الطبقة العاملة بين الفقر والنقابات

الطبقة العاملة بين الفقر والنقابات

نحن اليوم في عالم تكثر فيه المتغيرات والتحولات، بجميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية وهذه التحولات أصبحت مترابطة ترابطاً عضوياً والسؤال ما هو سبب سلب الحقوق من العمال، هل هو التطور التكنولوجي وخاصة في مجال الاتصالات والمعلومات؟ أم هو التوجه نحو الاقتصاد الليبرالي، وتحرير التجارة وتقليص دور الدولة في العملية الاقتصادية، وأن التحولات الاقتصادية السياسية على الساحة المحلية كان هو الأساس في فقدان هذه الحقوق.

لقد تغيرت النظم والسياسات الاقتصادية، وكان للعمل النقابي العمالي النصيب الأكبر من هذا التغيير حيث بات التغيير في الحركة النقابية هو المؤشر والدليل الحي على جوهر هذه التحولات وماهيتها.
الفقر حالة اجتماعية تعيشها فئات من المجتمع نتيجة حرمانها من الحصول على الحقوق القانونية الأساسية، وعدم تمكنها من حقوقها الاقتصادية والاجتماعية، وبالأخص الدخل الضروري لحياة معيشية كريمة. ويعتبر الحق في العمل والحصول على الكسب لتحقيق هذا الدخل الضروري من أول الحقوق الإنسانية التي لا بد أن تتوفر لجميع قوى العمل المتواجدة في سوق العمل، ومكافحة الفقر يتطلب إتاحة الفرصة لكافة طالبي العمل في سوق العمل للحصول على فرصة عمل دائمة.
هناك أسباب كثيرة تضع الطبقة العاملة في حالة الفقر ومن هذه الأسباب:
- التعطل عن العمل وانخفاض مستوى الأجور بشكل لا يتناسب مع الواقع المعيشي وحرمان العمال من حقوقهم التي كفلتها لهم الشرائع الدولية والوطنية من خلال الدستور والقوانين النافذة فالغالبية العظمى من العمال بدون حماية تأمينية أو اجتماعية.
_ الفجوة الكبيرة بين الرواتب ومتطلبات الحياة المعيشية اليومية، حيث إن الأجور لا تكاد تسد رمق العمال وأسرهم.
- ضعف النقابات من جهة، وتقاعس هذه النقابات من جهة أخرى في الدفاع عن مصالح العمال من جهة أخرى، مما أدى إلى انكفاء العمال عن الانتساب للنقابات. وقد قدر عدد العمال المنتسبين للنقابات بما ينحو على 600000 عامل حسب التقرير المقدم للمؤتمر العام للنقابات للدورة السابعة والعشرين وأغلبهم من عمال قطاع الدولة حيث يتم انتساب العامل للنقابة شبه جبري أو لا يعلم بانتسابه إلا من خلال اقتطاع اشتراكاته للنقابة من أساس الراتب.
أما عمال القطاع الخاص في التنظيم النقابي فنسبتهم ضئيلة، حيث لم تلعب النقابات ذلك الدور المناط بها في حماية حقوق العمال وخاصة في كيفية تحديد أجور العمال. ومن ناحية أخرى فإن معظم أصحاب العمل يرفضون إنشاء لجان نقابية في منشآتهم ويقومون بالضغط على العمال بشكل مباشر أو غير مباشر لمنع انتسابهم للنقابة. ويعود ضعف النقابات هذا إلى عدة أسباب، وفي مقدمتها تدخل أجهزة السلطة التنفيذية في شؤون وأعمال النقابات، إضافة إلى تدخل أصحاب العمل في تعيين ممثلي العمال في كافة مراحل الهرم النقابي، هذا عدا عن رفض العديد من أصحاب العمل والشركات إنشاء لجان نقابية في منشآتهم كما ذكر آنفاً.
وخلال هذه الأزمة الوطنية تشير الكثير من المعطيات التي حدثت للطبقة العاملة في القطاع الخاص وقطاع الدولة إلى شعور العمال أن هذه النقابات لا تعبر عن آرائهم ومواقفهم وهي لا تستطيع حماية حقوقهم وخاصة الأجور أو التعطل عن العمل بسبب الصرف من العمل. وهنا نلاحظ أيضاً أن أغلب عمال القطاع الخاص غير مشمولين بالمظلة التأمينية وبالأخص عمال القطاع غير المنظم فهم جميعاً لا يعرفون هذه المظلة، وهذا مرتبط بضعف النقابات في القطاع الخاص وخصوصاً القطاع غير المنظم.
إن حجم الفقر وانتشاره في الاقتصاد مرتبط كذلك بتوزيع قوة العمل بين فئات متعطلة وفئات أخرى تعمل بشكل منتظم أو غير منتظم، إن التقليل من حدة الفقر لا يمكن أن يتم إلا من خلال سياسات اقتصادية تهدف إلى رفع نسب النمو الاقتصادي وتحقق العدالة في توزيع الثروة الوطنية وسياسات اجتماعية تحقق الحماية الاجتماعية والأمان وتمكين قوة العمل من حقوقها المختلفة، وتأمين العمل اللائق أحد الشروط الضرورية لمكافحة الفقر ولا بد للدولة والنقابات أن تدرك أن تكلفة الفقر كبيرة، وتكلفة عدم محاربته أكبر من التكلفة التي تبذل من أجل التخفيف منه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1085