افتتاحية قاسيون 1088: ماذا يعني التفاوض المباشر؟
لا يمكن القول، وبعد 12 سنة من انفجار الأزمة السورية، أنّ تفاوضاً مباشراً حقيقياً قد حدث حتى اللحظة، مع استثناء لقائي موسكو الأول والثاني، واللذان لم يتواصلا ولم يتم البناء عليهما كما يجب.
التفاوض المباشر لحظة انطلاقه، لن يعني أن الحل قد بدأ فعلاً. الحل سيبدأ مع تشكيل جسم الحكم الانتقالي، والذي هو شيء مختلف عن الوفود المتفاوضة حول تشكيله. ولكنّ مجرد بدء التفاوض المباشر، يعني أنّ البلاد قد وضعت على السكة التي تقودها للحل عبر تطبيق كامل للقرار 2254 وصولاً إلى إنهاء المأساة، واستعادة الشعب السوري لوحدته وسيادته على أرضه الموحدة... وهذا ما ينبغي صبّ كل الجهود الوطنية باتجاهه.
أهمية التفاوض المباشر لإنهاء الأزمة السورية، وللشروع بالحل السياسي وتطبيق القرار 2254، تنبع من أنّه الطريق الإجباري الوحيد نحو الحل؛ فأول ما يعنيه التفاوض المباشر هو الاعتراف العملي من كل الأطراف السورية بالقرار 2254، وليس الاعتراف اللفظي فحسب، ويعني أيضاً اعتراف الأطراف السورية ببعضها البعض، وهو الأمر الذي لا يمكن دونه وضع الأساس لإعادة توحيد الشعب السوري، ولتمكينه في نهاية المرحلة الانتقالية من تقرير مصيره بنفسه عبر انتخابات حرة ونزيهة، لا يتحكم بها لا جهاز الدولة ولا حملة السلاح على اختلاف أنواعهم، ولا الدول التي تسعى للتأثير، ولا المال السياسي.
ذلك، فإنّ التفاوض المباشر يعني تخفيض حدة الأجواء المشحونة، وبداية تمهيد الطريق لاستعادة وحدة الشعب السوري.
الموضوع الأساسي للتفاوض المباشر، وبين أطراف مؤهلة وواسعة التمثيل ودون إقصاء أو تفرد، سيكون آليات تطبيق القرار 2254، وعلى رأسها جسم الحكم الانتقالي، ابتداءً من الاتفاق على تعريفه، ومن ثم صلاحياته وآليات عمله، ووصولاً إلى تحديد واضح لتلك الصلاحيات، وتأمين ما يلزم لها قانونياً، بما في ذلك تعديل دستوري إنْ تطلب الأمر ذلك.
مهام الجسم الانتقالي الذي سينتجه التفاوض المباشر، هي ذاتها بنود القرار 2254، من حل ملفات المعتقلين والمختفين قسرياً والنازحين واللاجئين، ومروراً بمختلف الملفات الإنسانية، وبوضع الأساس لإعادة الإعمار والبدء به، ووصولاً إلى المهمتين الكبريين في الإصلاح الدستوري والتحضير للانتخابات.
عملية الإصلاح الدستوري، تتطلب في الظروف الحالية، وبعد أن تشكلت اللجنة الدستورية وتوقف عملها، إصلاح تلك اللجنة كإحدى مهام الجسم الانتقالي، عبر إصلاح تركيبتها بحيث تشمل الجميع دون إقصاء ودون تفرد، وعبر نقل أعمالها إلى دمشق بضمانات يتولاها جسم الحكم الانتقالي بالدرجة الأولى عبر صلاحياته، وبمساعدة الدول صاحبة المصلحة في السير باتجاه الحل السياسي، وخاصة ثلاثي أستانا، ومعهم الصين والدول العربية التي ستنخرط إيجاباً باتجاه الحل، وإنهاء الأزمة والصراع.
وإذا كان التفاوض المباشر الحقيقي لم يبدأ حتى اللحظة، فإنّ على الأطراف السورية المختلفة، وعلى الوطنيين السوريين على العموم، أنْ يبدؤوا بالتحضير الجدي له؛ لأنّ الآفاق التي تكشفها التطورات الدولية والإقليمية، وضمناً التراجع المتسارع لقدرات الغرب، بالتوازي مع اتساع إمكانيات واحتمالات تقارب دول المنطقة ضمن السعي نحو عالمٍ متعدد الأقطاب، وبالضد من المصلحة الأمريكية، ومن التخريب الصهيوني... هذه الآفاق تُظهر بوضوحٍ أنّ ظروف إنهاء الأزمة السورية، عبر إنهاء قدرات المتشددين على التلاعب بالاستناد للغرب بالدرجة الأولى، ستكون أكثر واقعية وملموسية خلال الفترة القادمة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1088