الحوار.. الخطوة الأولى!
بعد أربعة أشهر من بدء الأحداث في سورية، والتي عبرت عن وجود أزمة وطنية عميقة، والأحداث العنيفة وإراقة الدماء التي رافقتها، وتفاقم منسوب التدخل الخارجي، تنفس الكثير من السوريين الصعداء بعد انعقاد الاجتماع التشاوري أيام 10-11-12 تموز، وصدور بيانه الختامي، فقد تمكن هذا الاجتماع من خلال مجرياته وما طرح فيه، على مرأى ومسمع من السوريين، وما توصل إليه من توصيات, من إقناع الكثير من الناس سواء كانوا مؤيدين أو معارضين بإمكانية السير نحو الحوار الوطني الشامل بصفته مخرجاً آمناً وحيداً وإجبارياً للبلاد في أزمتها العميقة التي تشهدها..
وإن سير النقاشات في اتجاهها العام قد عكست الآراء والتيارات الأساسية في البلاد، وعكست مواقف اتضح في البيان أنها لامست واقتربت بعض الشيء من السقف المطلوب جماهيرياً في مختلف القضايا، من تحرير الجولان، إلى تعديل ومراجعة الدستور، إلى مكافحة الفساد وقضايا حقوق الإنسان... وضرورة توفير المناخ للحوار الوطني الشامل عبر إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، وإطلاق سراح جميع الموقوفين خلال الأحداث الأخيرة، ووقف العنف وإراقة الدماء..
وإذا كان هذا الاجتماع قد وفر الإمكانية للسير نحو الحوار الوطني الشامل، فإنه لابد من تحويل هذه الإمكانية إلى واقع عبر جملة مسائل هامة أساسية:
1- تأمين تمثيل الحركة الشعبية في هذا المؤتمر، وأن يكون هذا التمثيل مباشراً، مما يتطلب إيجاد صياغة لآليات هذا التمثيل، وبشكل حقيقي، فليس هناك من يستطيع أن يدعي تمثيله لها.
2- تحديد جدول أعمال الحوار والقضايا التي سيناقشها.
3- وضع آليات الحوار.
4- وضع جدول زمني لتنفيذ ما سيتوصل إليه الحوار وأدوات التنفيذ.
إن هدف الحوار في نهاية المطاف هو صياغة مفردات الإصلاح الجذري الشامل، ووضع آجال وطرق التنفيذ، وهو ما من شأنه إخراج البلاد من محنتها.
وإذا كانت الجوانب السياسية والدستورية وقانون الأحزاب وقانون الانتخابات وقانون الإعلام.. قد أصبحت واضحة بشكلها العام، إلا أنها تحتاج للكثير من البحث والتدقيق في الحوار الوطني الشامل.
أما الجوانب الاقتصادية - الاجتماعية فهي المسألة الأكثر صعوبة، والأكثر عمقاً، وتشكّل مضمون التغييرات المطلوبة، إذ ينبغي العمل على إيجاد نموذج اقتصادي جديد يؤمّن أعلى مستوى من النمو وأعمق مستوى من العدالة الاجتماعية، بما يسمح بحل مشكلات الفقر والبطالة.
وهذا الأمر لا يمكن حله دون إعادة النظر بشكل توزيع الثروة في المجتمع بين أصحاب الأجر وأصحاب الأرباح، وبين الفقراء والأغنياء بشكل عام.
إن هذا الحوار المرتقب أصبح يمثل منذ الآن أداة سياسية في فرز القوى السياسية والاجتماعية في البلاد، فعلى أساس الموقف منه سوف تصطف القوى، وعلى أساس ما يدور فيه سيتبلور ميزان القوى في المجتمع.
وترتدي أهمية كبرى استناداً لكل ذلك، قضية حضور كل أطياف المعارضة الوطنية مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الأمر الذي يتطلب بذل جهد واضح في هذا الاتجاه لتوفير المناخ الضروري لذلك.
لقد أكدنا سابقاً أن الحوار اليوم في البلاد هو الحل الوحيد الممكن للصراع الجاري حول آفاق المستقبل، هذا الصراع السلمي الحضاري الذي يؤمن المخرج الآمن من الأزمة العميقة التي تعيشها البلاد، والى جانب ذلك سيؤمن الحوار فتح الأقنية المغلقة بين المجتمع والحركة السياسية، وكذلك بين قوى الحركة الشعبية الوليدة وبين كل القوى النظيفة في جهاز الدولة، ومن هنا سيتم الانطلاق لتكوين التحالفات الاجتماعية السياسية الجديدة التي ستسمح بالوصول إلى سورية المستقبل، المتحررة الديمقراطية المحافظة على ثوابتها الوطنية، والتي ستتحول آنذاك إلى قاطرة للتقدم الاجتماعي في المنطقة، وإلى نموذج يحتذى به في البناء الاقتصادي الاجتماعي وفي الصمود الوطني ضد المخططات الإمبريالية الأمريكية والغربية والصهيونية.
إن الفضاء السياسي السابق في البلاد يتغير ليخلي المكان لفضاء سياسي جديد فيه الحي من القديم، وفيه الجديد الوليد، والحوار الوطني الشامل هو الطريق الأمثل والأقل كلفة للوصول إلى الهدف المنشود