لإنهاء العدوان التركي... مبادرتان متعاكستان!
يدخل العدوان التركي على الشمال السوري، مع كتابة هذه السطور، يومه الرابع على التوالي، متسبباً بوقوع عدد غير واضح حتى الآن من الشهداء من مقاتلين ومدنيين، ولكنه بالعشرات على الأقل، وقد يصل إلى المئات، إضافة إلى موجة من النازحين جنوباً بعشرات الآلاف.
ترافق العدوان مع موجة مواقف دولية رافضة للعدوان، تشابهت في شكلها رغم الاختلاف العميق في مضمونها؛ فليس مستغرباً مثلاً أنَّ الدول العربية عقدت قمة استثنائية للجامعة العربية، وأطلقت جملة تصريحات حادة اللهجة ضد تركيا وعدوانها، وهي الدول ذاتها التي لم تُدِن سابقاً أو حالياً الاحتلال الأمريكي لأجزاء من الأرض السورية، بل إن عدداً كبيراً منها لم يجرؤ على انتقاده حتى. ويدور الكلام هنا بشكل أساس عن دول الخليج العربي.
إضافة إلى التنافس الإقليمي الحادّ مع تركيا، وفي ملفات عديدة ضمن المنطقة، فإنّ التنافس في الملف السوري يأخذ شكلاً أكثر حدة ووضوحاً؛ فتناول تركيا والهجوم عليها من جانب بعض الدول العربية، المقصود منه مباشرة هو الهجوم على صيغة أستانا وما حققته حتى الآن على الأرض وفي السياسة في إطار حلِّ الأزمة السورية، على حساب المجموعة المصغرة الغربية بقيادتها الأمريكية.
أبعد من ذلك، إنّ العدوان التركي إذ ترافق مع دفع القوات الأمريكية بعيداً عن الحدود السورية التركية، مع إشارات متكررة وواضحة من ترامب بعزمه على الانسحاب الكامل من سورية، ومع دخول الروس المباشر على خط الوساطة لإنهاء العدوان، يشير وضوحاً إلى أنّ النتيجة النهائية قد بدأت بالتبلور: خروج نهائي للأمريكي، يليه انسحاب تركي ضمن آجال قريبة، بالتوازي مع انتشار الجيش السوري على الحدود على أساس وساطة روسية...
ما الذي يريده الأمريكي؟
لم يكن العدوان ليبدأ دون موافقة أمريكية، ودون انسحاب جزئي للأمريكي بعيداً عن مناطق المعارك، والهدف الواضح والمباشر لهذا «الضوء الأخضر»، هو الدفع نحو إحداث هزة في الأوضاع الميدانية في سورية على أبواب بدء أول خطوة حقيقية في الحل السياسي، أي اللجنة الدستورية، والتي جرى تشكيلها عملياً بالضد من الإرادة الغربية، ومن إرادة المجموعة المصغرة، وأثبتت أنّ الدور الريادي في حل الأزمة السورية بات حصرياً لثلاثي أستانا.
بكلام آخر، فإنّ الأمريكي يسعى بضوئه الأخضر إلى إحداث اضطراب في صفوف الثلاثي، بالتوازي مع محاولة إظهار دوره الجديد: (يمكننا أن نخرّب إذا لم نكن شريكاً).
ولكن حتى إمكانية التخريب هذه، تبقى محدودة في إطار توازن القوى الفعلي، لا في الساحة السورية فحسب، بل وفي الساحة الإقليمية والدولية، وهذا التوازن بات راجحاً بشكل لا لبس فيه ضد المصلحة الأمريكية.
استكمال (التخريب الأمريكي) هو الدفع باتجاه «حوار بين الأتراك والكرد» في محاولة لاستباق المبادرة الروسية لحوار بين الحكومة السورية والكرد من جهة، ولحل المسألة بحوار بين الحكومة السورية والتركية من جهة أخرى... أي إنّ واشنطن تسعى إلى الحفاظ على الانقسام السوري الداخلي وإبقاء المنطقة الشمالية الشرقية معزولة عن بقية سورية لاستخدامها كأداة لتهديد أي حل شامل، كما تسعى إلى منع ثلاثي أستانا من تسوية الأوضاع الإقليمية على أساس الحوار المباشر بين الدول.
ما الذي يريده الروسي؟
مقابل الموقف الأمريكي، فإنّ الموقف الروسي دعا إلى حوار بين الحكومة السورية وقوى الشمال الشرقي في سورية، وكذلك إلى حوار بين الحكومتين السورية والتركية، مع الإصرار على خروج كل القوى الأجنبية من سورية، بالتوازي مع تكثيف العمل باتجاه عودة سورية لاحتلال مقعدها في جامعة الدول العربية في إطار تسوية الأوضاع الإقليمية الشامل.
إنّ الدفع باتجاه توافق شامل في المنطقة على ضرورة إخراج الأمريكي من جهة، وحل المشاكل البينية على أساس القانون الدولي من جهة أخرى، هو الطريق الوحيد لإنهاء الأزمات المختلفة في المنطقة، وهو ما تسير إليه الأمور هذه الأيام، رغماً عن إرادة الأمريكي التعطيلية، ورغماً عن الاتجاه العدواني لتركيا، والانتهازي لدول أخرى تقف ضد العدوان لا دفاعاً عن سورية، بل كرهاً لتركيا...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 935