(التغيير الديموغرافي) ... يا للهول!

(التغيير الديموغرافي) ... يا للهول!

ترافق اتفاق داريا، العام الماضي، بحملة إعلامية واسعة عزفت على لحنين، الأول: هو (التهجير القسري) والثاني هو (التغيير الديموغرافي)، كذلك الأمر مع الوعر، ومع الاتفاق قيد التنفيذ؛ أعني (اتفاق المدن الأربع).

 

قبل الخوض في المعاني والمقاصد الكامنة وراء هاتين النغمتين، لا بد من توضيح ثلاث نقاط أساسية:

أولاً: المصالحة الوطنية الحقيقية لا يمكن أن تجري إلا ضمن إطار شامل، هو إطار الحل السياسي الشامل، والمصالحات الجزئية هنا أو هناك لن تدوم ولن تستقر دون حل سياسي شامل.

ثانياً: رغم ذلك، فإنّ أية مصالحة جزئية، هدنة- اتفاق، أو أياً يكن اسمها، هي إيجابية ما دامت تسهم في عملية وقف إطلاق النار، وتالياً تخفيض مستوى العنف وتخفيض حدة الكارثة الإنسانية السورية.

ثالثاً: إنّ ما يجري من (اتفاقات- هدن- مصالحات) له مشكلاته بلا شك، وله عيوبه ونواقصه، وينبغي الضغط لتقليل تلك المشكلات إلى الحد الأدنى الممكن، ولكن كما أسلفنا، فإنّها تبقى جزئيةً وهشّةً دون حل سياسي شامل، وتبقى إيجابية كإسهام في عملية وقف إطلاق النار، على حدٍ سواء.

بعد هذه الثلاث التي لا بد منها، كأساس لما سيأتي من كلام، نلج إلى (النغمة) الأعلى حضوراً في الوقت الراهن؛ نغمة التغيير الديموغرافي.

واحدة من الوسائل التي يمكن للمرء من خلالها أن يتبين مقاصد وغايات بعض الشعارات المرفوعة ضمن ساحة الأزمة السورية، هي: الاستماع إليها عبر الإعلام الرسمي لهذا الطرف أو ذاك، ومن ثم البحث عن حواشيها في (الإعلام شبه الرسمي)، وبخاصة تلك القنوات التي لا تعبأ كثيراً بالمعايير المهنية، فعندها تسمع الحواشي التي تكون في بعض الأحيان متن النص الحقيقي.

من يصف اتفاق المدن الأربع بأنه (تغيير ديموغرافي) هي وسائل الإعلام الغربية، ومشتقاتها العربية، وبالبحث ضمن هذه الأخيرة، وضمن الفئة (غير الرسمية وغير المهنية) منها، نجد أنّ تفسير التغيير الديمغرافي هو: تغيير في توزيع الطوائف في سورية لخلق مناطق صافية طائفياً، تمهيداً للتقسيم، ولمشاريع من قبيل (سورية المفيدة) وإلى ما هنالك...

ولكن الحقيقة هي: أنّ من يعاين الواقع (الديموغرافي) لسورية، حتى من وجهة النظر البائسة، التي يصبح فيها الديمغرافي طائفياً، سيرى نتائج مختلفةً بالكلية. فمقدار الاختلاط (الديموغرافي) الذي جرى في (المناطق الآمنة) خلال الأزمة، وبتأثير من النزوح الداخلي، يكاد يكون غير مسبوق في تاريخ سورية بأكمله. وعلى كوارث الأزمة السورية كلّها، والنزوح من بينها، فإنّ ما يمكن توقعه من هذا (التغيير الديموغرافي) الذي لمّ معذبي الشعب السوري، وحشرهم بطوائفهم وأديانهم وقومياتهم المختلفة، كما لم يُحشروا يوماً من قبل، إنّ ما يمكن توقعه ليس إلا مزيداً من التلاحم والانصهار تأسيساً لاستكمال بناء هوية وطنية متكاملة.

الأمر ببساطة إنّ أصحاب دعاية (التغيير الديمغرافي)، يغصّون بانطفاء حرائق أية جبهة من جبهات الموت، صغرت أم كبرت، ويغصّون بفكرة وقف إطلاق النار، ويغصّون أكثر من أي شيء آخر بفكرة الحل السياسي وتقدمه، ولذلك فإنّ الماء الذي في أفواههم يجد تصريفاً له في هذه الدعاية وغيرها، والقصد من وراء ذلك الهجوم على الحل السياسي، وعلى الدور الروسي في مسألة المصالحات ووقف إطلاق النار... على ما أعتقد فإنّ هذا كل ما في الأمر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
808