل الأمني والقمع البحت، لأنه عملياً حوّل الحركة الشعبية باتجاه آخر وهذا مقصود.
هناك في النظام من يريد أن يجهض الحركة الشعبية ويدفعها دفعاً لمكان آخر، وهناك خارج النظام من يريد الاستيلاء على الحركة الشعبية وأيضاً دفعها لمكان آخر، والطرفان وخذوها كلمةً مني، سيتبين أن معلمهما واحد في النهاية.