القرار 119 يخرج من باب المحتجين ويعود من شباك الفاسدين

القرار 119 يخرج من باب المحتجين ويعود من شباك الفاسدين

بتاريخ 17 أيار 2021، أصدرت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سورية، قراراً برقم 119 نص على رفع كبيرٍ في أسعار المحروقات، تراوحت نسبته بين 300 و600%.

– الجزيرة السورية

ورفضاً لهذا القرار، شهدت بعض المدن في الجزيرة السورية احتجاجات شعبية سلمية تطالب بإلغاء القرار، وعلى إثر تلك الاحتجاجات قامت الإدارة الذاتية بإلغاء القرار المذكور، وقد ترك ذلك التراجع ارتياحاً لدى الأهالي بعد أن تم تحقيق مطلبهم دون أن يقابل بالعنف، وهي سابقة من نوعها.
ولكن يبدو أن الاحتجاجات الشعبية أخرجت القرار من الباب ليعيده الفاسدون من شباك مصالحهم الأنانية، فبعد صدور قرار يقضي بإلغاء القرار 119، تتالت سلسلة رفع الأسعار، بدءاً من الخبز مروراً بالمحروقات، وليس انتهاء بالمواد التموينية، حيث إن سعر ربطة الخبز، التي تحوي 9 أرغفة، عند صدور القرار 119 كان 100 ل. س، إلا أن هذا السعر شهد موجة ارتفاعات متتالية بعد (إلغاء القرار) ليستقر سعر ربطة الخبز اليوم عند 400 ل.س. وكذلك شهدت أسعار المحروقات سلسلة ارتفاعات بعد إلغاء القرار، حيث إن سعر لتر البنزين ارتفع من 75 ليرة بعد (إلغاء القرار) إلى 210 ليرات على البطاقة الذكية، و1200 ليرة للبنزين الذي يباع خارج إطار البطاقة الذكية، حيث سعر 1200 ليرة هو سعر نظامي أيضاً، أي ليس سعر السوق السوداء. لتشهد الكازيات التي تبيع بسعر 210 ليرات ازدحاماً شديداً، ونقصاً في الكمية، يصعب على المواطن الحصول عليه في أغلب الأحيان، في حين أن الكازيات التي تبيع بسعر 1200 ليرة يتوفر فيها البنزين بشكل كبير، ولا تشهد أي ازدحام، بالرغم من أن الصنفين يحملان المواصفات نفسها، وكذلك الأمر مع المازوت، الذي تضاعف سعره عدة مرات بعد (إلغاء القرار 119).
كذلك ارتفع سعر أسطوانة الغاز المنزلي من 3100 ليرة عند (إلغاء القرار) إلى 7500 ليرة اليوم، أي أرخص بـ 500 ليرة من السعر الذي كان قد حدده القرار 119.

شعارات رنانة وقرارات شفهية

المضحك المبكي في المسألة، هو الشعارات التي يتم رفعها من قبل المعنيين أثناء إصدار أي قرار؛ فعند إصدار القرار 119، كانت اليافطة العريضة التي جاء تحتها القرار تقول: «بناء على مقتضيات المصلحة العامة» في حين كانت يافطة إلغاء القرار تقول: «نزولاً عند رغبة الشعب، ولكون الإدارة من الشعب وللشعب». حيث أثبتت التجربة بأن كل هذه العبارات هي شعارات رنانة، يتم رفعها لتمرير قرارات تتعارض بشكل كبير مع مصلحة الشعب، وتتماهى وتخدم مصالح حيتان الفساد الكبير ضمن جهاز الإدارة الذاتية.
من جهة أخرى، فإن قرارات رفع الأسعار التي تلت إلغاء القرار 119، لم يصرح عنها في وسائل الإعلام كما جرت العادة، بل تصدر بالطرق الشفهية ومن خلال الهاتف، حيث يفاجأ المواطن كل يوم بسعر جديد للمواد لم يكن يسمع عنه من قبل.

قرارات مجحفة وحجج واهية

في الآونة الأخيرة، أصدرت الإدارة الذاتية سلسلة من القرارات التي تتعارض مع مصلحة الشعب على الأرض، فمن ضمن قرارات رفع الأسعار التي ذكرناها أعلاه، قرارات أخرى مجحفة بحق الشعب، كقرار منع تدريس مناهج الدولة السورية، والذي تناولته قاسيون في مقال سابق، وأيضاً قرار عدم شراء الإدارة لمحصول الذرة الصفراء من الفلاحين، وجعلهم تحت رحمة التجار الذين سيتحكمون بالسعر وفقاً لأهوائهم. كل هذه القرارات تتعارض مع مصلحة الغالبية العظمى من السوريين في الجزيرة السورية، حيث إن أسعار المواد تضاعفت عدة مرات، في حين بقيت الرواتب على ما هي عليه، دون أي قرار لتعديلها، الأمر الذي عمق الشرخ بين تكاليف المعيشة وبين الأجور.
كل هذه الإجراءات والقرارات تصدر تحت حجج وذرائع واهية، من قبيل (ضعف ميزانية الإدارة الذاتية)، على الرغم من أنّ حالة البطر المكشوفة التي يعيشها الحيتان وأصحاب المحسوبيات تفقأ الأعين، وتكشف حجم النهب المسكوت عنه على حساب الشعب.

نُذر تحركات شعبية جديدة

قوبلت القرارات التي صدرت في الآونة الأخيرة بحركات احتجاجية في بعض مناطق الجزيرة السورية، فبعد الاحتجاجات التي أدت إلى إلغاء القرار 119، أضرب معلمون، وأضرب سائقو النقل الداخلي (سرافيس) في منبج، عن العمل، للمطالبة بزيادة الرواتب ورفع الأجور، بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعانون منها. وقبل ذلك بفترة، أعلن معلمو مدينة الشدادي عن إضرابهم عن العمل وإيقاف الدوام في المدارس، مطالبين برفع أجورهم في ظل تراجع قيمة الليرة السورية أمام الدولار، حيث تخطى سعر الصرف حاجز الـ 5000 ليرة للدولار الواحد، مع ما يخلفه ذلك من تردٍ للأوضاع الاقتصادية والمعيشية لغالبية الناس.
هذه الحركات الاحتجاجية، على الرغم من ضيق مساحتها الجغرافية، والامتناع الإعلامي عن تغطيتها، إلى أنها تُنذر بحركة احتجاجية واسعة، تشمل كامل مناطق الجزيرة السورية، الباب الذي يفتح على احتمالات عديدة لتبعاتها.

الحلول يجب أن تكون حقيقية

الوضع المعاشي في الجزيرة السورية، كما باقي الجغرافيا السورية مستمر بالتراجع يوماً بعد آخر، مخلفاً موجات تجريف سكاني كبيرة، عدا عن الأمراض الاجتماعية التي تتزايد وتنتشر بصورة متسارعة؛ كانتشار عمليات السلب والخطف والتجارة السوداء.
وإذا كان مما لا شك فيه أنه لن تكون هنالك حلول حقيقية وجذرية لا في الجزيرة السورية، ولا في أية بقعة من سورية دون حلٍ سياسي شامل ودون تغيير جذري، فإنّ الأكيد أيضاً: أنه ينبغي المباشرة بالحلول الجزئية الممكنة منعاً لمزيد من النزيف البشري والمادي. وبما يخص الجزيرة السورية، وخاصة بما يتعلق بـ«ضعف الموارد» فإنّ الحل يكمن في جيوب الناهبين الذي مصوا دماء الشعب، ولسان حال الناس اليوم يقول بضرورة مد يد المحاسبة لجيوب هؤلاء الناهبين، وإعادة الأموال المنهوبة، على أن ينعكس ذلك من خلال تحسين الوضع الاقتصادي والمعاشي، الأمر الذي يمكن أن يتم إذا ما توفرت الإرادة والإدارة الحقيقية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1094