في فضاء الأزمة والحوار.. والتدخل الخارجي

أجرت إذاعة صوت الشباب حواراً مع كل من الكاتب محمود عبد الكريم، والباحث حمزة منذر، وذلك يوم الخميس 14/7/2011، فيما يلي بعض ما جاء فيه:

أزمة وطنية عميقة

ما تواجهه سورية اليوم، هو مؤامرة أم أزمة داخلية بحتة، أم تحول طبيعي أما ماذا؟ 

منذر: بدايةً اسمحي لي أن أوجه تحية إكبار وإجلال لكل شهداء الوطن، وكمدخل للحديث أستعير العبارة التي قالها الراحل العظيم سعد الله ونوس: (نحن محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم ليس نهاية التاريخ)، وأضيف أننا محكومون بالانتصار..

الحديث عن الأزمة هو حديث متشعب، ولأولئك الذين يتهموننا بالحديث عن المؤامرة نقول: إن المؤامرة كانت موجودة دائماً، فسورية مستهدفة ليس فقط في هذا الظرف الراهن، كانت مستهدفة دائماً، سورية بلد الدور، والتاريخ الكفاحي للشعب السوري يجعل الاستعمار يخطط دائماً لثني سورية عن مواقفها الوطنية، لكن نجاح المؤامرة أو فشلها فهذا يتعلق بصلابة الوحدة الوطنية، ونحن الآن في أزمة مركبة، وقد اتفق الجميع في اللقاء التشاوري الذي جرى في 10 و11 و12 تموز على قضيتين اثنتين، الأولى هي أننا في أزمة وطنية عميقة سياسية اقتصادية واجتماعية، والثانية هي أن الجميع تحدث بضرورة صياغة وإقرار دستور جديد.

عندما نقول أزمة ونعترف بأنها أزمة عميقة، هذا يعني أننا نحتاج إلى حلول وإجراءات بالعمق نفسه، وإلاّ فستطول الأزمة وتهدد الوحدة الوطنية بأكبر الأخطار، هذا في الشكل والمضمون، أما من حيث الحلول والإجراءات والمعالجات فهذه يجب أن يشترك في وضعها كل الشعب السوري، وللإعلام دور هام جداً في حمل كل قضايا وهموم الوطن، وآن الأوان لكي تكون لدينا سلطة رابعة حقيقية تعالج كل هواجس الوطن وكل هواجس الناس وتجيب عن أسئلة الناس، فالوطن لا يقبل القسمة على أحزاب. 

المؤامرة شيء.. والحراك شيء آخر

هناك جزء كبير من الأزمة داخلي، برأيك هل ما تواجهه سورية هو مؤامرة أم تحول طبيعي؟ 

عبد الكريم: من حيث المبدأ أتفق مع الأستاذ حمزة على توصيفه، فما المؤامرة؟ هي خطة يضعها الخصم لتحقيق أهدافه في مكان ما وفي ظروف ما، فهل نكون من السذاجة لنقول إن سورية التي تواجه إسرائيل منذ 60 عاماً والشعب السوري هو شعب مقاوم دون توقف، وفي موقع استراتيجي من أخطر مواقع العالم، وهو شعب يحمل إرثاً إنسانياً وعظيماً.. كل هذا لا يتعرض لمؤامرة؟!

لنقل إنها ليست مؤامرة، لنقل إنها خطة الغرب للسيطرة على المنطقة.. ومنذ عام 1904 كتب نجيب عازوري: في هذه الآونة ثمة ظاهرتان؛ ظاهرة صعود القومية العربية، وظاهرة محاولة اليهود لإقامة وطن قومي لهم في فلسطين.. وهاتان الظاهرتان محكومتان بالصراع إلى أن تنتصر إحداهما على الأخرى، وعلى نتائج هذا الصراع يتوقف مصير المنطقة وربما مصير العالم.

ما يجري الآن هو حلقة من حلقات هذا الصراع، وما يحصل في الواقع من حراك اجتماعي إنساني شعبي من أجل مطالب عادلة هو شيء آخر، فهذا لا علاقة له بذلك، فحينما يتحرك الشعب، كل الشعب من معارضة وموالاة، فإنه يتظاهر لتحقيق مطالب محددة، ولكن هنالك محاولة لخلق شارعين في مواجهة بعضهما البعض، ولخلق خصومة بين شارعين، وهذا إيهام تعمل عليه فضائيات وقوى خارجية وداخلية.. بينما الشعب له نفس المصالح فالذي يتظاهر ضد النظام ويطالب بالعدالة الاجتماعية والحرية، والذي يتظاهر ويهتف للرئيس أليس له المطالب نفسها؟ ألا يريد الشخصان حرية وعدالة؟.

أنا أرى أن نسبة المعارضة في سورية هي %95 من السكان، فكل الناس معارضون بمعنى أن لهم مطالب ويريدون تحقيقها.

المعارضة التقليدية والمعارضة الشعبية؟!

لنوضح مفهوم المعارضة، فعند الكثير من الناس هناك بعض الالتباس؟ 

عبد الكريم: بغض النظر عن المصطلح الذي صار ملتبساً، إن المعارضة التقليدية باختصار لها مطالب سياسية مثل حرية تشكيل الأحزاب وحرية الإعلام وغير ذلك، هذا موضوع آخر ونقاشه بحاجة إلى وقت آخر، أما المعارضة الشعبية التي تتحرك الآن والتي تريد العدالة الاجتماعية والدفاع عن وطنها وتريد الوحدة الوطنية وتريد دولة قوية مزدهرة القضاء فيها عادل، وتريد كذلك القضاء على الفساد قضاءً مبرماً، أنا برأيي إن %99 مما يحصل في سورية الآن هو ثورة ضد الفساد، نريد القضاء على الفساد، فحتى لو أتت الحرية وبقي الفساد ماذا سنستفيد؟ إذا أتت الحرية دون عدالة اجتماعية ماذا نستفيد أيضاً؟ برأيي إن الحرية هي العدالة الاجتماعية، أما خارجها فكل الحريات لا تعنيني، ولا تعني المتظاهرين بالشارع أيضاً.

إن الحرية التي نريدها باختصار هي الحرية التي تضمن للشعب حقوقه كاملةً، في العدالة الاجتماعية والدفاع عن مكتسباته ووطنه، وحريته في تحرير أرضه المحتلة بما فيها لواء اسكندرون الذي غاب عن السمع، فاللواء كالجولان تماماً وهو مكان محتل واحتل بالفساد وبمشاركة الفاشية التركية مع الفاشية الفرنسية أيضاً، هذا حقنا ولن نتنازل عنه شاء من شاء وأبى من أبى.

والحرية أيضاً هي قضاء مستقل بالنسبة للمواطن السوري، وهي جيش وطني قوي، وهي نهوض معرفي شامل ينحي تماماً ويلغي تماماً أية محاولة لحراك مذهبي أو طائفي أو إثني، أو أية محاولة لتفريق الشعب عن بعضه البعض، ومعركة الشعب من أجل وحدته تعني كل هذا مجتمعاً.

هذا يساوي الحرية التي يريدها الشعب، بغض النظر عن أنه يعبر عنها بهذا التفصيل الذي نتحدث عنه أو لا، ولكن عندما تجلس مع أي شخص منهم وتناقشه سيذكر لك كل هذا، وهذه هي الحرية بالنسبة له.. وآخر الأشياء هو صندوق الانتخابات.

هنالك مهمة ضرورية جداً اليوم في سورية، فهذان الشارعان اللذان هما شارع واحد في النهاية، على كل القوى الحية في هذا المجتمع أن يعيداها شارعاً واحداً لأن لهما المطالب نفسها؛ الكرامة والعدالة التي تساوي الحرية بنظرهم وبنظرنا جميعاً، هذا الذي نتحرك من أجله جميعاً سواء كنا في شارع المعارضة أم الموالاة، أم كنا جالسين في بيوتنا نشتم الجزيرة. 

ترابط الوطني والاقتصادي- الاجتماعي والديمقراطي 

منذر: أوافق الأستاذ محمود في كل ما قاله وأضيف حول الالتباس بمصطلح المعارضة، منذ ما بعد احتلال العراق صار هناك التباس في هذا المصطلح كبير جداً، فأسميناه ثنائية وهمية، حيث كان البعض يحاول أن يقول إن النظام كله كتلة متجانسة صماء أو أن المعارضة كلها متجانسة، ولكن خط الفصل في المجتمع أعقد من ذلك بكثير.

لقد طرحنا في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين شيئاً آخر، دعينا للاتفاق على معايير ومنها ثلاثة رئيسية: أولها القضية الوطنية في كل مندرجاتها، وثانيها المسألة الاقتصادية الاجتماعية، والمعيار الثالث هو المسألة الديمقراطية.

أما بالنسبة للحرية فهي وعي الضرورة في نهاية المطاف، بمعنى أن حق العمل وحق الطبابة والتعبير والإضراب هي كلها جملة من الحقوق، ويمكن اختصارها بكلمتين، كلمة الشعب ولقمته؛ كلمته تعني الحريات السياسية والحقوق الديمقراطية وما هنالك، ولقمته تعني كل القضايا الاقتصادية الاجتماعية المطلوب معالجتها.. إذاً خط الفصل يجب أن يكون على هذه الثلاثية، فلا يمكن الحديث عن المسألة الوطنية دون الحديث عن العدالة الاجتماعية ووعي الضرورة، وكذلك لا يمكن الحديث عنها دون حريات سياسية مناسبة يستطيع الشعب أن يعبر من خلالها عن كل ما بداخله وعن كل مطالبه.

يجب أن نرتقي بإعلامنا

اعتدنا أن نرى أخباراً كاذبة على بعض قنوات الإعلام، ما تعليقك؟ 

منذر: يجب ألاّ نستغرب ما يصدر عن تلك القنوات عملياً التي تخدم أجندة، فهي ليس لديها أجندة لأن الوسائل الإعلامية هي أدوات تصادف أن الجزيرة والعربية وفرانس برس والبي بي سي والحرة يشكلون رقم خمسة، أي ينطبق عليهم موضوع الطابور الخامس، ولذلك فإن المستغرب ألاّ نرتقي نحن بإعلامنا مهنياً من حيث السوية وكل شيء لمواجهة ما يجري من حرب إعلامية إستباقية على سورية. وهنا لأكن صريحاً أحياناً يقدم إعلامنا الأمور بصورة نمطية وكأن هناك مواجهة لدرجة أن أحد المغتربين قال بالحرف الواحد: (عندما اقتربت الطائرة من مطار دمشق خيل لي أنني سأنزل إلى أرض المطار وهناك شيء يشبه المعركة)، ورأيه أن الإعلام السوري أيضاً يضخم حجم المسلحين إلى درجة كبيرة وكأن سورية الآن فيها خطوط وخنادق.. الخ.

أرى أن على الإعلام أن يتحدث بشكل أعمق بكثير على أسباب المشكلة، وعلى التوصيف، وأشكال الحلول، وعليه أن يأخذ دوره بالضغط من أجل أن تصل هذه الحلول إلى مستحقيها، بمعنى أنه عندما نرى رأس الدولة يقول هناك مطالب محقة، ويتحدث عن الخارجين عن القانون، ووصفهم بأنهم لا يشكلون أكثر من 64 ألف شخص في سورية، ويتحدث عن الفكر التكفيري، فهذا يعني أن الغالبية الساحقة لها مطالب، ولكن هناك من يريد أن يدمج بين المطالب المحقة وبين خلايا نائمة هنا أو هناك، وهذا مصدر خطر.

لماذا أقول إن الإعلام يجب أن يكون في قلب المعركة؟ لأنه السلطة الرابعة ووظيفته الآن هي أكبر وأعمق من ذلك، فالمفترض بالإعلام ليس أن يريح المغتربين خارج البلاد، وإنما أن يريح الشارع ويقول له إن من أكبر وأخطر أسباب هذه الأزمة التي نحن بصددها الآن هي سياسات اقتصادية اجتماعية خاطئة اقترفتها الحكومتان السابقتان وخصوصاً منذ 2005 وحتى الآن، فهي سياسات ليبرالية متوحشة أدت إلى تراكم استياء شعبي غير مسبوق، لدرجة أن هذا الاستياء يكاد يرتفع عن منسوب الرضا الشعبي. 

الولايات المتحدة ضد أي حوار

بالنسبة للبيان الختامي للقاء التشاوري، صدر الكثير من الردود الدولية، فهناك من شكك بالجدية، وهناك من رحب.. ما تعليقك؟ 

عبد الكريم: بغض النظر عن الحضور والمشاركين، رغم أن هناك منهم من قام بجهود محترمة جداً جداً، ولكن المواقف التي رأيناها في الداخل أو في الخارج هي مواقف تعبر عن أصحابها، وهذا أمر طبيعي، فالولايات المتحدة ستكون ضد أي تشاور أو حوار يجري في البلد، لأنها تريد حرباً أهلية، فكيف يمكن أن توافق على الحوار؟ هي تريد أن تدفع البلد إلى الكارثة لأن في ذلك مصلحة لإسرائيل، وعندما تتحرك الولايات المتحدة في المنطقة تضع نصب عينيها مباشرةً مصلحة إسرائيل التي تتوازى وأحياناً تتقدم على المصلحة الأمريكية ذاتها، أي باختصار أمريكا تريد انقلاباً في البلد تقبض على عنقه سياسياً وتدفع بحلفائها للقبض على سورية بالمطلق، وعند ذلك سنشاهد بأم العين انتقاماً لم يسبق له مثيل في تاريخ سورية.

لذلك، عندما نلتقي مع أي شاب محتج، نتحدث دائماً بهذا الموضوع، إذ يجب أن تكون صورة الحراك واضحةً تمام الوضوح، ولا يجب أبداً أن يستفيد الخصم التاريخي من هذا الحراك، بل يجب أن تستفيد منه سورية، وعلى كل القوى الوطنية والوطنيين الشرفاء في هذا البلد من كل المشارب والاتجاهات أن يتواصلوا مع الشباب المحتجين وينتزعوهم ممن حاولوا اغتصاب تحركاتهم، وممن حاولوا القفز على ظهر حراكهم لأخذ البلد إلى جهة مغايرة لتاريخها المقاوم، وإلى جهة مغايرة لأهدافها الحقيقية.

أمريكا يعنيها تماماً ألاّ يصل الشعب السوري إلى مطالبه الحقيقية في العدالة الاجتماعية والحريات السياسية والديمقراطية، ويعنيها في المقابل أن تنصب نظاماً عميلاً للولايات المتحدة في سورية، لكن هذا نهائياً لا يريده الشعب المحتج الذي يطالب بحق العمل وحق القول وحق المواطنة، ويطالب بكرامته الشخصية وكرامته الجماعية أيضاً. 

منشآت الدولة من عرق الشعب

في موضوع هيبة الدولة، إن الشعب هو مصدر السلطات، والقانون ينطلق من سلطة الشعب التي تكونت على أساسها مؤسسات الدولة الضامنة لتطبيق القانون.. وهو ما نقول عنه هيبة الدولة، هناك محاولات اليوم للنيل من هيبة مؤسسات الدولة، وهذا نيل لسيادة القانون، برأيك ألاّ يعتبر هذا مأخذاً على الحركة الاحتجاجية والمعارضة بالعموم؟ 

منذر: إن منشآت الدولة هي من عرق الشعب، وهناك تجربة جميلة جداً خلال الأحداث شهدتها مدينة معرة النعمان، حيث تحرك المتظاهرون لحماية المتحف ومفرزة الأمن من المسلحين الذين يستهدفون هيبة الدولة، وهذه تجربة هامة جداً.. القصد من هذا أنه يجب علينا العمل بكل ما نستطيعه لكي لا يتلوث الحراك الشعبي السلمي لا بالدم ولا بالمؤامرة عليه، سواء من الداخل أو من خارج الحراك. 

الجيش نسيج المجتمع السوري

هناك من يحاول ركوب الحراك.. كيف تتم حمايته؟ 

منذر: بصراحة، هناك مطالب محقة، وعندما نقول هناك مطالب محقة نقصد أنه يجب تنفيذها، فهناك أزمة على الأرض تحتاج إلى جهود خارقة لتأمين مخرج آمن منها على قاعدة تعزيز الوحدة الوطنية التي أهم ركائزها هي وحدة الشعب والجيش دفاعاً عن كرامة الوطن والمواطن، وبالمناسبة إن موضوع الجيش يجب أن يكون خطاً أحمر بالنسبة للجميع، فهو نسيج المجتمع الشامل ولا يجوز التساهل في تناول هذا الموضوع لأنه قضية مبدئية ومصيرية بالنسبة للشعب السوري كله.

بالعودة إلى بيان اللقاء التشاوري، هناك بعض الآراء التي تقول إن من خرج إلى الشارع يحمل مطالب محقة نادى بها بشعارات مختلفة قد وصلت نداءاته، ومن يخرج الآن إلى الشارع لطرح مطالبه هو في مصافي من اعترضوا وقاطعوا وينادون بإسقاط سورية.. ما رأيك؟ 

هذا السؤال من شقين؛ أولاً للتوضيح، وهذا واضح في مقدمة البيان الختامي، أن اللقاء التشاوري هو تمهيد للوصول إلى خطوة أكبر وأهم هي عقد مؤتمر حوار وطني شامل، بمعنى أن موضوع الحوار قضية مفصلية يجب أن تكتمل بالسرعة ولكن دون تسرع، وعندما يجري إعداد التمهيدات الأساسية لعقد مثل هذا المؤتمر يمكن أن يطرح عليه كل القضايا تحت سقف الوطن.... 

هل من الآن وإلى أن يعقد المؤتمر علينا البقاء في الشارع؟ 

علينا أن نفصل إلى حد ما، فأولئك الذين يرفضون الحوار أكاد أجزم أن لا علاقة لهم بالشارع، فمنهم من يقول إنه لا يمون على الشارع، والذي يرفض الحوار علينا أن نسأله لماذا ترفض الحوار وما هو البديل لديك؟ الحوار هو صراع حضاري وسلمي، وإذا لم يقبلوا بالحوار الحضاري والسلمي فماذا يريدون؟ يريدون صراعاً دموياً. 

الحوار هو الطريق الوحيد

قالوا يريدون بيئة مناسبة.. ماذا يقصدون بذلك؟ 

منذر: لقد طالبوا وقاطعوا الحوار، وقد قلنا إن الحوار هو الطريق الوحيد الذي يوصل إلى نهاية الأزمة، وتكلمنا عن موضوع الاستقرار في البلاد باعتباره ضمانة وطنية لتسريع وتنفيذ الإصلاحات وهذا مبدأ أساسي، وقلنا إن التسامح قيمة مثلى للخروج من الوضع السائد، والتسامح ليس من طرف واحد بل من عدة أطراف، وطرحنا قضية أساسية هي رفض الاعتداء على الأشخاص والممتلكات العامة والخاصة من أية جهة كانت، وكذلك طرحنا ضرورة الإطلاق الفوري للمعتقلين السياسيين الذين لم تشملهم المراسيم السابقة، وصدرت توصية بإطلاق سراح المعتقلين على خلفية الأحداث ممن لم يثبت القضاء إدانتهم.

الجميع الآن يأمل أن تصدر مراسيم تشريعية حول تلبية مطالب اللقاء التشاوري، فمثلاً هناك بند حول موضوع تحرير الجولان، أعتقد أن هذا البند ليس فقط مطلباً وطنياً، وإنما هو مطلب وطني وإجتماعي.

لماذا جاء هذا المطلب تحت رقم 17 من 18 مطلباً في البيان الختامي؟ 

هذا البند جاء متأخراً لأن هناك أموراً ساخنة، ولكن رقم 17 بمثابة رقم 1 من حيث القوة، فلم يكن هناك رقم ثانوي ورقم أساسي، ولكن لماذا جاء الحوار رقم 1؟ لأن الوطن بحاجة لحوار وبحاجة لمكاشفة، ليس على أرضية تخوين سوى من يقصي نفسه، فمثلاً، أنا لا أعتبره معارضةً على الإطلاق من يستقوي على الوطن بالخارج، فمن استقوى على الوطن بالخارج لا يمكن اعتباره من المعارضة.

الاعتراف بالأخطاء

عبد الكريم: أرى أن أول مدخل لإقامة علاقة صحية مع الشعب هو الاعتراف بالأخطاء، فقبل الاعتراف بالأخطاء التي حصلت اعترافاً حقيقياً وليس اعترافاً إعلامياً، أي بمعنى التراجع عن كل الأخطاء التي حصلت وتحولت إلى قوانين وحقائق مجتمعية ويومية في حياة الناس، واستدراك هذه الأخطاء بأقصى سرعة، فمثلاً متى ارتفعت أسعار المساكن في سورية وضربت بخمسة أضعاف؟ عندما قام وزير الاقتصاد السابق خفض سعر الفائدة إلى %3 فسحب الناس أموالهم وضخوها في العقارات، وهناك مسألة الخصخصة التي تم منها الكثير تحت الطاولة وغيره فوق الطاولة.

أربع أو خمس سنوات لم نسمع كلمة في إعلامنا المحترم عن قضايا الشعب الحقيقية، وقد غاب الشعب كليةً وقضاياه عن الإعلام التلفزيوني وغيره، ولا يجوز نهائياً أن تظل قضايا الشعب غائبة بل يجب أن تحضر في كل وسائل الإعلام ويجب أن تحظى بقوانين ومراسيم وحقائق يومية، فكلما تحقق للشعب ما يطلبه اقترب صاحب القرار من الشعب، وبالتالي فلا أرى هماً أساسياً في محاورة المعارضة، لكن الأهم هو محاورة الناس الذين يتحركون في الشارع، ويجب كذلك التعبير عنهم أيضاً. 

حماة لم تستقبل السفير

من سيمثلهم وإلى حد الآن لم تظهر قيادات واضحة لهم؟ 

عبد الكريم: ليس مهماً قياداته الواضحة، صحيح أن هناك حركة في الشارع بلا رأس واضح حتى الآن، ولذلك يحاول البعض أن يركب لها رأس، ومن ذلك محاولة السفير الأمريكي خلال زيارته في حماة، وقد ذكرت الزيارة وأن البعض استقبل السفير، ولكن لم يذكر أن هناك صبية نبيلة من حماة رمته بحذائها، فحماة لم تستقبل السفير وإنما قلة قليلة استقبلته فقط.. وباعتقادي إن الشعب السوري هو الأكثر عداءً لأمريكا بين كل شعوب العالم، فلا أعتقد أن الخبز الأمريكي السام يمكن أن يوزع في هذا البلد النبيل بتاريخه العظيم، وما أريد أن أقوله هو إنه يجب المباشرة فوراً بإجراءات نهائية تقنع أبناء الشعب أن هناك حقائق تحولت إلى مراسيم وقرارات تخص حياته اليومية، ومعاشه والعدالة الاجتماعية، وتخص كل ما ارتكبته الحكومات السابقة، ويجب أن يرى الناس ذلك.

كيف يتم ذلك؟ 

بقرارات ومراسيم، وهذه الخصخصة التي حصلت والمال المنهوب يجب أن يعرف المسؤول عن كل ذلك، ولا يكفي أن أتحدث بل يجب أن يرى الناس بأم أعنيهم ويلمسوا بأيديهم أن الأخطاء التي ارتكبت يتم تصحيحها الآن، وهذا هو المدخل الحقيقي للتواصل مع الناس وإقامة حوار حقيقي مع الناس، فكيف أقيم حواراً حقيقياً مع الناس قبل أن أحقق لهم جزءاً من أهدافهم وأتراجع عن أخطائي السابقة؟ هنا الحلقة الناقصة في كل ما يجري حتى الآن.

إن هيبة الدولة يجب أن تبقى، ولكن كيف؟ يجب أن يشعر الناس بأن الدولة حريصة عليهم فعلاً، حريصة على حقوقهم وعلى مطالبهم وعلى أمنهم، ومن هنا يبرز دور الجيش، فهناك أزمة ثقة مع بعض الأجهزة، والجيش ما يزال حتى الآن مكان إجماع وطني شامل، فأبناء البلد يحترمونه جميعاً، ويجب تفعيل ذلك وابتكار حلول لإعادة إنتاج علاقة جديدة بين الناس والدولة. 

فضاء سياسي جديد 

منذر: عندما نقول إننا لا نعرف قيادات وتوجهات هذا الحراك، فهذا يعكس أزمة الأحزاب السياسية في سورية، لأنها في واد والجماهير في واد آخر، بمعنى أن هناك فضاءاً سياسياً قديماً ليس له أقدام، إذ ليس لدى الأحزاب قواعد شعبية، فمنذ أدارت الأحزاب ظهرها للجماهير فقدت هذه الجماهير ثقتها بالأحزاب، ولذلك فإن خط الإرسال والاستقبال مع الأحزاب السياسية الموجودة مفقود، ولكن هناك الآن فضاء سياسي جديد يخلق، وهناك أشخاص يتواصلون مع الجماهير ويتناقشون معها، وهذه النقاشات مثمرة.

تحدث الأستاذ محمود عن أزمة الثقة، هذه الثقة من السهل استعادتها، ويمكن لموضوع تحرير الجولان أن يعيد هذه الثقة، فقد طرحنا في برنامج الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير أنه يجب طرح قضية تحرير الجولان على الشعب كقضية وطنية جامعة، ويمكن من خلال ذلك تحويل المعركة التي تدمي الوطن إلى أنبل وأشرف معركة من أجل تحرير أرض الوطن. 

سورية جديدة تولد

بعض الفئات لم تكن ممثلة في اللقاء التشاوري، وهذا ربما يكون مأخذاً؟ 

عبد الكريم: على الأقل كان هناك بعض الممثلين يمثلون مطالب الشعب، وكافحوا لأجلها في كواليس اللقاء، ولكن المؤتمر القادم يجب أن يضم بكل تأكيد ممثلي الطبقات وليس ممثلي الأحزاب فقط، لأنه مالم يضم ممثلي الطبقات والقوى المنتجة في البلد فسيكون مؤتمراً نخبوياً سياسي وقد يتم تجاهل المطالب الحقيقية للناس، مع ثقتي المطلقة بأن بعض الحاضرين سيدافعون عنها بشراسة، وأعرف مدى هذه الشراسة.

أنا برأيي سورية القديمة التي عرفناها واعتدنا عليها خلال خمسين عاماً تمضي إلى التاريخ، وهناك سورية جديدة تولد الآن، وأرى أن المدخل لإنقاذها يكون بجبهة شعبية تضم كل الشرفاء من الأحزاب والأفراد والمستقلين وأبناء الشعب، تطرح برنامجاً واضحاً للعدالة الاجتماعية والديمقراطية، فهذان حدان مندمجان مع بعضهما ولا يمكن الفصل بينهما أبداً، ومن يفصل بينهما بصراحة يريد أن يتآمر على الأزمتين معاً، فيجب أن يتم الحفاظ على مكتسبات الشعب بكاملها وكذلك الدفاع عن حقوقه إلى النهاية وبلا هوادة، وأياً يكون الثمن، وهذا مدخل أيضاً لمواجهة التوجه الإمبريالي الاستعماري المفلس الذي يريد أن ينهبنا من جديد، ويريد أن تكون سورية مدخلاً لعملية النهب الشامل لهذه المنطقة، وأنا باعتقادي أنه لا بديل عن خوض هذه المعركة إلى نهايتها، وهذه الجبهة التي لا أعرف تسميتها بعد، وإن كنت أميل إلى اسم الجبهة الشعبية المتحدة، يجب أن تخوض هذه المعركة وأنا واثق أنها ستخوضها بجدارة وستهزم المشروع الأمريكي، مع التفريق الأكيد والضروري وعدم السماح بخلط الأوراق ما بين المطالب الشعبية التي هي مطالب الشعب بأكثريته الساحقة، وبين المخططات التي تستهدف سورية كسورية. 

دستور جديد يضمن حقوق المواطنة

تغيير المادة الثامنة من الدستور، البعض رأى أنه تنازل مكره لحزب البعث، بينما يرى البعث فيه فائدة لموقعه الريادي.. كيف ترى الدستور القادم؟ 

منذر: الحوار بشكل عام أمامه ثلاثة أهداف استراتيجية كبرى، أولاً رفض ومقاومة التدخل الأجنبي بكل أشكاله، والاعتماد على الشعب السوري بما يملكه من تاريخ وطني وكفاحي منذ مأثرة يوسف العظمة وحتى الآن، وهذا الرفض هو عنصر توحيدي، ثانياً فتح الأقنية بين الحركة الشعبية والقوى السياسية الحقيقية، فهذا الحوار يوصلنا إلى فتح هذه الأقنية المسدودة، ثالثاً تغيير البنية السياسية القائمة وصولاً إلى بناء نظام سياسي جديد يصنعه السوريون دون أي تدخل من أحد، فما المقصود بالبنية السياسية القائمة؟ الدستور صيغ قبل أربعين عاماً، وفي الحقيقة هناك تغيرات كبيرة على المستوى الدولي والإقليمي والداخلي، إذاً الحديث عن المادة الثامنة صار خلفنا اليوم، وهناك موضوع أكبر بكثير والوطن لا يقسم على أحزاب، ولذلك نحن بحاجة إلى صياغة دستور جديد، أهم ما فيه هو خمس قضايا: تعزيز الوحدة الوطنية عبر ترسيخ أسس الدولة الوطنية؛ تأمين حقوق المواطنة الكاملة والمشاركة لجميع السوريين بغض النظر عن الدين أو الطائفة أو القومية أو الجنس وفي جميع الأماكن والمستويات بما فيها المناصب العليا؛ الضمان الفعلي لكل الحقوق وخصوصاً الحريات السياسية وتأمين كل الأدوات اللازمة لممارستها وعدم التضييق عليها باستثناء من يثبت خروجه عن الثوابت الوطنية بقرار من قضاء مستقل فعلاً لا يخضع لأي حزب من الأحزاب؛ الأخذ بعين الاعتبار أن البلاد تمر بمرحلة تغير عميق في بناها السياسية ما يعني نشوء فضاء سياسي جديد؛ والأهم ترسيخ وقوننة دور المجتمع في الرقابة على جهاز الدولة والأحزاب التي ستنشأ في البلاد..

هناك من يسأل ما أوجه الشبه والفوارق بيننا وبين مصر؟ هناك فرق شاسع بين مصر وسورية في المسألة الوطنية لأن السياسات الليبرالية في مصر ترافقت مع الخيانة الوطنية، أما لدينا فالموقف الوطني واضح ويحتاج إلى تعميق وانتقال من الممانعة إلى المقاومة، ولكن نتشابه مع مصر بقضية الفساد، والشارع المصري يطالب بمحاسبة الفاسدين ونحن في سورية نطالب بمحاسبة الفاسدين. 

نريد نظاماً يخدم الشعب

تحدثت عن ضرورة عدم قسم الشارع السوري إلى شارعين، فهل نرى غداً شارعين في سورية؟ 

عبد الكريم: باختصار، هناك معركة، والمعركة مثل الموج تأتي وتذهب، ولكن من يرفعون شعار إسقاط النظام (وهنا لا أقصد المواطن البسيط العادي) يخفون تحته إسقاط الدولة وإسقاط البلد، ونحن نريد إسقاط أخطاء النظام كلها ونريد نظاماً جديداً لا أخطاء فيه. بمعنى أننا نريد نظاماً يخدم الشعب فعلاً لا يسمح للفاسد أو لمتهتك أو لصاحب نفوذ بأن ينتهك حقوق الشعب، بل يسمح بأن يقبض الشعب على حقوقه بيديه، هذا ما نريده، وإذا كان المقصود من بعض المحتجين إسقاط (السيستيم) بمعنى (السيستيم) الذي اعتدنا عليه فلا مشكلة، أما إذا كان مقصود ما يخفيه خصوم هذا البلد وهو إسقاط الدولة السورية فهذا سنقاومه إلى آخر قطرة من دمائنا، حينما نقول نحن مع نظام ديمقراطي عادل، الشعب فيه لا يمكن أن يخدع لأن حقوقه بين يديه، ولأن أدوات دفاعه عن حقوقه بين يديه، ولأن له طلائع مستعدة أن تقاتل عنه وأن تقف أمامه مباشرة لتقود معاركه من أجل حقه في الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية والمحافظة على حقوقه وانتزاع حقوق جديدة، فباعتقادي إن هذا ما يريده الشعب السوري.

إن المستعد لتبني هذه المطالب هو باعتقادي، وبغض النظر عن شكل الحراك الجاري حالياً، في النهاية سيقود الشعب السوري.

منذر: أحذر من أولئك الذين يقاومون الوصول إلى حلول سياسية للأزمة، لأن هذه القوى موجودة في أمكنة عديدة داخل وخارج البلاد، ولكنهم يدافعون عن مصالح مشتركة، وأكرر أننا أمام شعار كبير جداً هو الدفاع عن كرامة الوطن والمواطن التي هي فوق كل اعتبار، ونحن متفائلون ومحكومون ليس فقط بالأمل وإنما بالانتصار أيضاً.

آخر تعديل على الأربعاء, 12 تشرين1/أكتوير 2016 21:30