نظرة إلى تعاطي صحافة الكيان مع الانسحاب الأمريكي
ريم عيسى ريم عيسى

نظرة إلى تعاطي صحافة الكيان مع الانسحاب الأمريكي

تحتل مسألة انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط موقعاً أساسياً في طريقة تعامل مختلف الجهات والدول في المنطقة وحولها، مع أوضاعها الداخلية وعلاقاتها الإقليمية والدولية، خاصة وأن الخطوات الملموسة في إعادة تموضع الولايات المتحدة لوجودها في أجزاء مختلفة من العالم باتت تتبلور هذه الأيام بأشكال أكثر وضوحاً؛ من ذلك مثلاً ظهور تحالف AUKUS بين واشنطن ولندن وكانبيرا.

بالنسبة لصنّاع السياسات، وبعيداً عما يطرح في الإعلام، فإنّ مسألة الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط، ومنذ عدة سنوات، لم تكن حول «هل» سيتم الانسحاب، بل حول: «متى» و«كيف».
الآن وقد بدأ هذا يأخذ شكلاً أوضح، خاصة مع الانسحاب من أفغانستان والاتفاق مع أستراليا والمملكة المتحدة، فإنّ أولئك الذين اعتمد وجودهم وبقاؤهم على سياسة الولايات المتحدة ووجودها في المنطقة، يقومون بإجراء تعديلات لضمان وجودهم بحيث لا يتم تهديده أو إنهاؤه عندما «تبتعد» الولايات المتحدة.
وفي حين أن هنالك أطرافاً عديدة في المنطقة ستختلط أوراقها بهذا التحول في السياسة الأمريكية، فربما يكون الصهيوني هو الأكثر قلقاً. ولكن ربما هو أيضاً الكيان الذي يبذل أكبر جهد في محاولة التحضير لهذا الانسحاب، بالتوازي طبعاً مع محاولات الضغط المستمرة لتأخير هذا الانسحاب قدر الإمكان.

هواجس «معلنة»

تتحدث وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث «الإسرائيلية» منذ فترة عن هذا الأمر، وتعرب عن قلقها مما سيحدث عند انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة. الشاغل الرئيسي والأوضح هو أن مصالح الولايات المتحدة لها الأسبقية على أي شيء آخر، ولتحقيقها فإنها على استعداد لإدارة ظهرها والتخلي عن «حلفائها» و«أصدقائها». اليوم، من الواضح أكثر من أي وقت مضى أن المعركة الرئيسية للولايات المتحدة هي تلك التي تشنها ضد الصين، وسياسة الولايات المتحدة في كل مكان في العالم تتغير بطريقة تمكنها من إعادة التمركز والتركيز على تلك المعركة.
أشار مقال في جيروزاليم بوست قبل يومين إلى أن «إسرائيل، التي يرتبط أمنها ارتباطاً وثيقاً بالوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، يجب أن تنتبه وتستعدّ للمستقبل» خاصة وأن «الولايات المتحدة منشغلة بإعادة هيكلة قوتها على الساحة العالمية. ولن تدع أي أحدٍ كان، حتى الشركاء المقربين، يقف في طريقها».
في مقال في التايمز أوف إسرائيل، يبحث الكاتب في المكان الذي يجب أن تكون فيه «إسرائيل» فيما يتعلق بالأحداث الأخيرة التي تشمل الولايات المتحدة، أي أفغانستان والتعامل مع المملكة المتحدة وأستراليا. ويشير الكاتب إلى ثلاثة آثار لانزياح مركز اهتمام الولايات المتحدة باتجاه «منطقة آسيا والمحيط الهادئ وترسيخ التنافس الصريح بين الصين وأمريكا»: 1) قلّة الشهية والحافز لاستئناف عملية السلام «الإسرائيلية» الفلسطينية. 2) إجبار الحكومة «الإسرائيلية» على اختيار ما إذا كانت ستقف إلى جانب الأمريكيين أو الصينيين، حيث ستكون واشنطن على نحو متزايد غير راغبة في التغاضي عن الاستثمار الصيني في البنية التحتية والتكنولوجيا «الإسرائيلية». 3) التحول إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ سيحدد سياسة الولايات المتحدة اتجاه إيران، مما قد يعني اختيار عدم ممارسة ضغط إضافي على طهران والانخراط معها دبلوماسياً.
بحث مقال آخر في جيروزاليم بوست في كيفية تعامل «إسرائيل» مع الاتفاقية الأخيرة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا الموجهة ضد الصين، أو بعبارة أخرى، ما الذي يجب فعله إذا أُجبرت على اختيار أحد الجانبين (كما هو مذكور في المقالة أعلاه). في هذا المقال، يقول الكاتب: «لقد أطلقت إسرائيل بالفعل سياسة الحياد بشكل فعّال، عندما رفضت الانضمام إلى العقوبات المناهضة لروسيا، على الرغم من ضغوط إدارة أوباما بعد غزو القرم. كانت سياسة حكيمة أثمرت عندما وصلت القوات الجوية الروسية إلى سورية. يجب أن يكون هذا أيضاً موقف إسرائيل اتجاه الصين والتحالف الجديد الذي خرج الآن لمواجهتها، على الرغم من أنه يضم أفضل أصدقائنا».

ماذا سيفعل الصهيوني؟

قد يكون السؤال الأكثر ملاءمة هو «ماذا فعل الصهيوني حتى الآن؟»، لأن التحضير للانسحاب الأمريكي من المنطقة بدأ منذ وقت غير قصير، وخاصة من خلال ما يسمى بـ «صفقة القرن».
وهذا شيء ناقشته سابقاً افتتاحية قاسيون ذات الرقم 989 الصادرة بتاريخ 25 تشرين الأول 2020. ومن تلك الافتتاحية نقتبس ما يلي: «إنّ الهدف البعيد وراء مختلف التسميات سواء «صفقة القرن» أو «التطبيع» أو «اتفاقات السلام»، ليس إلا شيئين أساسيين:
أولاً: إعداد العدة صهيونياً لعملية الإخلاء الشامل التي ستنفذها الولايات المتحدة من كامل المنطقة مرغمة بحكم أزمتها العميقة.
ثانياً: أمل إبليس في متابعة واستكمال الدور الوظيفي لإسرائيل الصهيونية عبر سيطرة شاملة على كامل المنطقة اقتصادية وسياسية وضمناً عبر سيطرة تشمل الكهرباء والماء والطرق وإلخ... (مشروع بيريز للشرق الأوسط)».
غني عن القول، بالنظر إلى ما يقرب من عام منذ أن قلنا ذلك، أن هذا بالضبط ما حدث وبسرعة متزايدة، سواء من خلال اتفاقيات التطبيع التي اجتاحت المنطقة، أو زيادة النشاط في المنطقة في قطاعات معينة (على سبيل المثال: الطاقة، والصفقات الاقتصادية، وما إلى ذلك) التي تتجه نحو التطبيع بشكل علني أو مستور.
بالنظر إلى المستقبل، يجب أن نتوقع أن نرى المزيد من الجهود لتوسيع التطبيع في المنطقة من خلال محاولة إضافة المزيد من الدول إلى قائمة التطبيع، وكذلك تعميق التطبيع من خلال الحصول على المزيد من الصفقات والاتفاقيات مع الدول التي قامت «إسرائيل» بالتطبيع معها بالفعل، ولا سيما من خلال العلاقات والصفقات الاقتصادية التي تهدف إلى تعميق التبعية للكيان وتثبيت وجوده في المنطقة.
مع انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، فمن المتوقع أن يتضاءل دورها في عملية التطبيع... وهو ما عبر عنه كاتب تايمز أوف إسرائيل الذي أشرنا إليه أعلاه بالقول: إنّ انسحاب الولايات المتحدة ستكون من آثاره « قلة الشهية والحافز لاستئناف عملية السلام «الإسرائيلية» الفلسطينية»، وهو الأمر الذي لن يمر دون أن يلاحظه أحد... ولذا تبرز اقتراحات وتصورات حول البحث عن داعمين بديلين، وخاصة بين الأوروبيين... وهذا ما قد يفسر إلى حدٍ بعيد الأدوار الفرنسية المستجدة، ليس في لبنان فقط، بل وفي حضور قمة جوار العراق، وفي منتدى غاز شرق المتوسط، وفي الوقوف وراء بعض الشخصيات والجهات المشبوهة المشتغلة في الشأن السوري، وغيرها من التحركات.

(النسخة الانكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1037
آخر تعديل على الإثنين, 27 أيلول/سبتمبر 2021 17:35