تطوير السياسات قبل تحديث الوجوه

الحديث كثير عن التغيير الوزاري المحتمل، ولكن الملفت للنظر أن هذا الموضوع لا يثير اهتمام الجماهير الواسعة إلا بقدر ما تأمل  أن يؤثر على أوضاعها المعيشية والمعاشية، وهي تبتعد عن الاهتمام بالموضوع بقدر ما ابتعدت التغييرات السابقة عن التأثير الإيجابي على القضايا التي تهمها، لذلك فقد أصبحت ترى في أي تغيير وزاري تغييرا ً في الوجوه أكثر منه تغييراً في السياسات التي يجب أن تخدم أي تطوير أو تحديث تتطلبه الأوضاع القائمة في سبيل مصلحة التطور الاقتصادي الذي يجب أن ينعكس إيجابياً على مصالح الجماهير الشعبية الواسعة.

وكي لا يبق الأمر كذلك، بل كي تنعكس الآية، يجب أن يكون أي تغيير حكومي مفترض مبنياً على تغيير بعض السياسات وتصحيح بعضها الآخر وتكوين سياسات جديدة أيضاً. وإذا تم هذا الأمر فإنه سيلعب دوراً هاماً في تنشيط الحركة السياسية في البلاد وإعادة إحياء اهتمام الجماهير الواسعة بها مما يعني خلق الظروف المواتية لتغييرات إيجابية يطمح إليها كل وطني وديمقراطي وتقدمي.
وفعلاً فقد لاحظ الجميع في الفترة الأخيرة أن بعض الإجراءات الإيجابية التي يجري المبادرة إليها كانت تلقى مقاومة شديدة من قبل جهاز الحكومة البيروقراطي والأمثلة على ذلك كثيرة  ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
* زيادة الأجور الخيرة التي بذلت وزارة المالية جهوداً خارقة لاختصارها بحجج ما أنزل الله بها من سلطان ونجحت بذلك.
* وكذلك الزيادة الأجرية الطارئة الأخيرة التي حاول البعض "خصورتها" عبر توزيعها على شرائح ضريبية وفشل في ذلك.
* وليس أخراً موضوع "برنامج مكافحة البطالة" الذي يعتبر إنجازه حيوياً في ظروفنا الحالية ولم يستطع أن يجد له احد مصادر تمويل داخلية حتى تاريخه مما حدا بالقائمين عليه إلى البحث عن مصادر تمويل خارجية.

وصحيح ما جاء في التقرير السياسي لمؤتمرنا التاسع "إن الوزارة الحالية   والتسهيلات للرساميل والرأسماليين من كافة الأنواع والألوان. وفي الوقت نفسه تبدي التحفظ نفسه الذي كانت تبديه الوزارة السابقة فيما يخص حقوق ومصالح الطبقة العاملة وسائر الكادحين".
إن أي برنامج تطوير وتحديث حقيقي يجب أن يستند إلى حامل اجتماعي له مصلحة حقيقية في ذلك أن يشل أي مقاومة تواجهه. وهذا الحامل لا يمكن أن يكون إلا سائر الجماهير الشعبية والتجربة. تبره حتى الآن أن أي برنامج يستند إلى التغيير من "جوّا لجوا" لن يكتب له النجاح. والضمانة  الوحيدة لإنجاحه هو إشراك الشعب فيه والاستناد إليه في هذه العملية الصعبة والمعقدة التي يجب أن تجري ضماناً لمصلحة البلاد بجرأة ودون مغامرة. لذلك كي يصبح أي تغيير حكومي له معنى حقيقي يجب أن يضمن أموراً كثيرة أهمها:

* اللاتغيير في السياسة الوطنية السورية التي أصبحت مثالاً يحتذى، ولهم الجماهير الشعبية الواسعة في كل العالم  العربي، وإيجاد الضمانات الحقيقية لاستمرارها.
مما يتطلب إشراك أوسع الناس في الحياة السياسية في البلاد، عبر تفعيل قانون المطبوعات، وسن قانون عصري للأحزاب، وإعادة النظر جذرياً بالنظام الانتخابي القائم لمجلس الشعب.
* الأمر الذي سيفتح الباب واسعاً للمحاربة الجدية لنهب الاقتصاد الوطني وللفساد الواسع الناتج عنه عبر كسر الآليات المنتجة له، ومحاسبة المسؤولين عنه.
* مما سيسمح بإعادة النظر بالسياسة الأجرية غير العادلة القائمة، ويضع الأساس لحل مشكلة البطالة، وإيجاد المصادر الرئيسية لتمويل داخلي للاستثمارات الضرورية لتطوير  الاقتصاد الوطني.
إن أي حكومة  برنامجاً كهذا مجدول زمنياً، حتى لا يتحول إلى مجرد وعود، ستضمن عودة الجماهير إلى السياسة، والسياسة إلى الجماهير، إن أرادت ذلك، وسيصبح حينذاك التحديث في الوجوه هو تطوير في السياسات التي تضمن التحديث والتطوير لصالح الشعب والوطن.