اللاجئون بين السياسي والإنساني
دفع الحليف الروسي موضوع المهجرين واللاجئين السوريين بأبعاده الحقيقية إلى دائرة الضوء، وباعتباره جزءاً من عملية حل الأزمة السورية، ليعكس بذلك موقفاً أخلاقياً يتميز بالجدية تجاه مصير ملايين السوريين الذين كانوا وما زالوا أحد أوجه المأساة السورية. أي أن الاتحاد الروسي يلتزم بمسؤوليته أمام الشعب السوري باعتباره أحد أهم الضامنين لتطبيع الأوضاع في البلاد.
إن أهمية هذه الخطوة تكمن في أنها تساعد على خلق البيئة الضرورية لتسريع الحل السياسي، من خلال تخفيف معاناة اللاجئين وآلامهم، لا سيما وأن العديد من الفرقاء ما زال يحاول تأخير هذا الحل من جهة، ومن جهة أخرى عرقلة عودتهم بهدف استخدامها سياسياً، كأداة لتأمين موقع لهذه الأطراف على طاولة التفاوض السورية، والنفوذ اللاحق في البلاد.
تفرض مبادئ القانون الدولي، وشرعة حقوق الإنسان على كل القوى الدولية عدم وضع هذه القضية ضمن عمليات التجاذب السياسي حول الأزمة السورية، بل ينبغي التعاطي معها على أنها مسألة ما فوق سياسية، وينبغي السعي لحلها بالسرعة القصوى. أما رهن المسألة بموضوع إنجاز الحل السياسي، فيعبر عن موقف لا أخلاقي، وابتزاز واستثمار في عذابات السوريين خدمة لمصالح دولية لا علاقة لها بالسوريين.
ومن نافل القول، أنه يجب التعامل مع هذه المشكلة بحكمة وعقلانية بحيث تحقق الهدف المرجو منها، فلا وجهة النظر التي تقول عودوا فوراً دون أية ضمانات تفي بالغرض، ولا تلك التي تقول لا تعودوا إلا بضمانات... بل يجب السير والتقدم في موضوع عودة اللاجئين ليتناسب طرداً مع زيادة الضمانات، أي مع التقدم بالحل السياسي.
إن عودة اللاجئين أفضل ضمان للحل السياسي الحقيقي، حيث عندما تصبح الكتلة الأساسية منهم في سورية، فإن هذا يعني مشاركة اللاجئين في الانتخابات التي ستجري وهم ضمن الأراضي السورية، وليس في مخيمات النزوح أو دول اللجوء. وهذا شيء إيجابي إذ يخفف عبء دول الجوار والدول الأوروبية، وينهي موضوع الإشراف الدولي على الانتخابات في الخارج. لأن قرار مجلس الأمن 2254 يقول بمشاركة جميع السوريين بالانتخابات التي ستجري في سياق الحل السياسي.
صحيح أن مشكلة اللاجئين هي نتاج صراع سياسي، ولكن النظر إليها من هذه الزاوية فقط، ورهنها بالحل السياسي وإغفال الجانب الإنساني فيها، يُقصد به منع الحل نفسه، وبالتالي استمرار معاناة هؤلاء اللاجئين، أي عدم التقدم لا على المسار السياسي، ولا المسار الإنساني.
وبالإضافة إلى ذلك كله، كمسائل ملحة ومباشرة، فمن الناحية الاستراتيجية شملت عمليات النزوح الواسعة مئات الألوف من الكفاءات العلمية السورية، واليد العاملة الخبيرة ما يشكل خسارة لا يمكن تعويضها، خصوصاً مع بدء مرحلة إعادة الإعمار التي تحتاج إلى جهود كل الكفاءات السورية، ومن هنا فإن مسألة اللاجئين تعتبر قضية وطنية بامتياز بكافة جوانبها.