المطلوب حلول سياسية توقف سفك الدماء
بعد أن دخلت البلاد مرحلة أخرى من حيث تفاقم الأزمة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، يزداد الخطر على سورية من الخارج والداخل في آن معاً أكثر من أي وقت مضى..
وكنا منذ احتلال العراق قد رفعنا شعار: «الوطن في خطر ولا خيار إلا المقاومة»، وأدركنا من باب التحليل واستشراف المستقبل بأن الضغوط ستزداد على سورية من جانب التحالف الامبريالي والصهيوني والرجعي العربي.
ففي ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية الأمريكية وآخر مؤشراتها قضية الديون، تحاول الإدارة الأمريكية وحليفها الكيان الصهيوني البحث عن حلول لتلك الأزمة في الخارج وفي منطقتنا بالذات، واستغلال ما يجري في سورية عشية تسوية أوضاعها في العراق وإيجاد تعويض استراتيجي عما حدث في مصر، لتوجيه ضربة عسكرية إلى سورية ولبنان أو إحداث تغيير استراتيجي فيهما من الداخل يخدم مخططات واشنطن وتل أبيب، ومن هنا يجب ألا نستهين بما حدث في تركيا مؤخراً، وهو يرقى إلى مرتبة انقلاب لمصلحة أردوغان يفتح الطريق أمامه لمزيد من التدخل في الشأن السوري، وصولاً إلى التدخل العسكري بطلب أمريكي. ومنذ زيارة السفيرين الأمريكي والفرنسي إلى حماة، وصولاً إلى اجتماع هيلاري كلينتون في واشنطن مؤخراً مع بعض رموز الاستقواء على الوطن بالخارج، ومع التغيير التدريجي في الموقف الروسي في مجلس الأمن بالتوازي مع حرب إعلامية – نفسية ضد سورية، نلاحظ استكمال حلقات التدخل الخارجي استغلالاً للأوضاع الداخلية في سورية، ليس بهدف حلها، بل من أجل تحويلها إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر (البيان الرئاسي الأخير لمجلس الأمن نموذجاً)..
وبالمقابل فأن الوجه الأخر للخطر الخارجي هو وصول الأزمة الداخلية إلى حالة استعصاء خطيرة بسبب غياب الحلول التي تتناسب مع عمق الأزمة، وبسبب غياب الحلول السياسية لمصلحة الحلول الأمنية، والتي ما كانت ولن تكون يوماً محل إجماع، أو حتى قبول شعبي بالحد الأدنى، خصوصاً أن ما بين كل تصعيد أمني وآخر، ومع دخول الجيش إلى المدن، تزداد الأحاديث والروايات من كل شاكلة ولون عن بروز أبعاد طائفية للأحداث في سورية، وهو ما يهدد الوحدة الوطنية بأسوأ المخاطر. ولا شك أن أي انزلاق نحو الطائفية يهدد كيان الدولة الوطنية وكل ما أنتجته وطنياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً، ولا يستفيد منه إلا قلة قليلة من طواغيت المال وقوى الفساد، التي تبدو وكأنها في مواقع مختلفة من حيث الشكل، ولكنها من حيث الجوهر تدافع عن مصالح طبقية واحدة، هدفها الأكبر منع الإصلاح الجذري الشامل، وخصوصاً منع إعادة توزيع الثروة بين الأغنياء والفقراء، وكذلك منع الحلول السياسية، التي دونها ليس هناك أي مخرج آمن للأزمة المركبة التي تعيشها بلادنا.
ومن كبير الأسف أن البعض في النظام يتعاطى مع الحركة الشعبية في البلاد على أنها ( مجموعة من الرعاع)، لدرجة ينكر عليها مطالبها المحقة والمتراكمة منذ سنوات طوال بسبب السياسات الليبرالية الاقتصادية المتوحشة مع أعلى درجة من الفساد والنهب للدولة والمجتمع وغياب الحريات السياسية، والتي اتبعتها الحكومات السابقة وخاصة الحكومة الراحلة غير المأسوف عليها، وهذا الفريق يؤسس إنكاره ورفضه القديم الجديد للحركة الشعبية على وجود وتنامي عدد المسلحين في التظاهرات، في حين أن هؤلاء المسلحين غرباء عن الحركة الشعبية وعن أهدافها ومطالبها.
إن ضرورة عزل المسلحين وإدانة جرائمهم بحق الدولة والمجتمع، وإنهاء هذه الظاهرة الخطيرة تصبح ممكنة وناجعة من خلال تقوية الحركة الشعبية والاعتماد عليها في خلق بيئة مجتمعية قادرة على عزل المسلحين ومواجهتهم (ما حدث في معرة النعمان نموذجاً)، وهذا جزء ومكون أساسي من الحلول السياسية التي يحاول البعض استبدالها بتوزيع الجيش خارج سياق مهماته الأساسية، واستمرار الحلول الامنية التي من بين مخاطرها استدراج السلاح الآخر والدخول في نفق الصراع الدموي المديد، وهذا ما يخطط له أعداء الخارج ومن يرتبط بهم في الداخل.
إن الخروج من الأزمة الوطنية العميقة التي نعاني منها تحتاج إلى عقل بارد يجترح الحلول السياسية التي تعزز الوحدة الوطنية، وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في اللقاء التشاوري دون أي تأخير في عقد مؤتمر الحوار الوطني، والابتعاد عن فكرة الحسم بالقوة، ووقف حملات الاعتقالات وسفك الدماء من أية جهة كانت، وعدم السماح بانزلاق الأوضاع نحو الصراع الطائفي، الذي يزيد من احتمالات التدخل الخارجي، والذي يقوده في العلن والسر التحالف الامبريالي الصهيوني ضد سورية الشعب والتاريخ والدور والموقع الجيوستراتيجي.