تأزيم جديد.. خسارة جديدة!
تحاول غرفة عمليات قوى الحرب يائسة، وعلى أكثر من صعيد، وفي أكثر من ميدان استعادة مواقعها، من خلال الاستعراض العسكري، بعد أن أصبح الاستفراد الامريكي بالقرار الدولي في ذمة الماضي، بفعل ميزان القوى الدولي الجديد، وزخم تقدم الدور الروسي في جميع الملفات الدولية، وموجبات هذا التقدم، على الساحة الدولية، ومنها ما يتعلق بالأزمة السورية، كأحد خطوط التماس الأساسية في الصراع حول آفاق تطور الوضع العالمي.
ومن هذه الزاوية، فإن نشاط واشنطن العسكري وحلفها مؤخراً، سواء كان من خلال قصف مطار الشعيرات، أو من خلال قصف العدو الصهيوني لمحيط مطار دمشق الدولي، أو القصف التركي لمواقع «قوات الحماية» في الشمال السوري، وبغض النظر عن المبررات والذرائع، يستهدف بالدرجة الأولى التقدم النسبي والملحوظ الذي حصل في جولتي جنيف الأخيرتين على مسار حل الأزمة السورية، فما يجري قصفه هنا وهناك، هو تحديداً الحل السياسي للأزمة السورية، والإطار القانوني والإجرائي له، أي القرار 2254، ومخرجاته، بعد أن أجمعت كل القوى - مقتنعة أو مكرهة - على أنه الخيار الوحيد للحل في سورية.
إن وجود أهدف خاصة لحلفاء واشنطن الإقليميين في الكيان الصهيوني، والنظام التركي، من التصعيد العسكري في سورية، لا يلغي حقيقة أن هذا التصعيد، هو قرار آمر العمليات، وتحديداً قوى الفاشية الجديدة في الإدارة الأمريكية، التي تمر بمرحلة قلق وانعدام وزن، بعد وصول الخيار النيوليبرالي إلى طريق مسدود، وفي ظل تأرجح وتساقط حوامله الاجتماعية، وتحديداً قوى رأس المال المالي، في العديد من الدول المركزية الغربية، ودومينو السقوط المدوي للطبقة السياسية المعبرة عنه. لاسيما وأن العديد من التقارير تتحدث عن أن طوراً جديداً من الأزمة بات على الأبواب.
تحاول هذه القوى المتراجعة في بلدانها، تعويض خسارتها لمواقعها على حساب شعوب وبلدان العالم، عبر الاستثمار في بؤر التوتر القائمة، وإشعال المزيد منها، ولكنها في الوقت نفسه، وحسب التجربة الملموسة، فإنها تفقد المزيد من المواقع مع كل عمل أرعن تلجأ إليه، لتأخير خيارات القوى الدولية الصاعدة، لتكون النتيجة المزيد من الدم والدمار في سورية وغيرها من الساحات، وإذا كانت سمة المرحلة السابقة ممانعة استئناف مسار جنيف عبر التأزيم الميداني، وعجزت عن ذلك كما تبين بالملموس، وخسرت العديد من المواقع من جراء ذلك، فإن درجة أعلى من التأزيم اليوم، تعني دفع فاتورة جديدة وبثمن أكبر عن السابق.
إن الحلول السياسية للأزمات، ومنها الأزمة السورية، تعني ردع ولجم الفوضى الخلاقة، التي كانت وما زالت أداة بائسة ودموية بيد قوى الفاشية الجديدة للهروب من استحقاقات الأزمة، وتبعاتها الخارجية والداخلية، وهذه الحلول هي بمثابة ردم لكل الهوامش التي تناور فيها قوى الحرب لاستعادة دورها، والنعي النهائي لهذا الدور.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 808