الاستثمار في الأزمة على حساب الوطن والاقتصاد الوطني
يتجاهل الكثيرون أو يتناسون ذكر الاقتصاد بدلالاته ومعانيه، وبما يشكله من عمق لأي حراك شعبي قائم، فالتركيز يقتصر على السياسي مطالب وتداعيات، بينما يغيب الاقتصاد بكل تجلياته..
لا يراود الشك أحداً أن للاحتجاجات وللحراك الشعبي الذي يحدث الآن في الشارع السوري منذ أكثر من ستة أسابيع نتائج وتبعات سلبية على الاقتصاد، ولن نبالغ إن قلنا إن تراجعاً كبيراً أصاب معظم قطاعاتنا الاقتصادية، وفقدت معادلة الإنتاج والاستهلاك توازنها أيضاً، وأصبح ركود الأسواق سيد الموقف، والمترافق مع «غياب» الدولة عن مراقبة التجاوزات الحاصلة في هذا القطاع الاقتصادي أو ذاك، فالقضية عند البعض مناسبة لاستغلال الفرص واستثمار الأزمة على حساب الوطن النازف بشهدائه واقتصاده، هذا بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية الناتجة عن عمليات التخريب والتدمير لبعض المنشات العامة أثناء الحدث.. إذاً فالاقتصاد في أزمة، أو في أحسن الأحوال يمكن القول إن هذه الارتكاسات هي مقدمات لأزمة اقتصادية قادمة لا محال، وبالتالي علينا التفكير بكيفية إدارة هذه الأزمة بشقها الاقتصادي وليس السياسي فقط..
اهتزاز الليرة السورية
على الرغم من تأكيد مصادر مصرفية في «سورية المركزي» أن سورية تتمتع باحتياطي نقدي كبير يتيح دعم الليرة الوطنية دون أن يسبب ذلك أي خلل في النظام المالي أو في السياسة النقدية المعتمدة في البلاد، إلا أن الواقع يقول إن سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية وصل لـ55 ليرة سورية لكل دولار في السوق السوداء، وذلك للمرة الأولى منذ اندلاع الأحداث في سورية، وهذا يعني أن الظروف الحالية أتاحت للبعض التلاعب بقيمة الليرة السورية، ولكن كيف تم هذا التلاعب؟! ومن يقف وراءه؟!
إن من يلعب بالليرة السورية يسعى دون شك لتخريب الاقتصاد الوطني، وشركات الصرافة في قائمة المتهمين، كما أن هناك شبكات، أو بالأحرى مافيات اقتصادية لا يمكن إنكار وجودها وسعيها خلال الشهرين الماضين لسحب أكبر كمية من الدولارات من مصارفنا، مستغلين قرار المصرف المركزي الذي يتيح لكل مواطن سوري تصريف 10 آلاف دولار شهرياً. وتمثلت أشكال عمل هذه المافيات والشبكات في استغلال بعض الشباب، وسحب 10 آلاف دولار على أسمائهم شهرياً، مستعينة بصورة عن هوياتهم فقط، وأعدادهم ليست بالقليلة، مقابل إعطائهم 500 ليرة سورية على كل عشرة آلاف دولار يصرف على اسم أي أحد منهم، أي يتم إغراؤهم وإعطاؤهم «من الجمل أذنه»، وهذه هي إحدى الأوجه التي أدت لتراجع قيمة الليرة لدينا..
لكن الإجراءات الرسمية لم تستشعر الخطر المحدق بالليرة إلا بعدما بدت واضحة للعيان، وقامت الحكومة السورية بإلغاء قرار سابق كان يتيح لأي مواطن شراء 10 آلاف دولار شهرياً للمصاريف الشخصية، لتخفض المبلغ إلى 5000 ل.س في الشهر. والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: كيف أبقت الجهات المصرفية المركزية على حرية شراء دولار بهذه القيمة الكبيرة على الرغم من الأحداث التي تفترض محاولة البعض التلاعب بقيمة الليرة السورية وأخذ سورية إلى الهاوية اقتصادياً؟! كما لابد من التساؤل عن مدى تأثير وقدرة القرار الإيراني القاضي ببيع نفطها بالليرة السورية منذ 1 أيار 2011 على إعادة الاستقرار لليرة السورية؟!
فقرار المركزي كان يتيح تحويل 2،2 مليار دولار شهرياً للخارج، أو وضعه في أحسن الأحوال خارج البنوك والتداول في أن معاً، هذا إذا ما فتح 1 % من السوريين حساباً من هذا النوع فقط؟! وبالتالي فإن القيمة تتحول تلقائياً إلى 27 مليار دولار سنوياً، وهذا يشكل نصف ناتجنا المحلي الإجمالي، وسحبه وتحويله للخارج أو تجميده خارج مصارفنا يعني حدوث انهيار اقتصادي دون مبالغة، وهذا ما دفع ببعض الشباب للدعوة عبر موقع الواصل الاجتماعي (فيسبوك) لإيداع ولو ألف ليرة سورية لدعم العملة السورية لإعادة القوة لليرة السورية!..
تراجع التحويلات
التحويلات المالية من السوريين في الخارج ليست بالكبيرة بالطبع قياساً بناتجنا المحلي أو بالعديد من التحويلات في الدول المجاورة كلبنان ممثلاً، ومع ذلك فالأحداث التي تشهدها سورية أدت لتراجع هذه التحويلات بشكل واضح كما يؤكد البعض، وهذا التراجع مشابه للتراجعات في التحويلات التي ترافقت مع اندلاع الاحتجاجات في كل من مصر وتونس التي توقفت بشكل كامل أحياناً، حيث يؤكد العديد من المصرفيين السوريين أن التحويلات المالية للسوريين المقيمين في الدوحة انخفضت بنحو %30 مثلاً، وهذا يمكن تعميمه بنسب أقل أو أكثر على أغلب الدول.. وهذا التراجع سيؤثر بدوره على الحركة الاقتصادية في سورية، حيث يعيش الاقتصاد السوري اليوم ركوداً وتباطؤاً لا سابق له..
للسياحة نصيب
لقطاع السياحة نصيبه أيضاً من التأثيرات السلبية للاحتجاجات والحراك الشعبي بكل تشعباته وتعقيداته على الأرض، إن لم نقل بأنه أكثر القطاعات تضرراً على الإطلاق، فالاضطرابات التي تشهدها عدد من المدن السورية ألقت بظلالها على قطاع السياحة، لأن أول ما يطلبه السائح هو الأمان، وبافتقاد هذا العامل يغيب السياح عن شوارعنا ومناطقنا الأثرية، حيث تؤكد أرقام الشركات السياحية السورية تراجع عدد السياح منذ مطلع هذا العام بنسبة 80% قياساً بأعدادهم خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام 2010، والذي ترافق أيضاً مع إلغاء أغلب الحجوزات السياحية التي كانت مقررة، ويتضح هذا بشكل أكبر من خلال طلب بعض الدول الأجنبية (أمريكا، دول الاتحاد الأوروبي، الدول العربية) من رعاياهم عدم التوجه إلى سورية، بل إن البعض طلب من مواطنيه الخروج من سورية، مما خفض عدد الليالي السياحية في الفنادق وأدى لتراجع عدد السياح القادمين إلينا..
وكمؤشر آخر على عمق أزمة القطاع السياحي، تراجع حركة العبور البرية بين سورية ولبنان، حيث يشكل عدد القادمين من لبنان للتبضع أو للسياحة ما يتراوح بين 20 – 40% من مجمل الحركة السياحية الإجمالية، وهذا التراجع يتراوح بين 20 – 40% من مجمل الحركة السياحية الإجمالية، وهذا التراجع سيكسر ظهر سياحتنا بالتأكيد..