المطلوب تغيير مسار التوجهات الاقتصادية.. وليس فقط استبدال الحكومة!..

رحلت حكومة العطري التي استمرت لنحو سبع سنوات راسخة في موقعها دون حساب أو متابعة، لا بل إنها كانت تصف الصحافة التي تفضح سياساتها بالمعادية، من منطلق أنها «كلية القدرة» ولا تخطئ، هذه الحكومة التي أرهقت بسياساتها الاقتصادية السوريين على امتداد هذه السنوات السبع، متلطية وراء الأرقام الخادعة التي تصاغ في دوائر الإحصاء السورية الحديثة التجربة والعهد، والمشكك في استقلاليتها أساساً، وهذه السياسات الاقتصادية الخاطئة هي التي أوصلت إلى احتجاجات اليوم المنطلقة من حاجات هذا المجتمع، لأنها عمقت الفقر، وفشلت في إيجاد حل للبطالة، وفوق كل هذا، أفلتت الاقتصاد، وتركت المواطن وحيداً في مواجهة مصيره مفرداً أمام اقتصاد منفلت لا ضوابط فاعلة له اقتصادية كانت أو حكومية، والمبرر أن المرحلة الانتقالية ستكون على حساب الطبقة الفقيرة، وكانت على حسابهم دون سواهم، ولكن دون أي أفق، أو أي حدٍ أدنى من الأمل أن تكون المرحلة القادمة هي في مصلحتهم مستقبلاً...

إذاً، الحكومة الراحلة اليوم، لم تنصف السوريين، ولم تسع لتحسين أوضاعهم، وإقالتها تحمل بارقة أمل في الحد الأدنى، ولكن الأهم من شكل الحكومة القادمة وأسمائها، هو مضمونها وتوجهاتها، فالحكومة سارت على توجهات الخطة الخمسية العاشرة، وفريقها الاقتصادي ورموزه هم من أعدوا الخطة الحادية عشرة، هذه الخطة التي بملامحها العامة لم تلب طموح السوريين، لا بل إنها أعادت عقارب مؤشرات التنمية الاجتماعية – الاقتصادية والاقتصاد الوطني إلى الوراء، ولم تحدث أي اختراق جدي في أي من المؤشرات، إلا حجم الاستثمار القادم، والذي تشوبه الكثير من علامات الاستفهام حول شكله، والمواقع التي استثمر فيها، والتي أدت في النتيجة، لعدم القدرة على امتصاص العمالة الوافدة الجديدة إلى سوق العمل، وقلة عائدية هذا الاستثمار على الاقتصاد الوطني، وبالتالي فإن هذا التغيير الحكومي على أهميته الشكلية، لا يعني أن هناك تغيراً جدياً في السياسات التي ستستمر في مسيرتها بإلهام من الخطة العاشرة واستكمالاً لتوجهاتها وسياساتها..

فالسنوات الماضية من عمر الخطة تركت أثارها السلبية على معظم مؤشرات التنمية الاجتماعية، حيث ارتفع متوسط البطالة من 8% في مطلع العام 2005 إلى نحو 8.4% في العام 2010 بحسب أرقام المكتب المركزي للإحصاء، علماً أن اغلب الاقتصاديين يؤكدون أن معدلات البطالة في سورية تفوق حاجز 15% اليوم..

وبالانتقال إلى الفقر، نجد أن الحد الأعلى للفقر كان في العام 2004 بحدود 30%، أما هذا المعدل بحسب دراسة للأمم المتحدة المعتمدة من الحكومة السورية يصل إلى 33%، وهذا يعني أن حكومة تصريف الأعمال الحالية رفعت معدلات الفقر في سورية خلال سنوات وجودها بنسبة 3% تقريباً..

أما بالنسبة لمعدلات التضخم خلال الخطة الخمسية العاشرة، نجد أن التضخم الرسمي الإجمالي وصل إلى 43.5 %، بينما التضخم الفعلي يصل إلى 300% تقريباً، وبالمقابل ارتفعت الرواتب خلال  هذه السنوات الخمس بنسبة 78 %، أي أن الارتفاع الفعلي للأجور لم يستطع تغطية ارتفاعات الأسعار الحاصلة في الأسواق، وهذا كله بفضل السياسات التي انتهجتها الحكومة وفريقها الاقتصادي، حيث تضاعفت أسعار أغلب السلع والخدمات، وانخفضت القدرة الشرائية لليرة السورية وللمواطن السوري في المحصلة.

وبالانتقال إلى الانجازات الحكومية على الصعيد الاقتصادي، نلاحظ أنه جرى التحول من الفائض في الميزان التجاري البالغ 28 مليار ليرة في العام 2003 إلى عجز يصل إلى 230 مليار ليرة سورية تقريباً، أي أن التراجع والعجز في الميزان التجاري بلغ نحو 750% في السنوات السبع من عمر حكومة العطري..

كما كان القطاع الزراعي هو الآخر أكبر المتضررين من السياسات الحكومية، حيث انخفضت قيمة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة والجارية من 27% في العام 2003 إلى ما يقارب 15% في العام 2009، وهذا التراجع (12%) يعني فقدان الناتج المحلي أكثر من 100 مليار ليرة بالأسعار الثابتة تقريباً، والحكومة كعادتها تذرعت بالجفاف لإبعاد مسؤولية إجراءاتها عن الواجهة، فهل الجفاف وحده كان قادراً على تخفيض حصة هذا القطاع الزراعي بهذه النسبة المخيفة؟! وما هو الدور الذي كان يجب أن يلعبه التخطيط الزراعي في مواجهة موجات الجفاف؟!

إذا فالخطة الخمسية العاشرة قد فشلت، والقادمة تسير على نهجها وسياساتها، وهذا يعني أن تغيير الحكومة شكلاً، وإلزامها في الوقت عينه بخطة (الحادية عشرة) لن يساهم في تحسين الواقع المعيشي للسوريين، ولن يطور الاقتصاد الوطني، لأن «من جرب المجرب عقله مخرب»، لذلك فإن المطلوب تحرير هذه الحكومة القادمة -بالدرجة الأولى- من قيود الخطة الخمسية الحادية عشرة، أو صياغة خطة خمسية مغايرة بتوجهاتها وطموحاتها، لأن سقوف طموحات هذه الخطة -إذا ما تحققت- فإن معدلات البطالة سترتفع بنسبة 1% سنوياً، وبالتالي ستزيد الفقر ومعدلاته أيضاً، ولكن الأهم من كل هذا، هو أن تحقيق أهداف هذه الخطة «الطموحة» يرتبط بالقطاع الخاص الذي يشكل 65% من الاقتصاد، وهذا الدور إرشادي، ولا يمكن إلزام القطاع الخاص به عبر قرارات حكومية، بل إنه متروك لرغبة هذا القطاع ومزاجيته، كما ترتبط أهداف الخطة بحجم الاستثمار القادم، والذي يسيطر القطاع الخاص على 50% منه (أكثر من 2000 مليار)، وإذا لم تتحقق هذه النسبة من الاستثمار فإن الخطة ستفشل.. وهذه هي النتيجة المرتقبة بتقديرنا بعد خمس سنوات إذا ما استمرت السياسات الحكومية على ذات التوجه!!..

إذا كان تغيير الحكومة لا يعني تغييراً في السياسة الاقتصادية المنفذة للخطة الحادية عشرة، وبالتالي تم الأصرار على الاستمرار في السير قدماً على نهج الحكومة السابقة، وإكمال خطوات الخصخصة، ومتابعة الانضمام إلى منظمة التجارة، واتخاذ الخطوات الأخيرة في مجال تحرير الاقتصاد، دون التأمين الأولي لشبكات الحماية الاجتماعية، فهذا يعني أن لا تغييراً جوهرياً في نتائج الخطة الحادية عشرة الحاصلة في 2015، أي أن هناك خمس سنوات مقبلة ستمضي من عمر السوريين دون نتيجة إيجابية، فالمطلوب إنجاز خطوات جدية على طريق إصلاح يخدم مصالح غالبية السوريين، والمنطلق من ضرورة تغيير روافع السياسة الاقتصادية وتوجهاتها الأساسية التي تميزت بها منذ عقد من الزمن، وخلال السنوات الخمس الماضية بشكل خاص..