وحدة الشيوعيين ... بين الأمل وصحيح العمل!!
أصاب مشروع موضوعات الاجتماع الوطني السادس لوحدة الشيوعيين السوريين كبد الحقيقة من وجهة نظري، حينما أكد على الربط الجدلي بين وحدة الشيوعيين ،عبر إعادة التأسيس، ومن خلال قيام الحزب بدوره الوظيفي. وليس استعادة الحزب لدوره الوظيفي، كون هذه الجملة الأخيرة في محط تساؤل. هل قام الحزب الشيوعي السوري بدوره الوظيفي أساسا؟ حتى يستعيده. رغم نضالاته الجمة، في قضايا الجلاء، والقضايا الوطنية الأخرى، والدفاع عن مصالح العمال والفلاحين وسائر الكادحين وبأشكال مختلفة وبأزمان متباينة، وآثار بصما ته الواضحة في تاريخ سورية خلال تواجده على الساحة السورية. بما له وما عليه.؟
ــ لماذا إعادة التأسيس ؟ إذا كان لدينا في كل قطر عدة أحزاب باسم الحزب الشيوعي.
لو عدنا تاريخياً إلى تجربة الحركة الثورية العالمية بعد كومونة باريس 1871 م. لوجدنا أن جل أحزاب الحركة العمالية العالمية آنئذٍٍ، قد تخلت عن الأفكار الماركسية أولاً ، وتبنت سياسات العقد الاجتماعي أي الصلح مع البرجوازية ثانياً. بحجة الموضوعية وعدم توفر الإمكانية لتغيير الواقع، وامتدادا لنضالات الحركة العمالية العالمية ونتيجة استعار حرارة الصراع الطبقي أخذ في أواخر القرن التاسع عشر بتبلور تيار ماركسي ثوري جديد بدءاً من بليخانوف ومن ثم لينين في روسيا وليس انتهاءً بظهور البلاشفة وتيار نظير له في بلجيكا، وفرنسا وأماكن أخرى من أوربا ولكنه أضعف شأناً. أن هذا التيار الجديد في ثوريته وماركسيته لم ينتج المادية والمذهب النقدي التجريبي للينين 1908م هذا الكتاب الذي أعاد للمادية ألقها، ومن ثم الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية /1914/ فقط. بل راح يعيد بناء الأداة ( الحزب ) أيضاً وفقاً لمعايير جديدة تتلاءم والظروف الجديدة، أهم قواعد هذا البناء الجديد هو المركزية الديمقراطية. متجاوزاً الكثير الكثير من مورثات الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية .
لأن الأداة الثورية التي انفعلت مع الرأسمالية، وسهرت وسامرت على موائدها، أخذت بالدفاع عن أسسها الجديدة وقيمها الإصلاحية حفاظاً على حفنة من المكاسب لحفنة من القيادات، وهكذا بدأت دور هذه الحفنة الأخيرة بتبرير السياسات الاستعمارية للنظام الإمبريالي العالمي وتجلى هذه السياسات وهذا التبرير أثناء الحرب العالمية الأولى حينما وقفت هذه القيادات وباسم أحزابها (الاشتراكية الديمقراطية ) إلى جانب راسمالييها في حرب تقسيم مناطق النفوذ في ما بينها وباسم الدفاع عن الوطن .
وحدهم البلاشفة وقلة قليلة أخرى من أحزاب الحركة العمالية، نفذوا قرار مؤتمر بيرن عام 1912 بإعلان العمل لإسقاط الحكومات الرأسمالية إذا ما نشبت حرب عالمية بين الضواري الإمبرياليين. خلاصة القول إن أحزاب الحركة العمالية بتركيبتها القديمة لم تعد صالحة للبناء الثوري. إذا كان هذا هو جزء من تاريخ حركتنا القديم الذي ليس ببعيد، فما هو واقع الحركة الثورية الآن ؟ إن جل هذه الحركة كما كان بعد هزيمة الكومونة، الآن وبعد هزيمة الاتحاد السوفيتي فإن معظمها في حالة عناق شديد مع البرجوازية من جهة، ومع الإمبريالية بشكل أخف، وتحت شعارات وجمل ليست دائماً إصلاحية بل و أحياناً تردد جملاً ثورية ولا أعظم، ولكن الممارسات العملية لدنها أكثر فضاحة من ممارسات سلفها في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. من هنا لا بد من إعادة تأسيس البنى التنظيمية على قواعد أكثر متانةً ورسوخاً في الصميم الاجتماعي للدفاع عن المصالح الطبقية للشغيلة وكل الكادحين بسواعدهم وأدمغتهم، والعمل للقضاء على كل أشكال استغلال الإنسان للإنسان .مستفيدين من دروس تاريخ الحركة في حالتي صعودها وهبوطها ومكتشفين قوانين الهبوط (التراجع)، وعاملين على عدم تكرار ما افرز ت الحياة على عدم صحتها .
هذا هو بعض من ضرورات إعادة التأسيس أما استعادة الحزب لدوره الوظيفي ، وهنا سيطرح السؤال نفسه على بساط البحث دون انتظار ما هي: الأدوات والآليات والشعارات... الخ، الضرورية لتحقيق استحقاق الدور الوظيفي؟
ربما أجاب العديد من الرفاق والرفيقات واستناداً لاستنتاجاتنا السابقة خلال الـ (4ــ5) سنوات المنصرمة بعودة الحزب إلى القواعد، والقواعد إلى الجماهير والجماهير إلى الشارع، من خلال الاعتصامات، أو المظاهرات، أو أشكال أخرى من العمل الفعال للتراكم الكمي المطلوب لتحويل الإمكانية إلى واقع. من خلال إعادة قاعدتنا الاجتماعية إلى منح ثقتها بحزبها الشيوعي (إعادة التأسيس) وبذلك يتحول الحزب إلى حزب جماهيري يستطيع من خلال هذا الجمهور أن يقوم بأداء دوره الوظيفي .
ولكن يبقى السؤال الأهم قبل كل هذا وذاك بالنسبة لأي حزب شيوعي، وفي أي دولة كانت، وهو : ما هو الدور الوظيفي لأي حزب شيوعي؟
ــ هل هو إصلاح النظم البرجوازية، وتطوير أدائها، ومحاربة فسادها، وغسيل وسخها؟
ــ أم هو التغير الثوري ولو أن التغير الثوري لا يعني البتة قلب الأنظمة بالدبابات، أو قوة العسكر على الطريقة القديمة ،أو العودة إلى حرب الأنصار رغم الاحتفاظ بحق الطبقة العاملة وطليعتها باستخدام أية وسيلة تراها مناسبة للظرف الملموس؟
عود على بدء : إن ورقة (موضوعات حول أزمة الحزب) تحيل تراجع الحركة الثورية العالمية (الشيوعية) إلى الممارسة الخاطئة لسياسة التعايش السلمي، بين الاشتراكية والرأسمالية، حينما ركنت الحركة الشيوعية بشخصية قيادات الاتحاد السوفيتي في النصف الأخير من القرن العشرين، إلى السياسات ما يسمى بالإنسانية، والقرية الكونية الواحدة، والمركب المشترك في البحر المتلاطم بالأمواج، مقدمة بذلك ذريعة أما أن نغرق سوية أو ننجو سوية. وبهذه السياسات أبعدت المفهوم أو التحليل الطبقي في الممارسة السياسية على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي. وأحلت محلها قواعد ما يسمى التفكير السياسي الجديد وليست منذ عام 1985 بل وحتى قبلها إلى حوالي منتصف القرن الماضي. فحلت لقاءات القمة بين القيادات الإنسانية النزعة (الشيوعية)، والقيادات الإمبريالية على المستوى العالمي، ومن هذه المعانقات أنجبت منظمة عدم الانحياز اللاطبقية على المستويات فوق الإقليمية 1955 ؟؟!!
وحلت الجبهات الوطنية بين الأحزاب البرجوازية الصغيرة والأحزاب الشيوعية في كل من الهند، وسريلانكا، والعراق، وسورية، والسودان، و بنغلادش بقيادة الأحزاب البرجوازية الصغيرة، تيمناً بسياسة المعانقة بين الاشتراكيين والرأسماليين على المستوى العالمي. والنتيجة ها هي تحصدها ملايين الشغيلة بؤساً وإملاقاً وبطالةً و هجوما على مكاسبها السابقة ومحاولة تضييع الآفاق اللاحقة أمام الحركة العمالية ليس في الاتحاد السوفيتي السابق وحده، بل وحتى في المراكز الإمبريالية والاطراف، وتحصدها الشعوب وعبر الحروب المبرمجة وباسم العولمة، تهشيما وتقسيما جديدين، وبساطورة البسطار النيوليبيرالي العتيد صاحب الجلالة (الرأسمال)، لا فرق في نتائجها سواء قادها بوش أو بلير أو شيراك أو عزير، ومهما عاونهم الحسني والحسين والملال والجلال . ومهما كانت شعاراتها (الحرية، الديموقراطية، الإنسانية)
إنها الرأسمالية، يا أصدقائي وليست شجرة الحياة . قانونها الجوهري تضخيم جبل المال ولو من نزف العمال، وليس إنبات الأوراق الخضراء في الصحراء الجرداء.
إن سياسات المغازلة الطبقية بين الطبقات المتناحرة حتى وإن لبست ثوب الإنسانية حيناَ، والضرورات التاريخية أحياناً أخرى، أو بالأولويات الوطنية في أحيان ليست بقليلة، والآن تروج الأولويات الديمقراطية برداء (عولمبريالي) لتضييع البوصلة الطبقية في كافة الأحوال. إن هذه السياسات سوف لن تراكم على المدى الإستراتيجي سوى الخيبة والإحباط.
يقول لينين: (إن أصح سياسة هي السياسة المبدئية). والسياسة المبدئية في علم الاجتماع الماركسي هي السياسة المبنية وفق المصالح والرؤى الطبقية، والمصالح الطبقية لا تتحقق إلا بأدوات طبقية، وبما أن الحزب هو الأداة الرئيسية والطبقة العاملة هي ليست الحامل الاجتماعي فقط، بل هي الأداة الأساسية، هنا لا بد من اكتشاف العلاقة السببية الوظيفية بين الحزب والطبقة (الأداتين الرئيسية والأساسية) في الثورة الاشتراكية في صيرورتها وسيرورتها، واستقرارها النسبي وفق آخر المستجدات العلمية (الخريطة الجينية ) في الهندسة الوراثية، وهذا برسم علماء الماركسية اليوم وليس برسمي، كوني قارئا أكثر مما أكون حتى كاتبا.
ــ إن لينين حينما أثبت أن انشطار الذرة هو ليس نهاية المادية أو المادة بل هي نقطة نهاية لفهمنا القديم للمادة وإن المادة لا نهائية وإن الذرة مازالت توالي انشطارها بعد غياب لينين من مادة إلى جزيء إلى ذرة إلى نواة و إلكترون، والنواة إلى نترون وبروتون.... يبدو أن حدود فهمنا للمادة مازال في طور الحبو؟!
ــ وحينما أثبت في مؤلفه (الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية) إن الرأسمالية وصلت إلى مرحلة الاحتكار، والاحتكار تقضي على أخص خصائص الرأسمالية وهي المنافسة الحرة والتي تعني حرية في الإنتاج، وحرية طرح البضاعة في السوق، وحرية الربح، هذه الثلاثية من الحريات ، كانت الحاضنة الطبيعية للحرية السياسية، (الديمقراطية البرجوازية). أي أن الاحتكار حينما يقضي على المنافسة الحرة يفضي إلى فتح الآفاق للثورة الاشتراكية، كان هناك على الجانب الآخر من يستهزئ بالتنظير اللينيني من رأسماليين واتباع، في زمن توشك فيه أن الرأسمالية قادرة على ابتلاع الكرة الأرضية دون أن تتقييء حتى من مؤخرتها.!
ــ وفي غمرة احتكاك الأحزاب والحركات والتيارات الاشتراكية والديموقراطية واليسارية والثورية من كثرتها، وقلة فاعليتها بدأ لينين مع ثلة من ثوريي روسيا ببناء حزب من طراز جديد، شبه عسكري في التنفيذ أيام السلم، وعسكري الانضباط أيام الحرب وهذا ما تم ليس بشكل إرادوي من لينين، وإنما بطرح أفكار وسياسات عميقة في الفهم والتحليل وسهلة الاستيعاب، والتشبث في التطبيق.
ــ من هنا أرى أربع زوايا متكاملة في وحدة الشيوعيين.
1 ــ الفكر الصحيح 2ــ السياسة الصحيحة
3 ــ الأداة الصحيحة 4ــ التطبيق الصحيح.