ما الجديد في التخريب «الإسـ.ـرائـ.ـيلي» بما يخص الجولان؟ وما صلته بما يجري في الجنوب السوري؟

ما الجديد في التخريب «الإسـ.ـرائـ.ـيلي» بما يخص الجولان؟ وما صلته بما يجري في الجنوب السوري؟

نشرت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» قبل حوالي أسبوعٍ، مقالة بعنوان: «مع تلاشي الروابط مع سورية، يتجه دروز الجولان بشكلٍ متزايد إلى إسرائيل للحصول على الجنسية». وقد أعاد نشر واقتباس المقالة أحد المواقع «السورية» شافعاً إياها بصورة مستفزة لرجلي دين درزيين على خلفية علمٍ «إسرائيلي»، ولم يكتف الموقع إياه بالنقل «الحيادي» لمضمون المقالة «الإسرائيلية»، بل وأضاف إليه اتصالاته الخاصة مع «محللين» عززت آراؤهم مضمون المقالة «الإسرائيلية»، وصبّت في الاتجاه نفسه الذي تريده...

مضمون المقالة

وفق المقالة «الإسرائيلية»، فإنّ: «الأرقام الحكومية الرسمية تظهر... أنه على مدى السنوات الخمس الماضية، قفز عدد طلبات الجنسية التي قدمها سكان مرتفعات الجولان الدروز تدريجياً من 75 طلباً في 2017 إلى 239 في 2021» وأنه «من المرجح أن يكون الرقم في 2022 أعلى من ذلك، حيث إنه في النصف الأول من العام، تم تقديم 206 طلبات».
وتضيف المقالة بعد أن جزمت على أساس هذه الأرقام «الفلكية» أن «أسباب التغيير ليست واضحة تماماً، ولكن يبدو أنها مرتبطة بالحرب الأهلية السورية، مما جعل الحفاظ على الروابط مع دمشق أكثر صعوبة، وغيّر المواقف تجاه النظام في دمشق. وقد تلعب التحولات الجيلية دوراً أيضاً، حيث إن العديد من دروز الجولان ممن قد بلغوا سن الرشد اليوم مرتبطون بسورية فقط من خلال القصص». ووفق المقالة قالت إحدى النساء السوريات من الجولان: إن «المجتمع يشكك في ولاء النظام السوري للطائفة الدرزية في هضبة الجولان، والصعوبة التي يواجهها الشباب الدرزي في الانتماء إلى سورية، البلد الذي لم يسبق لمعظمهم حتى زيارته».
ووفق المقالة فإن «الحرب الأهلية السورية حطمت فكرة الأمة السورية، وقطعت العديد من الروابط بين دروز الجولان ودمشق». وفي النهاية تقول المقالة حول دروز الجولان المحتل: «إن الحصول على الجنسية الإسرائيلية ليس من منطلق الأسرلة أو الصهينة، بل هو خيار عقلاني يأملون أنه سيحسّن جودة حياتهم».
وقامت بعض الجهات الإعلامية «الإسرائيلية» الأخرى بالإضافة إلى الموقع «السوري» الذي أشرنا إليه أعلاه بتلقف القصة وإعادة نشرها. ومن الجدير بالذكر، أنه في شهر كانون الأول الماضي، أي قبل أقل من تسعة أشهر كانت إحدى الجهات الإعلامية «الإسرائيلية» الأساسية قد نشرت مقالة بعنوان «سكان مرتفعات الجولان العرب يرفضون الجنسية الإسرائيلية»، ولكن حسب المقالة التي تكلمنا عنها هنا، فإن أعداد من يقدمون طلبات الجنسية بارتفاع تدريجي منذ عدة أعوام، ولذلك من المهم محاولة وضع توقيت استخدام هذا الموضوع في سياق ما تحاول «إسرائيل» القيام به اليوم، وباستخدام ما هو متاح لها من أدوات بما في ذلك من خلال ما عبرنا عنه سابقاً بالقول: «التخادم غير المباشر والمباشر أحياناً مع رافضي الحل السياسي ورافضي القرار 2254».

خطف خلفاً

قبل قراءة ما تريده هذه المقالة، والسياق الزمني الذي تظهر ضمنه، ربما من المفيد التأسيس للسياق الأوسع لقراءة المسألة، والذي لن نطيل في سرده، ولكن سنكتفي باقتباس بعض الأفكار الأساسية من جملة مقالات نشرتها قاسيون حول الجولان السوري المحتل، وخاصة في الفترة الأخيرة:
في الشهر الأول من هذا العام، نشر مركز دراسات قاسيون مادة حول السياسات «الإسرائيلية» اتجاه الجولان السوري المحتل، وفي هذه المادة وضّح المركز الأهمية الخاصة التي يحوزها الجولان المحتل، ليس بالمعنى الثقافي- الوطني فحسب بالنسبة للشعب السوري، بل وبالمعنى العملي المباشر، الذي يشكل فيها جزءاً أساسياً من أيّ حلّ حقيقي ومتكامل للأزمة السورية، وهذا أمر تدركه «إسرائيل» ومعها أمريكا «وهو ما يمكن أن يفسر التطور التاريخي لمقاربتهما لقضية الجولان».
استعرض المركز في المادة ثلاثة أطوار تاريخية متمايزة في التعامل الصهيوني مع الجولان، وامتدت المرحلة الأولى من عام 1967-1981، والتي خلالها كان يأمل الصهيوني «في جر سورية نحو شكل من أشكال «الصلح» الذليل... وتم التعامل مع الجولان ضمن هذه الفترة بوصفه رهينة مؤقتة بيد «الإسرائيلي»، لا ينوي فعل شيء اتجاهها سوى الاحتفاظ بها إلى حين يأتي وقت «بيعها» لأصحابها».
في الطور الثاني والذي امتد بين 1981-2019، «اتخذت السياسة الصهيونية منحىً آخر، حيث بدأت تجري زيادة جدية، ولكن على مدى زمني طويل ليس لأعداد المستوطنين في الجولان فقط، بل وأيضاً للمشاريع التي تهدف لتخريب وجود السوريين في أرضهم عبر تدمير زراعتهم، ومحاولة فرض الهوية «الإٍسرائيلية» عليهم، ضمن استهداف طويل الأمد لدمج الجولان نهائياً».
أما المرحلة الثالثة والتي بدأت في 2019 وممتدة حتى الآن، فقد تكلمت عنها افتتاحية قاسيون 1052 بعنوان «الجولان السوري مؤشرات التعقيد والحل»، وأشارت فيها إلى أنّ هذه المرحلة الأخيرة قد شهدت انعطافاً عن السياسات في المرحلة السابقة، ينطلق من «استيعاب كل من الأمريكيين و«الإسرائيليين» لحقيقة التراجع الأمريكي العام، ولضرورات الانسحاب الأمريكي من مجمل المنطقة» وهذا «سيترافق مع إعادة رسمٍ لمجمل المنطقة على أساس التوازنات الفعلية الجديدة، بما في ذلك إنهاء الاستعصاء السوري، وفتح باب الحل السياسي الشامل. وهذا الأمر يفترض من وجهة النظر «الإسرائيلية» التحصن المسبق اتجاه المستقبل القريب، عبر تعقيد شروط الانتقال نحوه، أي عبر تعقيد شروط وظروف الحل السياسي في سورية، والتي تعلم جيداً أنها ستصل عند مرحلة محددة إلى إنهاء الاحتلال «الإسرائيلي» للجولان. بكلامٍ آخر، فإنّ «إسرائيل» وبينما تعمل بالتخادم غير المباشر والمباشر أحياناً مع رافضي الحل السياسي، ورافضي القرار 2254، فإنها تتحصن لاحتمال تنفيذه عبر تعقيد ورفع تكلفة خروجها من الجولان، لعل وعسى يتحول هذا الخروج إلى ورقة في المساومة على مستقبل سورية نفسها».

1087-34

ما الجديد؟

الأرقام التي تحتفي بها المقالة «الإسرائيلية» وتبني عليها تحليلات وتنبؤات، هي أرقامٌ سخيفة لا يُبنى عليها شيء؛ فالحديث هو عن 239 طلب جنسية من بين أكثر من 20 إلى 25 ألف سوري في الجولان المحتل، ناهيك أنّ هذا الرقم الهزيل نفسه هو موضع شكٍ انطلاقاً من انعدام أية مصداقية لسلطات الاحتلال خاصة في ظل سعيها للاستخدام السياسي الواضح للمسألة.
إضافةً إلى السياق العام الذي مررنا عليه بشكلٍ مختصرٍ أعلاه، فإنّ المقالة تتمحور حول ثلاث مقولات أساسية:
أولاً: التركيز على الهوية «الدرزية» للجولان وساكنيه، واعتبارها الهوية المركزية لديهم، وفصلها عن هويتهم السورية والعربية... وهذا ما لا يتفق بأية حالٍ من الأحوال مع حقيقة الأمور، ومع حقيقة ونوعية الخطاب السياسي الذي يتم تأكيده بشكل مستمرٍ من أهالي الجولان المحتل؛ فهؤلاء وإنْ كانوا متمسكين ولا شك بهويتهم الاعتقادية، فهي عندهم لا تنفصل عن هويتهم الوطنية الجامعة، وهم يرون فيها مفخرة وطنية عبر الحضور الدائم للتاريخ، ولشخصية سلطان باشا الأطرش بوصفها شخصيةً وطنية جامعة، وبوصفها شخصية ثورية معادية للاستعمار... وبكلمة، فإنّ الهوية الاعتقادية منصهرة انصهاراً كاملاً ومنسجمة مع الهوية الوطنية الجامعة، ويعزز هذا الانصهار التاريخ الطويل الذي يقف في زور الصهيوني ويمنعه من ابتلاع أهل الجولان رغم كلّ محاولاته الترهيبية والترغيبية.
ثانياً: يحاول المقال المطابقة بين النظام السوري وسورية، لتغدو علاقة أهل الجولان بسورية هي علاقتهم بالنظام السوري؛ وهذا هراءٌ لا أساس يسنده؛ فليس خافياً أنّ أهل الجولان أنفسهم خلال سنوات الأزمة كانت لهم مواقف سياسية متباينة شأنهم شأن كل السوريين مما جرى في سورية، ومن القوى السياسية فيها معارضةً ونظاماً، وأنّ مواقفهم هذه تطورت بتطور الأزمة، مع خصوصية أنّ القسم الأكبر منهم، وإنْ ظهر مؤيداً للنظام، فإنّ حقيقة التأييد تلك كانت في جوهرها معارضةً للعمل المسلح، وللتدخلات الغربية والصهيونية خاصةً، وللأصناف من المعارضة التي قدمت أوراق اعتمادها للغرب، أكثر منها تأييداً للنظام نفسه... وأياً يكن موقف أهل الجولان من المعارضة أو من النظام، فإنّ ارتباطهم ببلدهم وأرضهم ورفضهم للاحتلال ليس موقفاً انتخابياً أو موسمياً يتغير على أساس طبيعة النظام السائد في سورية كما يحاول «الإسرائيلي» تصوير الأمر.
ثالثاً: لا يمكن فصل مقالة «تايمز أوف إسرائيل» التي نتحدث عنها هنا، ولا مجمل الطروحات التي تقدمها سلطات الاحتلال بما يخص الجولان السوري، عن الوضع الداخلي في سورية، وخاصةً في السويداء؛ لأنّ العمل الممنهج لتقديم هوية طائفية أو اعتقادية على الهوية الوطنية الجامعة، وبالاستناد إلى الموقف من النظام ومن الفساد الكبير والنهب والقمع، هو عملٌ مستمرٌ ومتواصل... فرغم أنّه في محافظة مثل السويداء، بتاريخها الوطني العريق، لا يجرؤ أحدٌ حتى وإن أراد أن يجهر بموقفٍ سياسيٍ يندرج في إطار العمالة (والمانع هنا شعبي وليس سلطوياً بحالٍ من الأحوال)، إلا أنّ مجرد التركيز على سبغ هوية طائفية معزولة عن الهوية الوطنية العامة، يؤدي في نهاية المطاف، ومع تمدد الأزمة المؤدى نفسه لتخريب الهوية الوطنية...

خلاصة:

لا يمكن بحالٍ من الأحوال فصل هذه الطروحات عما يجري العمل عليه في الجنوب السوري، إذ يجري العمل بشكل كثيفٍ إعلامياً (وخاصة عبر شبكات التواصل الاجتماعي) وعلى الأرض، على حصر مشكلة الجنوب السوري بالوجود الإيراني، بل والمبالغة في حقيقة ذلك الوجود عبر نسب كل أنواع الموبقات الموجودة في الجنوب السوري إليه، بما في ذلك خاصة تهريب المخدرات، وذلك في حمايةٍ مقصودة أو غير مقصودة، للحرامية الأساسيين والمجرمين الفعليين المسؤولين عن هذه الأعمال، وبشكل خاصٍ من بين تجار الحرب السوريين، والفاسدين الكبار ضمن النظام... إلى ذلك الحد الذي يجري فيه تحييد مسألة التغيير السياسي والحل السياسي لحساب البحث عن «حلٍ مناطقي»، وتتوالد في الاتجاه نفسه طروحات حول فتح معابر «خاصة» مع الأردن، وحول ضرورة «دعم التحالف الدولي»، والمقصود التحالف الأمريكي، وغيرها من الطروحات...
محاولات الصهيوني ينبغي التصدي لها بكل حزم، وربما هذا النوع من المحاولات أخطر حتى من اعتداءاته العسكرية المتواصلة... ومحاولات الدخول بشكلٍ ملتوٍ عبر اختراع «انتصارٍ إسرائيلي» في الجولان عبر مسألة الهوية، يندرج في الإطار نفسه...
التصدي لهذه المحاولات بشكل جذريٍ يتطلب عملاً وطنياً جامعاً، يكون على رأس أولوياته إنهاء الأزمة السورية، والتي لا طريق لإنهائها سوى عبر التطبيق الكامل للقرار 2254، أي عبر تغيير جذريٍ وشامل للنظام القائم، وعبر بناء نظام جديد يعيد تجميع السوريين على أساس هوية وطنية جامعة مركزها مصلحة السوريين، وبالذات مصلحة الغالبية العظمى المنهوبة منهم (95%) وليس مصلحة الحرامية والفاسدين في كلٍ من النظام والمعارضة...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1087
آخر تعديل على الأربعاء, 14 أيلول/سبتمبر 2022 17:59