التلويح بالعدوان.. والنتيجة المحسومة
تلوح قوى الحرب في الإدارة الأمريكية مجدداً باللجوء إلى الخيار العسكري والتدخل المباشر في سورية، بالتوازي مع حملة دعائية واسعة تتناوب عليها قوى ووسائل إعلام غربية وعربية، لإقناع الرأي العام بمشروعية هذا الخيار، بذريعة حماية المدنيين.
وكما هو معلوم، هذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها هذه القوى إلى مثل هذا التهديد، خلال سنوات الأزمة، وكان التراجع في اللحظات الاخيرة هو القاسم المشترك بين كل تلك المحاولات، أو تم الاكتفاء بضربات جزئية ذات طابع استعراضي غالباً، كي تغطي عجزها عن القيام بأي فعل جدي بهذا الاتجاه.
لقد أكدنا مراراً، بأن الامبريالية الأمريكية، لم تعد في ذلك الموقع الذي يمكنها من خوض حرب واسعة، لا من حيث مواردها المتآكلة، ولا من حيث تراجعها المستمر في مختلف المجالات، بفعل الأزمة التي بدأت مالية واقتصادية، ودخلت في طورها السياسي، الذي يتجلى اليوم من خلال الانقسام الواضح في الإدارة الأمريكية، وحملة الاستقالات، والإقالات غير المسبوقة، والمواقف المتناقضة بين أركان هذه الإدارة حول العديد من الملفات الدولية، لدرجة عدم القدرة على حسم خياراتها، والخلافات التي تتفاقم بين الولايات المتحدة وحلفائها، و بالمقابل بروز دور القوى الدولية الصاعدة، وخصوصاً الثنائي الروسي – الصيني، الذي يشكل ثنائياً عسكرياً- واقتصادياً متكاملاً، يتعزز دوره يوماً بعد يوم على الصعيد الدولي، وفي جميع القضايا والملفات.
لقد جاء خطاب الرئيس الروسي أمام الجمعية الاتحادية قبل أيام، والحديث عن التكنولوجيا العسكرية الروسية الحديثة رسالة واضحة، بأن استكمال عناصر وأدوات عالم التعددية القطبية اقتصاديا وسياسياً وعسكرياً وثقافياً، أمر لا رجعة عنه، وأن مرحلة الاستفراد الأمريكي بالقرار الدولي ولت إلى غير رجعة، وجاء الرد الروسي الاستباقي الواضح والصريح، - الذي يرتقي إلى مستوى الإنذار- على التهديدات الأمريكية ضد بلادنا تأكيداً ملموساً على جدية هذا التوجه، فلا تهاون مع أي عدوان خارج الشرعية الدولية والقانون الدولي.
إن التأكيد على التراجع الأمريكي، لا يلغي بحال من الأحوال، نفي احتمال لجوء قوى الحرب في الإدارة الأمريكية، إلى مغامرات عسكرية، فالرأسمالية المأزومة، مستعدة لارتكاب الحماقات كلها، خصوصاً عندما تفقد الأدوات الأخرى لاستدامة هيمنتها، ولكن، وعلى كل حال، وسواء نفذت تهديداتها ضد بلادنا، أم لم تنفذ، فإن المحصلة لن تكون إلا المزيد من التراجع، وتعزيز مواقع القوى الدولية الصاعدة، وخياراتها، فإذا كانت العدوانية الأمريكية تحقق هنا وهناك بعض الاختراقات، مستفيدة من تعقيدات الوضع الدولي، ومن هشاشة بعض البنى التي تستهدفها وتفجير كل التناقضات دفعة واحدة، فإن الرد الاستراتيجي في ظروف بلادنا، يستدعي الإسراع بالحل السياسي على أساس القرار 2254، بما يعنيه من استكمال محاربة الارهاب، وإيقاف الكارثة الانسانية، والتغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل، بما يعيد الاعتبار للوحدة الوطنية، وخيار المقاومة الشاملة، في عالم يمر بمرحلة انعطافية، وصراع حاد، بين قديم يموت، وجديد يولد رغم آلام المخاض.