افتتاحية قاسيون 1072: أزمة طاقة في الغرب وغذاء في الجنوب

افتتاحية قاسيون 1072: أزمة طاقة في الغرب وغذاء في الجنوب

في إطار الحديث عن الأزمات التي تشمل العالم بأسره، ينصب القسم الأكبر باتجاه أزمة الطاقة، بحامليها الأساسيين: النفط والغاز. ولكن الأزمة الأكثر عمقاً والأكثر خطراً وكارثية هي أزمة الغذاء التي بدأت بوادرها بالتوضح بشكل كبير، ودون أن يتضح بعد إلى أي مدى وعمق يمكنها أن تمتد.

أكبر خمسة مصدري حبوب في العالم، وبمقياس مليون طن، هم على التوالي: (روسيا 30، الولايات المتحدة 26، كندا 26، فرنسا 19، أوكرانيا 14).

أي أنّ روسيا وأوكرانيا بالمجموع تصدران 44 مليون طن من الحبوب. وفي عام 2021 قدمت روسيا وأوكرانيا 75% من زيت عباد الشمس، و28% من القمح، و15% من الذرة، إلى السوق العالمية. وهنالك ما يقرب من 50 دولة تعتمد على روسيا وأوكرانيا في ما لا يقل عن 30% من احتياجاتها من القمح، منها 26 دولة تعتمد عليهما بنسبة تتجاوز 50%.

يضاف إلى هذا كله أنّ دولاً عديدة ذات إنتاج معتبر بما يتعلق بالحبوب، قد بدأت بتطبيق سياسات حمائية تقلل من خلالها أو تمنع تصدير إنتاجها، تحسباً للأزمة القادمة بلا شك.

وإذا نظرنا في المسبب الأساسي للأزمتين معاً في طورهما الحالي، فإنّه بالدرجة الأولى العقوبات الغربية على روسيا وعموم السياسات الغربية المقادة أمريكياً، والتذرع بالمسألة الأوكرانية ليس بقادرٍ على إخفاء حقيقة هذا الأمر... ورغم مطالبات روسيا برفع العقوبات ومن باب الأزمات العالمية التي تسببها تلك العقوبات بشكل خاص، إلا أنّ الأمريكيين يغمضون أعينهم ويصمون آذانهم عن كل النتائج التي تسببها عقوباتهم... ما يدفع إلى التفكير جدياً بالسؤال التالي: ألم تكن آثار هذه الإجراءات والعقوبات متوقعة من الأمريكيين أنفسهم؟ وما أهدافهم من ورائها.

ليس من الصعب الآن القول إنهم كانوا يعلمون ويدفعون باتجاه هذه النتائج، وباتجاه النتائج الكارثية التي ستظهر بشكل أكبر في الأمد القريب. وأما الأهداف فهي متعددة ولكن على رأسها:

أولاً: مع كل أزمة رأسمالية جديدة، كانت تجري درجة أعلى من التمركز، في السلطة والثروة؛ وضمن الأزمة الرأسمالية العميقة الراهنة، والذي بات تضخم الدولار الفلكي أحد أهم عناوينها، ليس مستغرباً أن يدفع المركز الأمريكي باتجاه تمركز جديد على حساب «الشريك المضارب» الأوروبي، عبر طحنه ليس بأزمة الطاقة فحسب، بل وبما سيتبعها من فيضان الهجرة عبر المتوسط خلال الأشهر والسنوات القادمة مع تفاقم أزمة الغذاء... وبما يتبع هذين الأمرين من تغييرات عميقة في كل البنى السياسية الغربية، ومن استيلاد لنازية جديدة، كما كان شأن الغرب الأنغلوساكسوني بشكل خاص باستيلاد النازية الأولى.

ثانياً: أزمة الغذاء ستضرب بالدرجة الأولى الجنوب العالمي الفقير، وعلى رأسه إفريقيا، ما يفتح الباب للتفكير بأنّ مفتعلي هذه الأزمة، يبحثون من خلالها عن تطبيق «إبداعي» - إجرامي جديد للنيومالتوسية /إعادة الإقلاع العظيم/ المليار الذهبي، وعبر تخفيض عدد سكان العالم بالجوع هذه المرة بوصفه الأداة الأولى، إلى جانب الأمراض والحروب وغيرها من الأدوات.

بالنسبة لنا في سورية، فإننا تاريخياً مكتفون بإنتاجنا من القمح، مع فوائض مهمة للتصدير. وفي الأفق القريب ينبغي أن تتحقق هذه المعادلة نفسها ليس كرافع للاقتصاد فحسب، بل وكحامٍ للناس، وربما أكثر من ذلك أيضاً، كأداة في توحيد السوريين...
وهذه المهمة كغيرها من المهام الوطنية الكبرى، تحتاج إرادة سياسية حقيقية لا يمكن أن تتوفر دون تطبيق كامل للحل السياسي الشامل وفق القرار 2254.

 

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1072
آخر تعديل على الأحد, 29 أيار 2022 21:15