افتتاحية قاسيون 1062: نهاية عصر البترودولار؟
كشفت الأسابيع الماضية بما يكفي من الوضوح، ما سبق أن قالت به قاسيون منذ بدء الحدث الأوكراني، من أنّ أوكرانيا نفسها ليست سوى رأس جبل الجليد ضمن صراع يمتد أعمق وأوسع بكثير، ويدور حول طبيعة النظام العالمي القائم بأسره ومستقبله.
وما نشهده اليوم من تحركات اقتصادية- مالية- سياسية تشمل روسيا والصين والهند والبرازيل وغيرها من الدول، ورغم ضخامة هذه التحركات بمعانيها وتأثيراتها، إلا أنها ليست سوى البداية ضمن عملية شاملة لتغيير النظام العالمي القائم... ونؤكد بشكل خاص على أهمية امتداد التبادل بالعملات المحلية إلى النفط، والذي ظهر في العَقد الذي جرى توقيعه والإعلان عنه مؤخراً بين الهند وروسيا لبيع 3 ملايين برميل نفط من روسيا للهند بالعملة الهندية، وباعتبار اليوان الصيني مقياساً، ناهيك عن التبادلات القائمة أساساً بالعملات المحلية بين روسيا والصين.
ولكي يتضح الأثر الضخم ليس للصفقة نفسها، ولكن للباب الذي فتحته، تنبغي العودة بشكل موجزٍ إلى معادلة البترودولار:
مع توقيع بريتين وودز عام 1944، حاز الدولار موقعاً عالمياً فريداً عبر الاعتراف به كعملة عالمية، ولكن بريتين وودز لم تعفه من تغطية نفسه ذهبياً. اشتغلت آلة الطباعة دون توقف منذ تلك اللحظة، ولكنّ منعطفاً هاماً سياسياً ومالياً حدث مطلع السبعينيات، مع إلغاء الولايات المتحدة علناً تغطية دولارها بالذهب، وهو الأمر الذي لم يكن ممكناً أن يمر دون أداتين أساسيتين في تمريره: أ- فرض تسعير النفط، وتالياً كل المواد الخام تقريباً بالدولار، ب- القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة حول العالم لضمان عملية الفرض هذه بالقوة.
وعلى هذا الأساس انفتح عصر البترودلار الذي استمر خلاله الدولار معترفاً به عالمياً رغم تضخمه الهائل، ورغم أنّه أداة النهب الأساسية بيد النخبة العالمية والأمريكية خاصة، فقط لأنه وبشكل قسري العملة التي يجري بها تسعير المواد الخام وعلى رأسها النفط. ما نشهده اليوم هو بداية إنهاء البترودولار، بكل ما يعنيه ذلك من تبعات كبرى سياسية واقتصادية وثقافية. على الأقل فإنّه بات من الواضح أنّ المعركة التي رأس جبل جليدها هو أوكرانيا ستمتد موضوعياً نحو مجالات كبرى عديدة على رأسها:
أولاً: تغيير النظام السياسي العالمي ممثلاً بالأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى، بات الآن على جدول عمل التاريخ، وباتجاه إعادة تشكيل هذه المنظمات بما يتناسب مع الموازين الحقيقية، وأيضاً باتجاه نقل مركزها إلى مكان حيادي فعلاً.
ثانياً: خلع أنياب حلف الناتو تمهيداً لإنهائه، وللوصول إلى عالم متوازن تسوي نزاعاته أمم متحدة جديدة، ودون أحلاف عسكرية من أي نوع.
ثالثاً: الإنهاء التدريجي ولكن السريع لنظام التبادل اللامتكافئ بين الغرب وبقية دول العالم، والذي شكل الأداة الأساسية المرتبطة بالدولار ضمن عملية نهب مستمرة وطويلة الأمد.
رابعاً: الأزمات الإقليمية التي لم تكف عن التوالد خلال العقود الماضية، والتي كان الغرب بنهبه وبأزلامه وبلطجته العامل الأساسي في خلقها، ولم يصل أي منها إلى حلول حقيقية، سينفتح الباب أمام حلها بشكل فعلي وجذري.
الأزمة السورية ضمن هذه الإحداثيات، هي أيضاً من أهم وأول الأزمات التي سيكون حلها وفق 2254 على جدول الأعمال، وذلك باشتراك الغرب أو دون اشتراكه.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1062