خط الغاز «العربي»... كيف تنتج الأردن كهرباءها؟

خط الغاز «العربي»... كيف تنتج الأردن كهرباءها؟

تناولت مجموعة من المقالات في جريدة وموقع قاسيون خلال الأسابيع الماضية مسألة خط الغاز «العربي»: (يمكن الرجوع إليها عبر الروابط التالية 1- 2- 3، 4). ولكنها لم تقف بما فيه الكفاية عند الجانب الآخر من المشروع نفسه، والمتعلق بنقل الكهرباء من الأردن عبر سورية إلى لبنان.

 ركّزت المقالات السابقة لقاسيون بشكل أساسي على الجانب المتعلق بنقل الغاز بشكله الطبيعي (غير المسال)، ومن ثم توليد الكهرباء باستخدامه في محطة دير عمار اللبنانية. وهنا نركز أكثر على الجزء من المشروع الذي يتعلق بإنتاج الكهرباء في الأردن وتصديرها نحو لبنان وغيرها، وذلك للسؤال عن مصدر «الفائض الكهربائي» الأردني...

لمحة تاريخية سريعة

يعود تاريخ «العلاقات الطاقية» بين سلطات الأردن والحركة الصهيونية إلى ما قبل إعلان الكيان الصهيوني بسنوات طويلة، ويمتد مروراً إلى مشروع بيريز لـ«الشرق الأوسط الجديد»، ويصل إلى وقتنا الراهن. وليس هنا مجال التوسع في هذه النقطة، ولكن نعتقد أنّه من المفيد وضع لمحة عن هذا التاريخ في خلفية التفكير أثناء التعامل مع المشاريع المستجدة. في هذا الإطار، نذكر المعلومات التالية:
• بعد المؤتمر الذي عقده تشرشل بين 12 و14 آذار من العام 1921 في القاهرة (وكان في حينه وزير المستعمرات)، وقرر بموجبه إعطاء العراق للملك فيصل بن الحسين الهارب من سورية، وإمارة شرقي الأردن لأخيه الأكبر عبدالله، فإنّ هذا الأخير لم تعجبه القسمة، وبدأ بالتواصل مع الصهاينة سراً سعياً لتحسين شروطه... ما يهمنا في هذا السياق هو أنّ وسيط التواصل بينه وبين الصهاينة لم يكن إلا بنحاس روتنبرغ، مؤسس «الفيلق اليهودي» وأحد مؤسسي الهاغاناه، وصاحب الامتياز البريطاني الحصري في شركة الكهرباء الفلسطينية (الإسرائيلية لاحقاً)، والتي يمتد عملها إلى أقسام من شرقي الأردن. أبعد من ذلك، فإنّ من موّله عام 1919 لتأسيس هذه الشركة هو البارون ادمون دي روتشيلد (يبدأ نص وعد بلفور 1917 بالكلمات التالية: «عزيزي اللورد روتشيلد»... وهذا اللورد هو ادمون نفسه)... وبكلام آخر، فإنّ دور قطاع الطاقة، والكهرباء خاصة، «الوسيط»، ليس جديداً، بل يعود إلى عام 1921، أي قبل 100 عامٍ بالضبط... وليس مستغرباً إذاً أنّ هذا «الوسيط» قد طوّر أدواته خلال قرن كامل...
• 5 آذار عام 1927، وافق حسن أبو الهدى، رئيس الحكومة الأردنية في حينه، على امتياز مشروع روتنبرج...
• حزيران، عام 1933، شارك الأمير عبدالله بن الشريف حسين في افتتاح مشروع روتنبرج.
• تتضمن المادة رقم 19 من معاهدة وادي عربة بين الأردن والكيان الصهيوني والموقعة في 26 تشرين الأول 1994، ما يلي: (الطاقة: 1 - سيتعاون الطرفان في تنمية موارد الطاقة بما في ذلك تنمية المشاريع ذات العلاقة بالطاقة كاستغلال الطاقة الشمسية. 2 - نظراً لكون الطرفين قد أتما التفاوض حول الربط المشترك لشبكات الكهرباء في منطقة العقبة - إيلات، لذا فسيقومان بتنفيذ هذا الربط عند توقيع هذه المعاهدة. ويعتبر الطرفان هذه الخطوة جزءاً من مفهوم ثنائي وإقليمي واسع. ويتفق الطرفان على الاستمرار في التفاوض بينهما بأسرع وقت ممكن لتوسيع مجال الربط المشترك للشبكات الكهربائية).
• من المعروف أنّ الأردن وقعت عام 2016 على اتفاقية استيراد غاز طبيعي من الكيان، وينص الاتفاق على تزويد الأردن خلال 15 عاماً بـ 45 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، وبقيمة إجمالية تصل إلى 10 مليارات دولار. ومعروف أيضاً أنّ عملية ضخ الغاز قد بدأت العام الماضي. ونضيف هنا أنّ الجهة التي وقعت الاتفاق من الطرف الأردني هي شركة الكهرباء الأردنية، وهي الشركة نفسها التي من المفترض أن تزود لبنان –عبر الشبكة السورية- باستطاعة قدرها 200-250 ميغاوات... (ما يكافئ ساعتي وصل إضافي للكهرباء في لبنان كحد أقصى).

1037-6

أرقام وحسابات

• وفقاً للإحصاءات الرسمية الأردنية، فإنّ إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة في الأردن عام 2020، قد بلغ قرابة 19.19 تيرا واط ساعي، واستهلك منه حوالي 18.86 تيرا، أي إنّ الفائض مقداره 0.33 تيرا واط ساعي.
• الجزء من مشروع تزويد لبنان بالغاز والكهرباء الذي يجري الحديث عنه، يتضمن كلاماً عن تزويده بكهرباء تنتج في الأردن باستطاعة 200-250 ميغا واط، (1.75 إلى 2.19 تيرا واط ساعي). أي إننا إذا استندنا إلى أرقام 2020، فإنّ تصدير الكمية المفترضة من الكهرباء إلى لبنان، سيتسبب بعجز في الأردن يتراوح بين (1.42 و1.86 تيرا واط ساعي) أو (7.4 إلى 9.7%) من إجمالي إنتاج 2020!
• بالنظر إلى الإحصاءات الرسمية لعام 2020 لتصدير واستيراد الكهرباء في الأردن، فإننا سنجد أنّ التصدير قد بلغ 381.2 غيغا واط ساعي، أما الاستيراد فقد بلغ 380.6 غيغا واط ساعي... أي إنّ صافي التصدير الكهربائي الأردني عام 2020 هو 0.6 غيغا واط ساعي... (والذي لو تم تصديره في حينه إلى لبنان، لكان أضاف إلى وقت وصل الكهرباء في لبنان 12 دقيقة يومياً)!
• وفقاً لتصريحاتٍ لوزيرة الطاقة الأردنية العام الماضي، وللتوضيحات التي تلت تلك التصريحات، (وهي تصريحات ثار حولها جدل في حينه)، فإنّ لدى الأردن إمكانات لإنتاج طاقة تزيد عن حاجة الاستهلاك الداخلي؛ أي إنّ الاستطاعة المركبة لا يتم تفعيلها كلّها لأنها باتت «وفقاً للتوضيحات»، أكبر من احتياجات السوق المحلية الأردنية.
• لكن مهما بلغت قيمة الاستطاعة الكهربائية المركبة في الأردن، (وبما أنّ القسم الأكبر من محطات التوليد هي محطات توليد تقليدية، 80% من الإنتاج)، فإنّ المحدد الأساسي لعملية التوليد سيكون «الطاقة الأولية» التي تحتاجها هذه المحطات لكي تنتج الكهرباء. وفي هذا الإطار يقول د. أحمد هندم، وهو رئيس قسم هندسة الطاقة المتجددة في جامعة جدارا الأردنية، إنّ الأردن تستورد جلّ حاجتها من الوقود من الخارج... «4.7% فقط من الطاقة الأولية تنتج محلياً».
• وبما يخص الكهرباء بالذات، فإنّ إنتاجها يستهلك 39% من إجمالي استهلاك الطاقة الأولية في الأردن، و 88% من الطاقة الكهربائية المنتجة في الأردن عام 2020، أنتجت باستخدام وقود مستورد.
• استوردت الأردن خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، نفطاً خاماً ومشتقات نفطية أخرى، بقيمة 855.5 مليون دولار، أي إنّ وسطي الاستيراد خلال عام قد يصل إلى قرابة ملياري دولار. (خلال الثلث الأول من العام الحالي ارتفع الدين العام الأردني بنسبة 2.7%).
• بحساب تقريبي، فإنّ حوالي 686 مليون دولار قد جرى دفعها خلال عام، كثمن للطاقة الأولية المستوردة المستخدمة في إنتاج الكهرباء في الأردن.
• تتضمن اتفاقية الأردن مع الكيان، استيراد غاز طبيعي بقيمة 10 مليارات دولار خلال 15 عاماً، أي حوالي 666 مليون دولار سنوياً، والطرف الموقع هو شركة الكهرباء، والاستخدام الأساسي للغاز الطبيعي في الأردن هو لإنتاج الكهرباء!
• كنا قد تساءلنا في مادة سابقة: هل تطور العلم بما يكفي لتصنيع مرشحات/ فلاتر، تحدد الحمض النووي DNA للغاز الطبيعي القادم من الكيان وتعزله عن ذاك القادم من مصر؟ والآن نضيف سؤالاً آخر: هل تطور العلم بما يكفي لعزل الكهرباء المنتجة بغازٍ «إسرائيلي»، عن تلك المنتجة بوقود آخر؟ وبطريقة أوضح: هل أنّ الصورة التي تقدم الأردن نفسها بها كبلد يسعى إلى التحول إلى مُصدرٍ إقليمي للكهرباء تقوم في أساسها على إنتاج الكهرباء عبر الغاز القادم من الكيان؟ وكنا قد أوضحنا في مادة سابقة أنّ فائض الغاز المصري إذا تم تصديره كله إلى لبنان، فهو بالكاد يكفيها، وهو أقل بكثير من أن يكون أساساً لتحويل الأردن إلى مركز إقليمي لتصدير الكهرباء...

1037-19

تكثيف للمقالات السابقة

في ما يلي، نكثّف بشكل سريع بعض النتائج الأساسية التي وصلت إليها المقالات السابقة في قاسيون وموقعها الإلكتروني حول خط الغاز «العربي» (123، 4)، علماً أنّ هذا التكثيف لا يغني بحالٍ من الأحوال عن العودة إلى المقالات نفسها:
1- اتصال الخط في مكانين (العريش المصرية والمفرق الأدرنية)، مع الكيان الصهيوني، والاتفاقات المعلنة بين مصر والكيان من جهة وبين الأردن والكيان من جهة أخرى، تضمن للكيان إمكانية استخدام الخط نفسه لضخ «غازه»، أي الغاز الفلسطيني المسروق.
2- محاذاة الخط لكامل حدود فلسطين المحتلة الغربية والشرقية، يضع الخط بأكمله تحت البلطجة «الإسرائيلية»، في حال افترضنا أنّ الكيان ليس لاعباً ومستفيداً، بشكل مباشر أو غير مباشر، من الخط.
3- لا تملك مصر من فائض الغاز الطبيعي ما يؤهلها للعب دور مُصدرٍ إقليمي للغاز. إضافة إلى أنّ واقع الحال يقول إنها لا تزال تستورد من الكيان عبر خط عسقلان- العريش... وأكثر من ذلك فإنها لا تعرّف دورها على أنه متمحور حول تصدير الغاز، بل في كونها بلداً لديه البنية التحتية اللازمة للنقل وللإسالة (وهذا ما عبّر عنه وزير البترول والثروة المعدنية المصري في لقاء تلفزيوني يوم 10 أيلول الجاري). الأردن كذلك، يستورد الغاز من الكيان عبر خط حيفا المفرق.
4- كميات الغاز التي يجري الحديث عن إيصالها إلى لبنان، ستساهم في أحسن الأحوال بزيادة وصل الكهرباء بحدود 3.5ساعات.
5- الضوء الأخضر الأمريكي، وتعاون البنك الدولي مع المشروع، ووجود مصر والأردن و«إسرائيل» والولايات المتحدة ضمن «منتدى غاز شرق المتوسط»، وزيارة بينيت إلى مصر مؤخراً، إضافة إلى اتفاقات التطبيع والاتجاه الانسحابي لواشنطن من المنطقة وإلى ما سبق ذلك من دعوات لـ«ناتو عربي»، وإضافة إلى المشروع الذي لا يجب نسيانه (مشروع بيريز الذي عبر عنه في كتابه الشرق الأوسط الجديد)، وغيرها من المؤشرات، يرفع مستوى «الشبهات» حول المشروع، ويجعل منها قرائن وأدلّة ظرفية حول ارتباط المشروع ككل مع ترتيبات إقليمية كبرى تلعب فيها مسألة الربط الطاقي دور أحد أساسات مسارٍ متكامل يسعى إلى دمج الكيان ضمن المنطقة بما يخدم تأمين استمراره بعيداً عن قوانين الشرعية الدولية من جهة، وبما يخدم من الجهة الأخرى ملء الفراغ الأمريكي، وإبقاء المنطقة دائرةً في فلك التبعية والتخلف والأزمات...

1037-ii7

(النسخة الانكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1037
آخر تعديل على الخميس, 18 تشرين2/نوفمبر 2021 14:32