التظاهر السلمي ومرسومه.. عَود على بدء!!
محمد عصام زغلول محمد عصام زغلول

التظاهر السلمي ومرسومه.. عَود على بدء!!

 صدر المرسوم التشريعي رقم 54 تاريخ 21/4/2011 م، ليسطر ولأول مرة الحق الدستوري المقدس، في مادته التاسعة والثلاثين الناصة على أن: «للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر سلمياً في إطار مبادئ الدستور، وينظم القانون ممارسة هذا الحق».

وبعد صدور المرسوم جرت مقارنة بسيطة بينه وبين ما هو معمول به في بعض الدول العالمية، فلوحظ أولاً أن القانون السوري لم يميز بين المظاهرة وبين الاعتصام أو الاحتجاج، فهو بتعريفه للمظاهرة في مادته الأولى خلط بين المفاهيم الثلاثة..

فالمظاهرة كما عرفها القانون: تجمّع عدد من الأشخاص، أو سيرهم بطريقة سلمية في مكان أو طريق عام، أو بالقرب منهما بقصد التعبير عن رأي، أو الإعلان عن مطلب، أو الاحتجاج على أمر أو التأكيد على تنفيذ مطالب معينة.

ثم يزيد المرسوم الأمور تعقيداً بنصه على ضرورة:

- تشكيل لجنة تقدم طلبا إلى الوزارة، يتضمن تاريخ وتوقيت بدء المظاهرة، ومكان تجمعها وانطلاقها وخط سيرها، وانتهائها وأهدافها وأسبابها والشعارات التي سترفع خلالها.

- ضرورة الحصول على تعهد موثق لدى الكاتب بالعدل، من منظمي التظاهرة يتعهد بموجبه بتحمل المسؤولية عن كافة الأضرار التي قد يلحقها المتظاهرون بالأموال والممتلكات العامة أو الخاصة.

فهذا التعهد ينصّ على أن هؤلاء المنظمين يتحملون المسؤولية عن كافة الأضرار...إلخ.. وهو ما يتعارض مع الهدف الأساسي من الحصول على التصريح، والذي يعني بالضرورة أن تقوم قوات الشرطة بتأمين الممتلكات العامة والخاصة! وهو أيضاً تناقض وقع به المشرع حين نص في المرسوم ذاته ابتداءً على هدف القانون في:

«التوفيق بين أمن الوطن وسلامته وممارسة المواطنين حقهم في التظاهر السلمي وتمكين السلطات العامة من حماية الأموال والممتلكات العامة والخاصة واستمرار سير المرافق العامة والحفاظ على النظام العام».. فلماذا قد يلقي القانون بالمسؤولية على عاتق المنظمين، الذين لم ولن يستطيعوا حماية المظاهرة من انخراط أو «اندساس» عناصر قد يكون هدفها التخريب أو الإساءة إلى المظاهرة وأهدافها!

أما ما يذكره المرسوم من ضرورة التقدم بالطلب قبل مدة طويلة نسبياً للحصول على ترخيص للمظاهرة، وهي على الأقل خمسة أيام تسبق المظاهرة، والتي تتعارض بذاتها - وبنقطة أخرى - مع ما يليها من مدة الأسبوع الممنوحة للوزارة للرد قبولاً أو رفضاً، والذي يضمن بدوره للوزارة - وبكل بساطة - أن تقضي بالهلاك الحتمي على المظاهرة.. موعدها ومواقيتها.

وهذا خلاف المعمول به في بعض دول العالم التي ربما تمنح التصريح خلال يوم على الأكثر!

وفيما يتعلق بحصر الترخيص بوزارة الداخلية، ما يُعقّد الأمور، في حين لو كان هذا من صلاحيات المحافظات المختلفة أو بعض دوائر الشرطة التابعة لوزارة الداخلية.. لكفى!.

وجدير بنا أن نذكر - ما ألمحنا إليه قبلاً – أن

التصريح بالمظاهرة هو المعروف عالمياً، وهو ما يختلف عن طلب الترخيص المنصوص عليه، فالقانون السوري اعتمد الترخيص، بخلاف التصريح أو الإعلان أو الإبلاغ.

فإبلاغ الجهات المختصة بالمظاهرة إنما يكون على سبيل الإحاطة، لحماية المتظاهرين، وحماية الممتلكات، مع التأكيد أن التظاهر حق أساسي.. والحق الأساسي لا يحتاج إلى ترخيص، إنما فقط إلى إعلام السلطات لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين المظاهرة.

ونحن نظن أن النص الوارد بإمكانية الرفض، حتى مع كون قرار الوزارة معللاً، هو مفهوم فضفاض للغاية، والذي يمكّن الوزارة من أن تتذرع بأمور مقبولة وغير مقبولة، وهو ما قد يضطر معه المنظمون للاعتراض أمام محكمة القضاء الإداري..

وبالتالي إماتة التظاهرة بوقتها، وتوقيتها، وضرورتها، وأهدافها، وأسبابها، مع إطالة أمد النزاع والتقاضي، وإجراءاته!

فضلاً عن أن المرسوم قد نص على أن للجهة المختصة الحق في تعديل موعد المظاهرة أو خط سيرها، وهو عود على بدء!

وعلينا أن ننبه إلى أن هذا المرسوم لم يحدد وسائل فضّ التظاهرة غير المرخصة، خلافاً للعديد من القوانين العالمية التي تلزم رجال الشرطة باستخدام العديد من الوسائل السلمية والتحذيرية قبل البدء بتفريق المظاهرة.. بالرصاص الحي!.

ثم يهدد المرسوم بأنّ مخالفة أيّ من أحكامه ستؤدي إلى تطبيق المواد 335-336-337-338-339 من قانون العقوبات السوري، والتي تحوي عقوبات قاسية، وفضفاضة، في حين نصت بعض القوانين العالمية وبصراحة على عقوبة الحبس لمدة ستة أشهر، وغرامة مالية تفرض بحق من يُنظّم مظاهرة غير مُعلن عنها، لا بحق من يشترك أو يتجمّع.

وفيما أكدت معظم تلك القوانين العالمية على فكرة المسؤولية الفردية عن الخروقات التي تحدث أثناء التظاهرة، وهو ما ينسجم مع المنطق القانوني السليم في المسؤولية وشخصيتها، يتبنى القانون السوري فكرة المسؤولية الجماعية، وإلقاء الحمل على المنظمين!

ولا نعلم حتى اليوم في أيّ من بلدان العالم التي تحوي قوانين للتظاهر، أو التي تبقي التظاهر على حالته الأساسية من الإباحة، وسواء كانت التظاهرة مصرحة أم لا أن قوات الأمن والشرطة، قد تتصرف بأي شكل من أشكال القمع أو العنف في مواجهة متظاهرين أو مطالبين أو محتجين عزّل!

مما يدعونا للتساؤل: هل كان أسلوب فض التظاهرات، والاعتقالات، إنما نتج عن حالة غياب القانون، أم هل بوجوده اليوم، وبالحصول على الترخيص اللازم، قد ينجو المتظاهرون من سياط العقاب!

صدر قانون تنظيم حق التظاهر السلمي، فهل – يا ترى – حصل المواطنون على حق التظاهر السلمي؟!