الموضوعات البرنامجية.. والمشروع الثقافي الوطني
يأتي عرض مشروع الموضوعات البرنامجية للنقاش العام في فترة مفصلية في سورية والمنطقة ككل، سواء من حيث التطورات السياسية الإقليمية والدولية, أو من حيث الوضع الداخلي بكل تفاصيله السياسية والاقتصادية - الاجتماعية.
والحقيقة أن الموضوعات تشكل نقلة نوعية في طرح رؤية اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، ونواة لبرنامج الحزب الشيوعي السوري الموحد الذي سيقوم بدوره الوظيفي في المجتمع. .وقد كانت هذه النقلة النوعية نتيجة لعمل تراكمي, وطرح القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية للنقاش ضمن شرائح وقوى المجتمع وجهاز الدولة للوصول إلى نواة نموذج بديل يحتاج إلى العمل لخلق حامل حقيقي له من جانب الشيوعيين وجميع القوى الوطنية في المجتمع وجهاز الدولة لتحقيقه وتطويره..
ولكن يبقى هذا المشروع مفتقداً لبعض العناصر والقضايا التي بدورها تلعب دوراً كبيراً في بناء المجتمع وتعزيز صلابته للوقوف في وجه المخططات الامبريالية – الصهيونية في الداخل والخارج .
ومن أهم هذه القضايا: الثقافة الوطنية، التعليم، الصحة..
وسأخص الحديث هنافي قضية الثقافة الوطنية لما لها من أهمية كبيرة في بناء وعي المجتمعات والتعبير عن أمزجة الناس ومشاكلهم، وأحياناً المساهمة في طرح الحلول والعمل على تكريسها في المجتمع .
مما لا شك فيه أن الحديث عن الثقافة الوطنية حتى اليوم هو حديث غير مكتمل، وما يزال حتى الآن يتناول هذه القضية بعمومياتها دون الدخول إلى تفاصيلها وخصوصيتها ضمن تركيبة مجتمعاتنا وخصوصياتها.. ولكن في العموم، يمكن اليوم ملاحظة مشروعين ثقافيين مختلفين يحاولان التأثير في سورية, الأول هو المشروع الثقافي الغربي الذي ترعاه المراكز الثقافية الأجنبية, وبعض الجمعيات الأهلية التي ترعى الشؤون الثقافية، مستخدمة مثقفينا وفنانينا السوريين الذين في معظمهم أصحاب كفاءات عالية على المستوى الفني. ويعمل هذا المشروع على تكريس ثقافة غربية بكل مصطلحاتها التي قد تُنحتُ أحياناً لتصبح مزجاً مشوهاً لثقافة مجتمعنا مع ثقافة الغرب، ولتصل في كثير من الأحيان إلى تكريس ثقافة التطبيع والسلام مع العدو الصهيوني .
ويتميز هذا المشروع وحاملوه بالانعزالية والنخبوية لأسباب عدة أهمها :
1 - الفكرة الأساسية التي يعتمد عليها هذا المشروع ويكرسها هي نظرية الفن للفن بمختلف أشكالها وتنويعاتها.
2 - عدم قدرة هذا المشروع على ملامسة هموم المجتمع والناس الأساسية والحقيقية, وإنما يتوجه نحو التناقضات الثانوية ليلقي الضوء عليها ويقدمها ويحاول أن يكرسها على أنها المشاكل الأساسية في المجتمع مثل: الطائفية – التعصب الديني – العلاقات العاطفية، الجنس.. الخ..
وقد فشل هذا المشروع حتى الآن في الانتشار الأفقي الواسع، ولم يستطع فرض ثقافته في المجتمع بسبب بنيته، بالرغم من أنه انتشر بقوة في أوساط الكثير من المثقفين والفنانين الذين حملوه في معظمهم لعدم وجود بدائل حقيقية .
أما المشروع الثاني فهو المشروع الثقافي الغائم والمتذبذب الذي ترعاه الدولة وتدعمه، والذي يتمثل بما تنتجه مؤسساتها وخطابها العام في الثقافة ومهرجاناتها وغيرها من الفعاليات التي ترعاها ..
ويغلب على هذا المشروع ضعف وتخلف أدواته, وبعده عن الإبداع في طرح موضوعاته ومضامينه .
والأزمة الكبرى تكمن في الفساد والنهب الذي يطغى على هذه المؤسسات المعنية بالثقافة, وهو ما يجعل الهم الأساسي للعاملين في هذا القطاع هو الاستفادة المادية بمختلف أشكالها دون الاهتمام بنتائج العمل الفني أو المضامين التي يمكن العمل عليها وتكريسها, فنلاحظ العديد من الفعاليات الضخمة التي تخصص لها وتنفق عليها ميزانيات ضخمة ولكن دون أي محتوى فني مهم, ودون أي تأثير أو تأسيس لدعم الثقافة في البلد أو الرقي فيها وتطويرها .
وبهذا نرى بكل ما سبق ذكره لوحة هزيلة تتضمن من جهة ألواناً فاقعة وصادمة، وإن بدت جذابة للوهلة الأولى, ولكنها غريبة وطارئة وغير منسجمة مع مجتمعنا، وألواناً أخرى باهتة وضعيفة تكاد لا تلفت الانتباه وتبعث على التشاؤم وفقدان الأمل من جهة أخرى. . وتبقى ضمن هذه اللوحة المساحة الأكبر بيضاء دون أية ضربة فرشاة ملاحظة فيها, تنتظر من يملؤها بمشهد حقيقي يمثّل ملامح مجتمعنا بألوانه ومفرداته, يطغى فيه على كل الفجوات والفراغات والشوائب الأخرى .
هذا المشهد المنشود يجب أن تعمل على وضع خطوطه وألوانه الأساسية كل قوى المجتمع والدولة الثقافية والسياسية, وبالدرجة الأولى الشيوعيين السوريين من خلال طرح هذا الموضوع للنقاش بين أوساط المثقفين والمجتمع كافة, وتكثيف الجهود بين المختصين في هذا المجال للوصول إلى نواة مشروع ثقافي وطني بديل, والعمل على دعم كل التجارب الفنية والأدبية والنقدية التي تصب في هذا المجال بكل الأشكال والوسائل الممكنة, وبذلك ما يخدم في نهاية المطاف الدور الوظيفي للحزب الشيوعي السوري الواحد ..